حاول نظام آل سعود تمرير آخر فصول محاكمته الهزلية في قضية اغتيال الصحافي جمال خاشقجي داخل قنصلية المملكة مطلع تشرين أول/أكتوبر 2018.
وبدأ نظام آل سعود التعامل مع جريمة قتل خاشقجي بالنكران ثم الاعتراف المنقوص فتدارك الرواية مع كل تسريب تركي وإرسال نائبها العام إلى إسطنبول لـ”تضييع الوقت” والبحث عن التسجيلات؛ وصولًا إلى إعلانه تبرئة المتّهمين الرئيسيين في الجريمة، مدير المخابرات السابق أحمد عسيري، ومستشار الديوان الملكي السابق سعود القحطاني، ومن ورائهما ولي العهد محمد بن سلمان، رغم أن تحقيق المقررة الأممية، أغنيس كالامار، وضعهم ثلاثتهم في موضع اتهام.
ويتكرر اسم القحطاني بالذات، الذي أقيل للمفارقة من منصبه كمستشار في الديوان الملكي إثر افتضاح ملابسات الجريمة، على امتداد صفحات تحقيق المقررة الأممية المئة.
ويورد التقرير مجموعة أدلة ظرفيّة، وأخرى توصّلت إليها كالامار بعد استماعها بشكل مباشر للتسجيلات واطلاعها على التحقيقات التركية، ترجّح تورّط هذا الأخير، ومعه عسيري، في الجريمة، ما يعني بالضرورة تورّط رئيسهما المباشر بن سلمان.
أدلّة ظرفية:
تقرير وزارة الخزانة الأميركية، الذي فرض عقوبات عليه باعتباره “مسؤولًا رفيعًا في الحكومة السعودية اضطلع بدور في تخطيط وتنفيذ العملية التي أفضت إلى مقتل خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول”، وأن الجريمة “تم تنسيقها وتنفيذها بواسطة مرؤوسه ماهر المطرب”، المسؤول الرفيع في الاستخبارات السعودية، الذي ظهرت صور له وهو ضمن حاشية بن سلمان في رحلاته الخارجية.
تقرير شركة “كرول” الأمنية -رغم أن السلطات السعودية استأجرتها لتبرئة بن سلمان في قضية الاغتيال- والتي رصدت رسائل عبر تطبيق “واتساب” بين القحطاني وبن سلمان عشيّة الجريمة، وتحديدًا يومي 2 و3 أكتوبر/تشرين الأول.
تقارير صحافية أخرى تحدثت عن أن الاستخبارات المركزية الأميركية “شفّرت” رسائل بين ولي العهد السعودي والقحطاني قبيل ساعات من اغتيال خاشقجي.
بيان النائب العام السعودي في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2018 الذي صرّح فيه بأن العملية تمّ التخطيط لها بواسطة رئيس الاستخبارات “السابق” أحمد عسيري، وأنه طلب “قائدًا للمهمة” من أجل “إعادة” خاشقجي “عن طريق الإقناع، وإن لم ينجح فبالقوة”. ويشير تقرير النائب العام السعودي كذك إلى أن عسيري طلب أن يرشح مستشار “سابق” في الديوان الملكي، دون الإشارة إليه بالاسم، أحد موظفيه ليرأس الفريق. ويعقّب تقرير كالامار على ذلك بأن “وثائق وبيانات لاحقة عرّفت المستشار المذكور على أنه سعود القحطاني”.
أدلة توصل إليها التحقيق:
مكالمتان هاتفيتان استمعت إليهما كالامار شخصيًّا: الأولى في 28 سبتمبر/أيلول، وفيها محادثة بين ملحق أمني في القنصلية السعودية بإسطنبول وماهر المطرب، الذي يؤكد بأنه “أبلغ مكتب الاتصالات” حول المعلومات التي قدّمها له “حاتم”؛ وفي المكالمة الثانية يسأل المطرب ملحق القنصلية إن كان خاشقجي سيعود في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول، ليرد بالقول: “نعم، كنا مصدومين، لقد تحدثنا للتو”.
يرجّح تقرير كالامار أن يكون مكتب الاتصالات المذكور تحت إدارة سعود القحطاني نفسه، المعروف بأنه المتحكّم في كلّ ما يتصل بالإعلام والتواصل الجماهيري.
أن سعود القحطاني كان المسؤول عن وسائل التواصل الاجتماعي في خدمة بن سلمان “وهذا دليل موثوق على أنه أدار شخصيًّا حملة تستهدف ناشطين ومعارضين سياسيين”.
دوره المباشر في استجواب رئيس الوزراء اللبناني المستقيل، سعد الحريري لدى احتجازه في السعودية، وإشرافه على اعتقال وتعذيب الناشطات النسويات وتهديد بعضهن بالقتل.
أن الضابط في القنصلية السعودية في إسطنبول تعرّف فورًا إلى خاشقجي لحظة دخوله إلى هناك باعتباره “أحد الأشخاص المطلوبين”.
أن ماهر المطرب “القائد المزعوم للفريق المسؤول عن التفاوض (مع خاشقجي)، وأحد المخططين الرئيسيين للعملية، هو نفسه موظف لسعود القحطاني، وفقًا للنائب العام السعودي”.
أن “الأدلة تشير إلى أن جريمة القتل كانت عن سبق إصرار وترصد، وأن التوجيهات من قبل الرؤساء كانت اغتيال خاشقجي، أقله إن لم يوافق على العودة”.
أن “الاختطاف، على الأقل، نظرًا لحجم وطبيعة العملية، كان مخطًّطا له؛ وهو انتهاك للقانون الدولي الإنساني، ومن خططوا لذلك أو دعموه قبلوا راغبين المخاطرة بموت أو إيذاء خاشقجي أثناء تنفيذ الجريمة”.
أنه “لا دليل على أن القحطاني، في أية مرحلة، حاول منع ارتكاب جرائم أثناء الحملة ضد الناشطين، أو أثناء استهداف خاشجقي؛ كما أنه لا دليل على أنه اتخذ خطوات لمعاقبة مرؤوسيه على أي جريمة اقترفت”.
أن “إقالة سعود القحطاني تعكس اعترافًا من قبل الحكومة السعودية بانخراطه ومسؤوليته؛ ومن ثمّ يتوجب التحقيق بشكل أكبر في مسؤوليته الجنائية”.
مع العلم أن النيابة العامة في نظام آل سعود أثناء إعلان الأحكام التي صدرت بحق المتهمين، صنّفت جريمة الاغتيال بأنها حدثت “من دون تخطيط مسبق”؛ بمعنى آخر حادثة “قتل عرضي”. رغم أن فرقة الإعدام جلبت معها أدوات قتل وتخدير وتقطيع للجثة.
وحول ذلك، يسهب التحقيق الدولي الذي أعدّته كالامار، وتحت فصل عنوانه “التخطيط والتحضيرات” في التفاصيل التي تدلّ بشكل لا يقبل الشكّ على أنّ الجريمة حصلت عن سابق تصوّر وتصميم.