تلاحق أحكام الإعدام التعسفية عشرات معتقلي الرأي في سجون السعودية في ظل غياب العدالة لدى القضاء، واستمرار إصدار الأحكام الجائرة.
وأكدت منظمات حقوقية أن 41 معتقلا على الأقل يتهددهم الإعدام في مختلف درجات التقاضي، حيث أعدمت السلطات مؤخرا عدنان الشرفا، وقبلها أحمد الجنبي، بدون أن يذكر اسمهما في قائمة المهددين بالإعدام، وقبلهما القاصر مصطفى آل درويش.
وتعارض منظمة العفو الدولية عقوبة الإعدام في جميع الحالات بلا استثناء، وبغض النظر عن طبيعة الجريمة أو ملابسات ارتكابها؛ أو كون الفرد مذنبًا أو بريئًا، أو غير ذلك من سمات الفرد؛ أو الطريقة التي تستخدمها الدولة في تنفيذ الإعدام.
وفي ظل الأحكام التعسفية التي يصدرها القضاء السعودي ضد أشخاص ارتكبوا جرائم وهم قاصرين، أو أصدر بحقهم عقوبة الإعدام وفق اعترافات انتزعت بالإكراه؛ تقول هيومن رايتس ووتش، إنه لن يكتسب نظام العدالة الجنائية السعودي أي مصداقية حتى يُجري تغييرات جذرية، بالحد الأدنى، مطالبة السعودية بالانضمام إلى الغالبية العظمى من الدول من خلال حظر عقوبة الإعدام للأطفال في جميع الحالات دون استثناء”.
يأتي ذلك فيما صادقت محكمة الاستئناف التابعة للمحكمة الجزائية المتخصصة -غير المستقلة- مؤخرا على حكم يقضي بإعدام الشاب مسلم المحسن بعد محاكمة جائرة افتقدت لجميع شروط المحاكمة العادلة.
وفي 23 نوفمبر 2015 اعتقلت قوات سعودية المحسن بطريقة وحشية من مركز الأعراف للمواد الغذائية في مدينة العوامية شرق البلاد.
تسيطر السعودية على المؤسسات الإعلامية بشكل تام، ما شأنه أن يجعلها خاضعة لإملاءات المؤسسات القمعية مثل وزارة الداخلية ورئاسة أمن الدولة، وكثيرا ما تستخدم المؤسسات الإعلامية لإصدار أحكام قبل أي تحقيق أو محاكمة.
في 24 نوفمبر 2015 نشرت وسائل إعلام رسمية خبرا أشار إلى اعتقال “قاتل” ضيف الله القرشي ونقلت أن المحسن حاول مقاومة رجال الأمن بإطلاق النار أثناء عملية الاعتقال، ما اقتضى التعامل معه وفق الأنظمة وتبادل إطلاق النار معه وإصابته في قدمه والقبض عليه، ولم يتعرض أيُّ من رجال الأمن لأذى.
لم يشر التقرير الذي استند لبيان المتحدث الإعلامي لشرطة المنطقة الشرقية العقيد زياد الرقيطي إلى أن المداهمة كانت في موقع عمل المحسن، كما لم يذكر شيئا عن مصير السلاح المزعوم الذي أطلق به النار على قوات الأمن، ولم يقدم لاحقاً في المحكمة كدليل إدانة.
أكد عدة أشخاص من المدينة ذاتها للمنظمة، ممن يعرفون مسلم، أنه شخصية مسالمة ولا توجد لديه سوابق عنف، ولم يسبق له حمل أو امتلاك أسلحة.
كما تمكنت المنظمة من التواصل مع شاهد عيان كان في المركز أثناء العملية نقل رواية مغايرة لما ذكرته الجهات الرسمية السعودية.
وقال إن ما يقارب من خمسة عشر عنصرا دخلوا بغتة إلى المركز وأغلقوه بسرعة، ثم توجهوا إلى المحسن مباشرة في موقع عمله حيث كان يعمل محاسبا وبادروا بضربه بالهروات وأكعاب أسلحتهم الرشاشة وهو على كرسيه، كما أرغموا المتسوقين بالانبطاح على بطونهم وضربوا عاملاً أسيوياً بسبب عدم الامتثال لأوامرهم، وذكر شاهد العيان أن أحد العناصر هدده بالقتل أن قام من مكانه.
في تلك الأثناء قامت عناصر بأخذ أشرطة فيديو كاميرات المركز. أكد الشاهد أن العناصر سحلت الشاب المحسن وهو فاقد لوعيه إلى خارج مكان عمله من البوابة الخلفية، ومن ثم سُمِع عدة طلقات نارية.
حصلت المنظمة كذلك على صور تظهر محاصرة مدرعات للمبنى الذي يتواجد فيه المركز وصورة لدماء المحسن جراء الاعتداء عليه بالضرب لحظة القبض عليه.
تمتلك السعودية سجلاً أسوداً في اختلاق الروايات الكاذبة التي تدين الضحايا من أجل تبرير العنف المستخدم بحقهم أثناء الاعتقال، بالإضافة إلى رغبتها في تصويرهم للرأي العام كإرهابيين تمهيداً لإصدار أحكام قاسية بحقهم.
على سبيل المثال، في 22 مارس 2012 اعتقلت السعودية الناشط في المظاهرات محمد صالح الزنادي بطريقة دموية كادت أن تودي بحياته. واجه لاحقا تهمة من النيابة العامة بإطلاق النار على الفرقة القابضة ومطالبة بإعدامه، ولكنها اسقطت فيما بعد بسبب تضارب روايات العناصر.
في يوليو 2012 اعتقلت السعودية المطالبة بالعدالة الشيخ نمر النمر عبر التعمد باصطدام سيارته، وبعد القبض عليه قام عناصر بتخديره بإبرة وإطلاق النار على فخذه.
واجه المعارض السلمي الشيخ نمر النمر الذي أعدم في مجزرة ضمت 47 شخصا بينهم أربعة أطفال تهمة مفبركة في المحكمة الجزائية المتخصصة بإطلاق النار على قوات الأمن قبل اعتقاله.
كما زعمت السعودية في حوادث متعددة أن المتظاهرين الذي سقطوا قتلى بنيران قواتها، كانوا قبل ذلك قد بادروا بأطلاق النار تجاه قوات الأمن، ولكنه عجزت عن تقديم أي دليل على ذلك.
أُخضِع مسلم المحسن للتحقيق أثناء مكوثه في المستشفى لعلاج فخذه الأيسر جراء الرصاص الذي تسبب به أحد العناصر، وكان المحقق يتعمد الضغط على مكان إصابته بقصد إيذائه.
بعد نقله من المستشفى أُحتجِز في الحبس الانفرادي ومنع من التواصل مع العالم الخارج لأشهر وحُرِم من حقه في الاستعانة بمحام، في إنتهاك صارخ للقوانين المحلية والدولية. كما تعرض لصنوف عديدة من التعذيب الجسدي والنفسي.
من بين الأساليب التي مورست بحقه، إجباره على الوقوف لساعات طويلة، الضرب المبرح، منعه من النوم بشكل مستمر، إضافة إلى الشتم والاهانة، وتهديده بإحضار زوجته للسجن.
على الرغم من اتهام المتحدث الإعلام لشرطة المنطقة الشرقية العقيد زياد الرقيطي، والصحف الرسمية للمحسن بأنه قاتل الشاب ضيف الله القرشي، بعد عملية اعتقاله مباشرة، إلا أن النيابة العامة قدمت رواية مزعومة أخرى مفادها أنه كان يقود دراجة نارية، وأن مرافقه هو من قام بإطلاق النار على سيارة الضحية.
في 12 فبراير 2019 وجهت النيابة العامة للمحسن خليط من التهم الفضفاضة التي خلت من تقديم أي دليل مادي وأكتفت بالاعترافات التي قال الضحية أنها انتزعت منه تحت الإكراه والتعذيب.
كان من بين التهم التي وجهت له وأُدين بها بعد محاكمة صورية تفتقد لجميع شروط المحاكمات العادلة، المشاركة في التظاهرات، ترديد شعارات سياسية، رمي عبوة خليط ملتوف على سيارة الشرطة، التواصل مع مطلوبين، قيادة المسلم للدراجة النارية التي استهدفت القرشي (المرافق هو القاتل بزعم النيابة)، المشاركة في تشييع ضحايا قتلوا بنيران القوات السعودية، وإعاقة القوات الأمنية عن أداء مهامها من خلال وضع أخشاب وأحجار في الطريق.
من خلال عشرات القضايا التي راقبتها المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان ، وجدت أن السعودية حرمت الضحايا من حقهم الأصيل في افتراض البراءة عبر محاكمات صورية وحملات تشويه شنتها الجهات الرسمية والصحف الرسمية قبل بدء المحاكمات.
وبحسب تتبع قضية المسلم منذ لحظة اعتقاله حتى بدء مسرحية محاكمته، لمست المنظمة تخبط الجهات الرسمية في دوره المزعوم في حادثة قتل الشاب ضيف الله القرشي، بالإضافة لنسج الفرقة القابضة للرواية المختلقة حول مقاومة الضحية لهم أثناء عملية اعتقاله.
كما وجدت المنظمة أن القضاة لم يستجيبوا للمحسن بإحضار أشرطة فيديو كاميرات مركز المواد الغذائية التي تدحض رواية الفرقة القابضة، بالإضافة لامتناعهم عن المطالبة بإحضار أشرطة فيديو جلسات التحقيق التي تثبت التعذيب والاكراه الممارس بحقه.
وهذا يكشف أن القضاة غير مستقلين وخاضعين بشكل كامل لرئاسة أمن الدولة، وأن المحاكمات ليست سوى أداة لقمع المحتجين وأصحاب الرأي والمعارضين.
كما تؤكد المنظمة أن السعودية استندت بشكل تام لاعترافات منتزعة تحت وطأة التعذيب في إدانتها للمحسن، ولم تقدم أية أدلة مادية رصينة، في انتهاك صارخة لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية.
وترى المنظمة أن الحكم بحق الشاب المحسن انتقامي، خاصة أن عقوبة القتل التعزيرية أداة قمعية تستخدمها السعودية من أجل تبرير أحكامها الجائرة التي لم تبنى على جرائم من الأشد خطورة، وهي تنحصر بحسب القانون الدولي بالقتل العمد، وهو ما لا تتضمنه هذه القضية.
وشددت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان على أن الحكومة السعودية حكمت على الشاب مسلم المحسن منذ لحظة اعتقاله من خلال الإعلام، وحرمته من أبسط حقوقه، من خلال تعذيبه وحرمانه من الدفاع عن نفسه، والحكم عليه قبل إجراء تحقيقات شفافة وعادلة.
ورأت المنظمة الحقوقية أن الخطر الوشيك على حياته بالمصادقة على حكم القتل التعزيري بناء على تقدير القاضي، تكريس لزيف ادعاءات السعودية فيما يتعلق بإصلاحات عقوبة الإعدام، ويوضح إصرارها على الاستمرار في استخدام هذه العقوبة التعسفية الجائرة.