آل سعود ينظرون لقبائل المملكة على أنها تهديد للوحدة الوطنية!
ما يقوم به الحاكم الفعلي في المملكة محمد بن سلمان لا يتطلب جهداً ذهنياً كبيراً, فعملية التفتيت الممنهجة لركائز الحكم لا تؤسّس لدولة جديدة خاصة عند الحديث عن التهميش الحاصل لقبائل المملكة والتعسف بحقوقهم.
في المملكة كان الحال مختلفاً جداً، فسلطة آل سعود لم تترسخ إلا بالسيف، وعبر السيف تم إخضاع وإذلال قبائل عربية كبيرة، من بينها قبيلة شمر العربية، التي كانت تحكم أجزاء كبيرة من شبه الجزيرة العربية، ولم يتوقف الأمر عند تلك المرحلة التاريخية وحسب، وإنما امتدّ إلى مراحل لاحقة، حيث بقيت الثارات القبلية متوقدة داخل المملكة.
وتعتمد سياسة نظام آل سعود في المملكة على التمييز بين المواطنين في المدن وبين القبائل اذ يتعمدوا تهميش القبائل ويحرمونهم حقوقهم.
ويجرد آل سعود قبائل المملكة من أي حقوق لاسيما المشاركة السياسية أو إيجاد مساحة مستقلة ديمقراطية كنظام برلماني منتخب يستوعب عن طريق الاقتراع الحر مثل هذه المجموعات القبلية، فيما يتورط باعتماد وسائل خبيثة بالتمييز القبلي لضمان ضرب صفوف القبائل وعدم توحدهم ضد النظام.
وهذه المساحة هي وحدها الكفيلة ليس فقط بإيجاد فرصة للمشاركة السياسية بل هي أيضا الخطوة الاولي لتحديث القبيلة وقيادتها حيث تخضع قيادة القبيلة نفسها للانتخاب وتتبعثر عن النمط الوراثي المعهود تقليديا.
فالمملكة هي الدولة الوحيدة التي كان للقبائل دور بارز ومركزي في نشأتها من الناحية العسكرية عبر مشروع الإخوان وتوطينهم في (الهجر).
المملكة بلد التمييز الرسمي والتناقضات الحادّة، ليس فقط على الصعيد الطائفي: شيعة وسنة وسلفيين وهابيين، وليس فقط على الصعيد المناطقي، بل على الصعيد القبلي أيضاً.
وكان قد دعى عدد من الكتاب والنقاد إلى ضرورة “تذويب القبيلة لأنها تسهم في تقوية أجهزة الدولة المدنية”، مؤكدين أن “المادة 26 من نظام الحكم السعودي، تؤكد على حقوق الإنسان وفق الشريعة الإسلامية لا وفق التصنيف القبلي أو المناطقي”، محذرين من “أن تقوية القبيلة قد تؤدي إلى إيجاد تحالف قبلي يهدد وحدة الدولة واستقرارها”.
وأشارت الناشطة والمثقفة سهام القحطاني إلى أن “المجتمع القبلي يبطئ كثيراً عملية التغيير بعاداته وتقاليده التي تشهد حراكاً واسعاً في المجتمع السعودي، خاصة ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001”.
من جانبها أشارت عضو لجنة حوار الحضارات امتثال أبو السعود لضرورة تفعيل أدوار مؤسسات المجتمع المدني وإعطائها مزيداً من الصلاحيات، لمواجهة “المد القبلي والمناطقي، وتحقيق مصالح المواطنين حتى لا يبحثوا عن جهات خارجية أو قبلية لتحقيقها”، مؤكدة “أن غياب مؤسسات المجتمع المدني يؤدي إلى تصاعد النعرات القبلية”.
وتقاطع حديث أبو السعود مع ما طرحه المثقف محمد بن زايد الألمعي من أن “مؤسسات المجتمع المدني ستسحب فتيل أزمة استشراء القبائلية والمناطقية في المجتمع السعودي”، وأكد أهمية “استصدار نظام الجمعيات الأهلية المدنية”.
في حين طالب الباحث الشرعي الشيعي محمد عبد الغني عطية في حديثه بقانون مدني “ينظم العلاقات الداخلية بين كافة أطياف ومذاهب المجتمع السعودي”، وأضاف أن “ترجمة تلك الملتقيات على أرض الواقع لن تكون بين يوم وليلة، لكنها تساهم فعلياً في سحب فتيل أزمة المناطقية”، مؤكداً في معرض حديثه أن “توصية اللقاء ورفعها لصناع القرار ستؤدي إلى تعميق الوحدة الوطنية القائمة على الانتماء للوطن فقط”.
في حين كان للقاضي السابق وأستاذ أصول الفقه بجامعة أم القرى بمكة المكرمة الدكتور محمد بن صالح الدحيم رأي مختلف في “النظرة التشاؤمية نحو مفهوم القبيلة في المملكة العربية السعودية”، مؤكدا “ضرورة الارتقاء بالقبيلة وتدعميها بالوطنية”.
بينما كان غياب مشروع ثقافي يعزز الانتماء للوطن هو السبب في تفشي دور القبيلة وتنامي العصبية والانتماء لها في نظر البعض .
وذهب البعض إلى التحذير من تنامي دور القبيلة إلى الدرجة التي يمكن أن تهدد الوحدة الوطنية.
فيما كانت المواطنة والانتماء للوطن هي الخيار الذي اتفق عليه الجميع في تحقيق وحدة واستقرار المملكة وإن اختلفت الرؤية للمواطنة فمنهم من رآها مواطنة الحقوق والواجبات وليس مواطنة الشعارات وتحقيق العدل والمساواة من خلال قانون عام يضمن حقوق الناس ويؤكد التنوع والتعدد بشكل حضاري ، والبعض الآخر استحضرها في العودة للجذور وما قام عليه الكيان.
من جانب آخر ذكر الدكتور مرزوق بن تمباك أستاذ الأدب العربي في جامعة الملك سعود بحسب تصريحه, إن الروابط القبلية والإقليمية والأسرية ثنائيات لابد أن توجد في أي مجتمع كالمذهبية والقبلية والأسرة والإقليمية، لكن المحظور أن تتحول إلى عصبية وتخرج عن طبيعتها.
وأضاف أن العصبية في الوقت الحالي هي عصبية البيروقراطية التي تؤثر في واقع المجتمع.
وأشار الدكتور بن تمباك إلى أن ذلك يتحقق بالعدالة الاجتماعية والمساواة وأن ينبذ كل فريق أو فئة العصبية لنفسه أو قبيلته أو إقليمه، منتمياً إلى المواطنة على أنها القاسم المشترك الذي يتحقق به وجود الإنسان.
وأوضح أن ما يحدث في العالم الآن “يحوي اتجاهاً إلى التشرذم والرجوع للثنائيات، وهذا ما لا نريده في بلادنا، وإنما نريد المواطنة الحقة”.