
رغم صورته التي يسوّقها للعالم كرجل تحديث وإصلاح، يواجه ولي العهد محمد بن سلمان – المعروف اختصاراً بـ MBS – اتهامات متزايدة بتحويل المملكة إلى دولة يُخشى فيها مجرد التعبير عن الرأي، وبإرساء حكم فردي قمعي يطارد المعارضة ويكتم الأصوات.
وأبرزت صحيفة نيويورك بوست الأمريكية، أنه على مدار أقل من عقد، استطاع محمد بن سلمان أن يُحكم قبضته على مقاليد السلطة في المملكة، مستخدماً أساليب قاسية لإقصاء منافسيه وفرض سطوته المطلقة على مفاصل الدولة.
تروي الصحفية كارين إليوت هاوس، في كتابها الجديد «الرجل الذي سيصبح ملكًا: محمد بن سلمان وتحول السعودية» (الصادر عن منشورات هاربر)، أن ولي العهد تحرّك بسرعة وحسم منذ تولي والده الملك سلمان العرش عام 2015.
حتى يوم جنازة الملك عبد الله، كان الأمير الشاب – الذي لم يكن يحمل آنذاك أي لقب رسمي وكان عمره 29 عامًا – يجتمع مع مستشاريه ويأمرهم بإعادة هيكلة الحكومة على الفور، قائلاً لهم: «خذوا وقتكم… لكن قرروا الليلة».
خلال الأشهر الثمانية عشر التالية، أطاح ابن عمه الأكبر محمد بن نايف من ولاية العهد، ليتولى هو المنصب، في خطوة مثّلت بداية مرحلة جديدة من حكم الرجل الواحد في السعودية.
لكن مشهد بسط سلطته لم يكن سياسياً فقط، بل حمل وجهاً بوليسياً صارخاً تمثل في ما بات يُعرف بـ «قضية الريتز كارلتون» عام 2017، حين حوّل MBS الفندق الفخم في الرياض إلى سجن ذهبي.
اعتقل حينها ما يقرب من 400 أمير ووزير ورجل أعمال تحت تهم الفساد، بينما الحقيقة – كما تكتب هاوس – كانت أنها حملة تطهير سياسي ومالي، إذ اضطر بعض المعتقلين لدفع مليارات الدولارات مقابل إطلاق سراحهم. أحد المعتقلين وحده دفع مليار دولار لتسوية قضيته.
خاشقجي: الجريمة التي طاردت ولي العهد
لكن ربما لم تظهر سطوة محمد بن سلمان بشكل فاضح أمام العالم بقدر ما ظهرت في جريمة مقتل الصحفي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول في أكتوبر 2018.
ورغم نفي MBS مسؤوليته المباشرة عن الجريمة، تقول هاوس إن كثيراً من السعوديين، ومعظم الغرب، مقتنعون بأن سيطرته شبه المطلقة على كل تفصيل في المملكة تجعل من غير المعقول أن تقع جريمة كهذه دون علمه أو أوامره.
تنقل هاوس عن شابة سعودية قولها: «نحن نعلم أنه متورط في قضية خاشقجي، لكن لا نريد التفكير في ذلك لأنه أنجز أشياء جيدة كثيرة». إلا أن هذه «الأشياء الجيدة» لا تبدو كافية لتبديد حقيقة أن دم خاشقجي كان جزءًا من تكلفة بناء سلطة MBS.
السجون لمن يجرؤ على الكلام
ورغم مسارعة ولي العهد إلى تصدير صورة المصلح، تظل الحقيقة، بحسب كتاب هاوس، أنه لا مكان للمعارضة في السعودية تحت حكمه.
تكتب هاوس بوضوح: «تم سجن المئات من السعوديين، كثير منهم بتهم غير دقيقة، لكن في الأساس لأنهم أغضبوا محمد بن سلمان بطريقة أو بأخرى».
وحتى من لا يدخل السجن يعيش في خوف دائم من التعبير عن رأيه. فولي العهد لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا ويتدخل فيها شخصيًا، إذ تقول هاوس عنه: «هو المسؤول عن كل شيء في المملكة، من السياسة إلى الترفيه… ولا شيء يبدو صغيرًا بما يكفي ليفلت من انتباهه».
دولة بلا مساحة للاختلاف
في مملكة MBS، لم يعد هناك مكان فعلي لأصوات النقد أو المعارضة السياسية أو حتى الاجتماعية. الحكم مركزي وشخصي بدرجة مقلقة، يراقب كل شيء ويعاقب على أبسط الانحرافات عن خطه المرسوم.
وما يفاقم القلق هو أن هذه القبضة الحديدية تتزامن مع مشاريع إنفاق هائلة – مثل مدينة «نيوم» التي تُبنى وسط الصحراء – ما يثير المخاوف من مغامرات اقتصادية قد تُثقل كاهل الأجيال القادمة، وكلها تُنفذ بلا مساءلة أو نقاش عام حقيقي.
وبرغم كل حملات الدعاية التي تحيط بولي العهد، يبقى في جوهر حكمه قاسم مشترك واحد: حكم رجل واحد لا يقبل الشك أو المعارضة، ويضع كل من يخالفه على قائمة المستهدفين، سواء داخل السعودية أو خارجها.
وبين الترويج لصورة ولي العهد «الشاب المصلح» وصورة الحاكم الفرد المطلق، تتأرجح المملكة على خيط رفيع من الخوف والأمل. لكن ما بات مؤكداً – كما تخلص إليه هاوس – أن محمد بن سلمان أصبح الرجل الأوحد الذي يُمسك بمفاتيح المملكة كلها، ولا أحد يجرؤ على تحديه.
وبينما يترقب السعوديون والعالم مستقبل هذا البلد المحوري، يبقى السؤال الأكثر إلحاحاً: ما هو الثمن الذي سيدفعه الشعب السعودي مقابل حكم ولي عهد لا يرى إلا نفسه الملك الحقيقي؟.