وعود بن سلمان الاقتصادية تحولت إلى سراب
مع توليه ولاية العهد منتصف عام 2017، أطلق محمد بن سلمان تعهداته بقرب انتهاء اعتماد المملكة على النفط من خلال فتح استثمارات جديدة وإنعاش الاقتصاد بمشاريع ضخمة لتحقيق معدلات نمو قياسية.
غير أن تعهدات بن سلمان تحولت إلى سراب ومعدلات النمو القياسية التي بشر بها تحولت إلى كابوس تشمل العجز في الموازنة وتقليص الإنفاق الحكومي وارتفاع معدلات البطالة والفقر.
أبرز مؤشرات عدم صدق وعد بن سلمان الذي قطعه للسعوديين العجز المسجل بموازنة المملكة في 2020، بمبلغ 187 مليار ريال (49.86 مليار دولار) من 131 مليار ريال متوقعة (34.93 مليار دولار) في 2019، مع تضرر الإيرادات من جراء تراجع أسعار النفط.
وتوقع وزير المالية محمد الجدعان، خلال مؤتمر صحفي عقده في (نوفمبر الماضي)، أن يرتفع الدين العام في 2020 إلى 26% من الناتج المحلي الإجمالي، عند 754 مليار ريال (201 مليار دولار)، مقابل 678 مليار ريال (180.8 مليار دولار)، أو 24% من الناتج المحلي الإجمالي، متوقعة في 2019.
ويتوقع تقرير موازنة عام 2020 أن ينخفض معدل نمو الناتج المحلي النفطي عام 2019 مقارنة بعام 2018 من جراء التزام المملكة باتفاقيات “أوبك بلس”.
وقدر التقرير الإيرادات غير النفطية للمملكة في عام 2020 بـ320 مليار ريال (85 مليار دولار) بزيادة قدرها 1.6%، وكانت هذه الإيرادات في عام 2019 قد بلغت 315 مليار ريال (84 مليار دولار).
ولم تنجح المملكة في الخروج من عباءة الاقتصاد النفطي، كما يقول المحلل الاقتصادي محمد الشهري، حيث توقعت السعودية أن يصل مبلغ الإيرادات النفطية خلال 2020 إلى 513 مليار ريال (163.8 مليار دولار)، من أصل مجموع إيرادات يبلغ 833 مليار ريال (222.1 مليار دولار).
ولم تستطع المملكة تحصيل إيرادات غير نفطية، وهو ما دفعها إلى اللجوء إلى فرض ضرائب ورسوم وغرامات منذ 2017 لتحقق من خلالها زيادة بنحو 2.5%.
ولجأ نظام آل سعود إلى سد أقسام كبيرة من عجز موازناتها خلال الأعوام الماضية عن طريق وسائل متعددة؛ أبرزها فرض ضرائب ورسوم جديدة، إضافة إلى الاقتراض، ومصادرة أموال أمراء وأثرياء ورجال أعمال متهمين بالفساد.
لكن عوائد هذه الخطوات الضريبية لا تكفي لتغطية نفقات المملكة المتزايدة، وخاصة بمجال التسلح والأمن، الذي أنفق عليه آل سعو خلال العامين الماضيين أكثر من 120 مليار دولار، لتحتل بذلك المرتبة الرابعة عالمياً بعد الولايات المتحدة والصين وروسيا.
ويبدو أن المشاريع الطموحة لرؤية 2030 ستكون ضحية فشل سياسات المملكة الاقتصادية، فبحسب ما ذكرت وكالة “بلومبيرغ” الاقتصادية الأمريكية، فإن ولي العهد غير راضٍ عن سير عملية تنفيذ مشاريع الرؤية، ويرى أن هناك حاجة لإعادة النظر فيها.
ونقلت الوكالة عن وزير المالية، محمد الجدعان، قوله: إن “مراجعة خطة 2030 تجري كل عام بناء على المعطيات المستجدة، ومن تبعات ذلك خفض البرامج والمشاريع ودمجها أو تعديلها، إضافة إلى استبدال مجالس إدارتها”.
وخلال الأعوام القليلة الماضية واجه الاقتصاد السعودي العديد من الضربات التي تسبّبت بهبوط جميع مؤشراته، تمثل أبرزها في الضربات الهجومية التي تعرضت لها شركة “أرامكو” في سبتمبر 2019، وتعطيل نصف الإنتاج النفطي السعودي.
ومن الضربات الاقتصادية التي تعرضت لها اقتصادياً هو خفض وكالة “فيتش”، في أكتوبر الماضي، التصنيف الائتماني لشركة “أرامكو” السعودية من (A+) إلى (A).
وأخذت الوكالة الدولية في الحسبان في خفضها تصنيف “أرامكو” التوترات الجيوسياسية المتزايدة في المنطقة، وكذلك استمرار عجز الموازنة في البلاد من بين عوامل أخرى.
وعكس طرح أرامكو للاكتتاب العام، المتعثر، في (نوفمبر الماضي)، أحد مؤشرات وتأكيدات فشل “رؤية 2030″، إذ لم تكن الأرقام التي تم طرحها قريبة من تطلعات ولي العهد.
وقررت الشركة بيع 1.5% من أسهمها بناء على نطاق سعري للسهم الواحد بين 30 و32 ريالاً (8 دولارات و8.5 دولار)، بعد تأجيله مرَّتين، ما يعني أنها ستحصّل 24 مليار دولار على الأقل من البيع، وهو ما يشكل إحباطاً حقيقياً لخطط بن سلمان.
وجاء نطاق سعر الأسهم مخالفاً للخطط الأصلية التي كان قد أعلن عنها وطمح إليها بن سلمان في عام 2016، إذ تمتلك أرامكو 200 مليار سهم، ما يعني أن قيمتها تحددت بين 1.6 و1.71 تريليون دولار، وهو أقل من عتبة تريليوني دولار.
ووفق التحليلات المحاسبية فإن السعر المقيّم من طرف ولي العهد السعودي، البالغة قيمته تريليونَي دولار، مبالَغ فيه، حيث تشير تلك التقارير إلى أن القيمة الحقيقية 1.5 تريليون فقط.
وفي ظل توجُّه العالم نحو الطاقة النظيفة، واستمرار معاناة معظم شركات البترول العملاقة وخضوعها لسيطرة الدولة؛ فإن استثمار 1.5 تريليون في هذا المجال يعتبر مخاطرة.