السعودية بين فشل رؤية 2030 وتصاعد أزمة الميزانية

الدين العام يتفاقم والعجز يتسع

بعد نحو تسع سنوات على إعلان ولي العهد محمد بن سلمان “رؤية 2030″، التي وُصفت بأنها أكبر خطة إصلاح اقتصادي في تاريخ المملكة، تكشف الأرقام والوقائع عن تعثر واضح في تحقيق الأهداف المعلنة وتصاعد أزمة الميزانية.

وبينما كان يفترض أن تُخرج الرؤية الاقتصاد السعودي من الاعتماد المفرط على النفط، فإن العبء الأكبر لتمويل مشاريعها الضخمة لا يزال يقع على عاتق الميزانية العامة للدولة، في وقت تتزايد فيه أزمات العجز والديون بوتيرة مقلقة.

وتشير بيانات المالية العامة إلى أن ميزانية السعودية تعاني من عجز مزمن منذ سنوات، يجري تغطيته بشكل شبه كامل عبر الاقتراض، ما يؤدي إلى ارتفاع الدين العام عامًا بعد عام:

وفي 2024 بلغت الإيرادات 1230 مليار ريال، مقابل نفقات بلغت 1345 مليار ريال، أي بعجز قدره 115 مليار ريال جرى تمويله بالديون، لترتفع المديونية الحكومية إلى 1199 مليار ريال.

في 2025 قُدرت الإيرادات عند 1184 مليار ريال، مقابل نفقات عند 1285 مليار ريال، أي بعجز قدره 101 مليار ريال، جرى أيضًا تمويله بالديون، ليصل الدين العام إلى 1300 مليار ريال.

وتشير التوقعات إلى أن عجز 2026 قد يصل إلى 130 مليار ريال، ما سيرفع الدين إلى 1430 مليار ريال.

بهذا المعدل، فإن القروض باتت المصدر الأساسي – بل الوحيد – لتغطية العجز، ما يعني أن أي زيادة في الإنفاق أو أي انخفاض في أسعار النفط يترجم مباشرة إلى تضخم في الدين العام.

الدين العام في صعود حاد

وفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي، سيقفز الدين الحكومي إلى ما نسبته 40.6% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2030، مقارنة بـ29.8% حاليًا. هذا الارتفاع يعكس فشل رؤية 2030 في تحقيق هدفها الرئيسي المتمثل في “الاستدامة المالية” وتنويع مصادر الدخل.

الأخطر أن خدمة الدين (أقساط القروض والفوائد) ستأخذ حصة متزايدة من الإنفاق العام، ما سيؤدي إلى تفاقم العجز بدلًا من تقليصه.

ويعني ذلك أن جزءًا متناميًا من الميزانية سيذهب لسداد الديون بدلًا من الاستثمار في الخدمات أو تحسين مستوى معيشة المواطنين.

رؤية 2030 بين الطموح والواقع

حين أُطلقت رؤية 2030، وعد ولي العهد السعودي بتحويل المملكة إلى مركز عالمي للاستثمار والسياحة والتكنولوجيا، مع تخفيف الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للإيرادات.

إلا أن الواقع يظهر أن النفط لا يزال المصدر الأول للإيرادات، حيث تشكل عائداته أكثر من 65% من دخل الدولة.

كما أن المشاريع العملاقة مثل “نيوم” و”ذا لاين” و”مشروع البحر الأحمر” تمول أساسًا من خزينة الدولة وصندوق الاستثمارات العامة، الذي بدوره يعتمد على ديون وأسواق مالية دولية.

إلى جانب ضعف الإيرادات غير النفطية رغم رفع الضرائب والرسوم وتوسيع قاعدة التحصيل، ما يعكس محدودية النمو في القطاعات البديلة وغياب الاستثمارات الأجنبية الكبرى التي كانت الرؤية تراهن عليها، بسبب عوامل سياسية وأمنية وحقوقية.

انعكاسات مباشرة على المواطنين

تضخم العجز والديون لا يبقى حبيس الأرقام، بل يترجم إلى ضغوط ملموسة على المواطنين:

زيادة الضرائب غير المباشرة مثل ضريبة القيمة المضافة (15%).

ارتفاع تكاليف المعيشة نتيجة الرسوم المفروضة على الخدمات والعمالة الوافدة.

احتمال تراجع الإنفاق الحكومي على قطاعات حيوية مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية مع تزايد أعباء خدمة الدين.

غياب أثر حقيقي للمشاريع العملاقة على حياة المواطنين اليومية، حيث تبقى إنجازاتها دعائية أكثر من كونها اقتصادية ملموسة.

مستقبل قاتم للمالية السعودية

المعادلة التي تواجهها السعودية تبدو معقدة: عجز متنامٍ، ديون متصاعدة، اعتماد مفرط على النفط، ومشاريع طموحة بلا تمويل مستدام.

وفي ظل استمرار أسعار النفط في التقلب، فإن أي انخفاض جديد قد يؤدي إلى أزمة مالية أعمق، تدفع الحكومة إلى مزيد من الاقتراض أو فرض إجراءات تقشفية أشد.

من الواضح أن رؤية 2030، التي صُممت لتكون بوابة التحول التاريخي للاقتصاد السعودي، تتحول تدريجيًا إلى عبء مالي ثقيل. وإذا استمرت الاتجاهات الحالية حتى نهاية العقد، فإن المملكة قد تجد نفسها في وضع أكثر هشاشة مما كانت عليه قبل إطلاق الخطة.

وعليه تكشف الأرقام أن فشل رؤية 2030 في تنويع الاقتصاد يضع السعودية أمام مأزق مالي خطير. فبدلًا من أن تؤدي إلى تقليل الاعتماد على النفط وتعزيز الإيرادات غير النفطية، أضافت الرؤية أعباءً جديدة على الخزانة، وأدت إلى تضخم الدين العام وارتفاع عجز الميزانية.

ومع اقتراب عام 2030، تبدو الوعود التي أطلقها محمد بن سلمان بعيدة عن التحقق، فيما يزداد القلق من أن تتحول المشاريع العملاقة إلى مراهنات خاسرة، يُدفع ثمنها من قوت المواطن السعودي ومستقبل الأجيال القادمة.