السعودية والإعدامات التعسفية: إصرار على خرق الالتزامات الدولية

على مدى السنوات الأخيرة، لم تتوقف آليات الأمم المتحدة المختلفة – من المقررين الخاصين إلى الفريق العامل المعني بالاعتقال التعسفي – عن توجيه رسائل متكررة إلى الحكومة السعودية بشأن أوضاع القاصرين والمعتقلين السياسيين والإعدامات التعسفية.

ورغم وضوح هذه التحذيرات، ومرجعيتها القانونية الدولية، مضت الرياض في تجاهلها الصريح عبر تنفيذ حكم الإعدام بحق الشاب جلال اللباد في 21 أغسطس/آب 2025، وهو أحد أبرز الحالات التي تناولتها الأمم المتحدة بشكل مباشر.

وبحسب أوساط حقوقية فإن هذه الخطوة لا تعكس فقط تمسك السلطات بنهجها القمعي، بل تكشف أيضًا زيف خطاب الإصلاح الذي تروّج له.

القاصرون في مواجهة المقصلة

من أبرز الملفات التي أثارتها الأمم المتحدة قضية سبعة قاصرين راسل بشأنهم عدد من المقررين الخاصين الحكومة السعودية في فبراير 2023.

ويؤكد الخبراء أن أي إعدام لأشخاص ارتكبوا جرائم قبل بلوغ سن 18 عامًا سيكون انتهاكًا صارخًا لاتفاقية حقوق الطفل التي صادقت عليها السعودية عام 1996.

كما شددوا على الحظر المطلق للتعذيب بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب، مبرزين أن القانون السعودي – خصوصًا قانون مكافحة الإرهاب – يتسم بفضفاضية تسمح باستخدامه كذريعة لمعاقبة الاحتجاج السلمي أو التعبير عن الرأي.

وطالبت هذه الرسائل بإعادة محاكمات عادلة وإلغاء أحكام الإعدام ضد القاصرين، إضافة إلى إنهاء الممارسات اللاإنسانية مثل حرمان العائلات من جثامين أبنائها بعد الإعدام. لكن، وكما أثبتت واقعة اللباد، لم تلتفت السلطات لهذه التحذيرات.

أحكام على أساس تهم تعزيرية

في يوليو 2023، سلط المقررون الخاصون الضوء على قضيتَي عبد الله الدرازي ويوسف المناسف، مبيّنين أن التهم الموجهة إليهما ليست من “أخطر الجرائم” التي تستوجب الإعدام وفق القانون الدولي.

بل إنها جرائم تعزيرية، ما يجعل الحكم مخالفًا حتى للمرسوم الملكي الصادر عام 2020 وقانون الأحداث لعام 2018 اللذين وعدا بوقف إعدام القاصرين.

ورغم أن الرياض أعلنت أمام لجنة حقوق الطفل أنها لا تطبّق العقوبة بحق من هم دون 18 عامًا، إلا أن الواقع يكشف استمرار إصدار هذه الأحكام وتنفيذها. هنا، يظهر بوضوح التناقض بين الالتزامات المعلنة والممارسة العملية على الأرض.

الإعدام رغم التحذيرات

في يونيو 2024، أرسلت آليات الأمم المتحدة رسالة جديدة بشأن قضايا اللباد والدرازي والمناسف، مؤكدة أن الأحكام صدرت بناءً على اعترافات انتُزعت تحت التعذيب، في غياب الحق في الدفاع أو الاستعانة بمحامٍ كفؤ.

كما لفتت الرسالة إلى اعتماد السلطات على قانون الإرهاب لعام 2017 الذي سبق أن انتُقد بشدة لتجريمه المعارضة السياسية والاحتجاجات السلمية.

وأكدت الرسالة بوضوح أن تنفيذ هذه الأحكام سيشكّل إعدامًا تعسفيًا وغير قانوني، داعيةً إلى الامتناع عن التنفيذ وإعلان وقف رسمي للعقوبة. لكن السعودية مضت في 21 أغسطس 2025 إلى إعدام جلال اللباد، في خطوة بدت كرسالة تحدٍّ للمجتمع الدولي بأسره.

قضايا المفكرين والدعاة

لا يقتصر الانتهاك على القاصرين. ففي نوفمبر 2019، تناولت رسالة مشتركة للأمم المتحدة ملفات سلمان العودة، عوض القرني، حسن المالكي، وعلي العمري.

أبرزت الرسالة الانتهاكات الإجرائية الجسيمة: الحرمان من الاتصال بالعائلة، انتزاع الاعترافات تحت التعذيب، وغياب الضمانات الأساسية للمحاكمة العادلة. وأكدت أن التهم لا ترقى إلى مستوى “أخطر الجرائم”، وأن أي إعدام بحق هؤلاء سيكون تعسفيًا بالكامل.

ولم يقتصر الأمر على الرسائل، بل تبنى الفريق العامل المعني بالاعتقال التعسفي آراء قانونية واضحة. ففي 2023، خلص إلى أن اعتقال سعود الفرج كان تعسفيًا، ودعا لإطلاق سراحه وتعويضه.

لكن السلطات أعادت محاكمته في ديسمبر 2024 وحكمت عليه مجددًا بالإعدام، دون معالجة المخاوف المتعلقة بالتعذيب وانتهاك المحاكمة العادلة.

كما أصدر الفريق في نوفمبر 2024 رأيًا بخصوص خمسة قاصرين، بينهم اللباد، مؤكدًا أن احتجازهم تعسفي ويستوجب الإفراج الفوري. هذه الآراء، التي يفترض أن تكون ملزمة أخلاقيًا وقانونيًا، قوبلت من الرياض بالتجاهل التام.

بيانات علنية وتجاهل صارخ

في أكتوبر 2023، أصدر المقرر الخاص المعني بحالات الإعدام بيانًا حول قضية عبد الله الدرازي، أعرب فيه عن قلق بالغ من قرب إعدامه رغم أنه كان قاصرًا عند الاعتقال.

كما شدد على أن المرسوم الملكي لعام 2020 لم يُطبق عمليًا، وأن قانون الأحداث لا يزال يسمح بالإعدام في بعض الجرائم. وفي أبريل 2025، أصدر الفريق العامل بيانًا جديدًا حول خمسة قاصرين، معتبراً أن أي تنفيذ للأحكام بحقهم سيكون انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي.

لكن السعودية، بتنفيذها إعدام اللباد في أغسطس 2025، أثبتت أن النداءات الدولية لا تساوي شيئًا في حساباتها الداخلية، وأنها ماضية في سياسة الردع الدموي.

نمط ممنهج… لا حالات فردية

تسلسل هذه الرسائل والبيانات يكشف عن نمط ثابت وممنهج: محاكمات تفتقر للعدالة، اعتماد على اعترافات منتزعة بالتعذيب، تعريفات فضفاضة للإرهاب تجرّم المعارضة السلمية، إخفاء قسري، إعدامات سرية، وحرمان العائلات من جثامين أبنائها. إنها سياسة دولة وليست تجاوزات فردية.

وبينما تواصل السعودية ترويج خطاب “الإصلاح والتغيير” أمام المجتمع الدولي، فإن سجلها في مجال الإعدامات يكشف حقيقة مغايرة. فالإعدام الأخير لجلال اللباد، رغم كل التحذيرات، يُعد دليلًا قاطعًا على زيف الادعاءات، ورسالة مفادها أن الرياض لا تعير أي اعتبار لالتزاماتها الدولية.

وإذا استمر هذا النهج، فإن السعودية ستواجه تآكلًا متزايدًا في مصداقيتها، وربما عزلة متنامية على الصعيد الحقوقي. والأهم، أن الضحايا القادمين – من القاصرين والمفكرين والمعارضين – سيواصلون دفع الثمن الباهظ لصمت العالم وتواطؤه مع سياسة الإعدامات التعسفية.