واجهت العلاقات بين نظام آل سعود والولايات المتحدة الأميركية الممتدة إلى نحو 75 عاماً، سلسلة من التحديات نجحت قيادتا الدولتين في تجاوزها خاصة بفضل إنفاق الرياض أمولا هائلة على صفقات عسكرية ومحاولات التأثير على القرار الأمريكي.
ولكن هناك حقائق ومتغيرات أزاحت الصورة النمطية للعلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة والتي ظلّت سائدة لعدّة عقود، حيث بات النفط السعودي أقلّ أهمية للولايات المتحدة التي أصبحت أكبر منتج للنفط في العالم عن 12.9 مليون برميل يومياً منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2019.
وبحسب وكالة أنباء الأناضول التركية فإن العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة والمملكة بُنيت على ضمان التدفق الحر الآمن للنفط السعودي طوال عقود من الحاجة الأميركية له، والتعاون العسكري في الحرب الأهلية في اليمن وفي تطبيق السياسات الأميركية في المنطقة.
اختار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، المملكة كأول دولة يزورها مُنذ وصوله إلى البيت الأبيض في يناير/ كانون الثاني 2017، إذ عقد خلال زيارته صفقة سلاح وخدمات دفاعية بقيمة 100 مليار دولار، وأبرم صفقة ثانية بقيمة تصل إلى 370 مليار دولار خلال 10 سنوات قادمة.
ووفقاً لتقرير خدمة أبحاث الكونغرس، أبرمت الولايات المتحدة والمملكة اتفاقيات بيع أسلحة بلغت 139 مليار دولار بين عامي 2009 و2016. وأظهرت بيانات معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام (منظمة دولية مستقلة) أنّ الإنفاق العسكري العالمي بلغ 1.9 تريليون دولار في عام 2019.
وتشكل خمس دول ما نسبته 62 في المائة من الإنفاق العام في العالم لعام 2019، هي: الولايات المتحدة والصين والهند وروسيا والمملكة التي تراجعت من المرتبة الثالثة عالمياً عام 2018 إلى المرتبة الخامسة عام 2019.
وحتى عام 2018، كانت المملكة تحتفظ بثالث أكبر ميزانية دفاعية في العالم، وهي أكبر مشترٍ للأسلحة والمعدات الأميركية، إضافة إلى استمرار حاجة الرياض لمدربين ومستشارين عسكريين لبيان كيفية استخدام تلك الأسلحة والمعدات باهظة الثمن.
وحتى وقت قريب، ظلّ الرئيس ترامب يدافع عن علاقة بلاده مع المملكة، على الرغم من الانتقادات الواسعة التي تصدى لها في ما يتعلق بقتل الصحافي جمال خاشقجي، والحرب في اليمن.
ووفقاً لتقارير غربية، تُنفق المملكة ما يصل إلى 4 مليارات دولار شهرياً على حربها في اليمن، ما يؤثر بقدراتها على تقديم الدعم لعدد من دول المنطقة، مثل مصر والأردن، لضمان الاستقرار الأمني في المنطقة.
ومع عدم وجود أرقام رسمية، تتحدث بعض التقارير الإعلامية الغربية عن أنّ تكلفة الحرب خلال السنوات الثلاث الأولى تعدت 100 مليار دولار مع خسائر في الأرواح والمعدات العسكرية.
وتتعرض سياسات الإدارة الأميركية في علاقتها مع الرياض لانتقادات واسعة من المشرعين في الكونغرس، ومعظمهم من المدافعين السابقين عن الأخيرة، حيث تعتبر الشريك والحليف الأوثق للسياسات الأميركية في المنطقة.
ومع تفشي وباء كورونا، وزيادة حدّة حرب أسعار النفط مع روسيا، وتضرر قطاع النفط الصخري الأميركي، زادت مستويات الانتقادات من منطلق أن مصالح واشنطن يجب أن تُقدّم على ما سواها، وأنّ الرياض سببت أضراراً بالغة في الاقتصاد الأميركي.
وتحدثت مصادر إعلامية أميركية، الخميس 7 مايو/ أيار، عن خلافات سعودية أميركية حول إنتاج النفط وعزم الأخيرة، دون الأخذ بالحسبان واقع استمرار التوترات بين المملكة وإيران، سحب نحو 300 جندي مع بطاريتي صواريخ “باتريوت”.
والمعلوم أن واشنطن أرسلتها لحماية منشآت نفط سعودية بعد الهجمات التي تعرضت لها منشآت أرامكو منتصف سبتمبر/ أيلول من العام الماضي، من قبل إيران أو قوات حليفة لها.
ويتساءل مشرعون أميركيون عن “جدوى الاحتفاظ بنحو 2500 جندي أميركي في المملكة ومنظومات دفاع جوي للدفاع عن النفط هناك في ذات الوقت الذي يعلنون فيه الحرب على نفطنا”، في إشارة إلى الأضرار التي سبّبتها حرب الأسعار بين المملكة وروسيا وأدت إلى تراجع أسعار النفط الأميركي إلى “أقل من 37 دولاراً للبرميل الواحد” في 11 إبريل/ نيسان الماضي، في هبوط غير مسبوق.
ويطالب أعضاء في الكونغرس بتغيير نمط علاقة التحالف الاستراتيجي بين بلادهم والمملكة المسؤولة عن الأضرار التي لحقت بقطاع نفط بلادهم.
وفي الحقيقة، ربط الرئيس الأميركي بين وجود قوات بلاده في المملكة وحرب الأسعار إلى الحد الذي يعتقد فيه بعض المراقبين أنّ المملكة أُرغمت على إعادة النظر في سياساتها النفطية بما يتلاءم مع المصالح الأميركية دون المساس بعلاقة التحالف العميقة بين البلدين.
وتتخذ المملكة في الكثير من الأزمات الاقتصادية إجراءات استباقية لتلافي أية مشاكل مستقبلية قد تواجه القطاع الاقتصادي الذي يُعَدّ من بين أقوى اقتصادات العالم.
ووفقاً لتصريحات العديد من المسؤولين السعوديين، فإن القرار السعودي يُتخَذ وفق ما يخدم مصالح المملكة لا مصالح الآخرين، سواء في ما يتعلق بأسعار النفط أو غيرها.
لكنّ حرب الأسعار بين المملكة وروسيا في الأسابيع الماضية شكلت منعطفاً في موقف ترامب من الرياض، والتساؤل عما إذا كانت بلاده لا تزال بحاجة لحماية النفط السعودي الذي يباع معظمه الآن للصين ودول آسيوية أخرى، لا الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، كما كان عليه الحال سابقاً.
وهناك دعوات أميركية إلى إعادة تقييم العلاقات بين قوّة ديمقراطية مثل الولايات المتحدة ودولة تحكمها عائلة لا تشترك معها في قيم الحريات الدينية وحقوق المرأة وحرية التعبير، مع اتهامات متكررة بدعم الإرهاب.
ومع ذلك، يميل خبراء إلى أنّ من الصعب توحيد موقف الكونغرس ضدّ المملكة، حيث لا تزال علاقات الرياض بالبيت الأبيض علاقة متينة على الأقل في المرحلة الراهنة.
وفي آخر اتصال هاتفي، الجمعة 8 مايو، أعلن البيت الأبيض أن ترامب والعاهل السعودي جددا التشديد على قوة الشراكة الدفاعية بين بلديهما، واتفاقهما على أهمية الاستقرار في أسواق الطاقة العالمية بصفتهما قائدي مجموعتي الدول السبع (الولايات المتحدة) والدول العشرين (المملكة).
وعلى الرغم من وجود مراكز نفوذ مهمة تعمل ضدّ الحفاظ على مستوى متقدم من العلاقات الأميركية المملكة، إلّا أنّ البيت الأبيض والخارجية الأميركية يؤكدان دائماً متانة العلاقات الثنائية وأهمية الشراكة الدفاعية بين البلدين، حتى مع أجواء الخلافات بينهما في ما يتعلق بإنتاج المملكة من النفط.
لكن من السابق لأوانه التكهن بتراجع مستوى العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة إلى خلافات عميقة مع مرونة واضحة في التعاطي مع “الأزمات الوقتية” يبديها كلا الطرفين.
ومع ذلك، من غير المستبعد أن يشهد العالم خلال الأشهر أو السنوات القليلة القادمة بداية انهيار الشراكة الاستراتيجية الأميركية المملكة المستمرة منذ أكثر من سبعة عقود، والتي ترتكز على التدفق الآمن للنفط في مقابل الحماية الأمنية.