قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الدولية اليوم إن مركز ترحيل في العاصمة السعودية الرياض يحتجز المئات من عمال مهاجرين معظمهم من الأثيوبيين، في ظروف مهينة إلى درجة أنّها قد تصل إلى سوء المعاملة.
ونقلت المنظمة عن معتقلين أنّهم يُحتجزون في غرف مكتظة للغاية لفترات مطوّلة، وأنّ الحرّاس يعذّبونهم ويضربونهم بعصي حديدية مغلّفة بالمطاط، ما أدّى إلى ثلاثة مزاعم وفاة في الاعتقال على الأقلّ بين أكتوبر/تشرين الأوّل ونوفمبر/تشرين الثاني.
وأكدت هيومن رايتس وونش أنه ينبغي أن تفرج سلطات آل سعود فورا عن المحتجزين الأكثر ضعفا وأن تحرص على استخدام الاحتجاز فقط كتدبير استثنائي وكملاذ أخير، وعليها فورا إنهاء أي تعذيب وسوء معاملة، والتأكّد من مراعاة ظروف الاحتجاز للمعايير الدولية.
وقالت نادية هاردمان، باحثة في قسم حقوق اللاجئين والمهاجرين في هيومن رايتس ووتش: “ليس لدى السعودية، إحدى أغنى دول العالم، أي عذر لاحتجاز عمّال مهاجرين في ظروف مريعة وسط تفشي وباء صحي لشهور طوال”.
وأضافت أن “لقطات الفيديو لأشخاص محشورين معا، ومزاعم التعذيب، والقتل غير المشروع صادمة، وكذلك عدم استعداد السلطات على ما يبدو للتحريك ساكنا للتحقيق في ظروف الاعتداء ومحاسبة المسؤولين عنها”.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، تحدّثت هيومن رايتس ووتش عبر الهاتف مع سبعة عمّال أثيوبيين محتجزين في مركز ترحيل في الرياض، ورجلَيْن هنديَيْن احتُجزا في المركز نفسه قبل ترحيلهما. اعتقلت السلطات معظم العمّال واحتجزتهم لأنّهم لم يكن لديهم تصاريح إقامة صالحة.
قال جميع الأشخاص الذين قابلناهم إنّ السلطات السعودية وضعتهم في غرف مكتظة وقذرة إلى جانب مهاجرين آخرين يصل عددهم إلى 350 مهاجرا لأشهر طوال. يقبع رجلان في الاعتقال منذ أكثر من عام.
شرح المحتجزون أنّه ليس لديهم مساحة كافية للاستلقاء، فينام بعضهم في النهار والآخرون في الليل. لم يؤمّن الحرّاس لهم الفرشات، إنّما فقط أغطية متّسخة.
أثبتت الصور والفيديوهات روايات الشهود، بما في ذلك مقطعَي فيديو يظهران مئات الرجال يقفون أو ينامون فوق بعضهم البعض في غرفة مكتظة، مع أكوام من النفايات والمخلّفات في الزاوية.
ورغم تفشي وباء صحي عالمي، وصف المحتجزون كيف أنّ الاكتظاظ جعل التباعد الاجتماعي والحياة في ظروف صحية نظيفة مستحيلَيْن.
قال من قابلتهم هيومن رايتس ووتش إنّ الحرّاس كانوا يأخذون حرارتهم في بداية احتجازهم، لكن لم تُتّخذ أي تدابير أخرى للحدّ من تفشي فيروس “كورونا”.
أضاف المهاجرون أنّهم تشاركوا حمّامَيْن إلى خمسة حمّامات مع 350 محتجز آخر، وأنّ أماكن الاستحمام لم تكن متوفّرة لهم، ولم يُوزّع عليهم الصابون. كان المحتجزون يستعملون ماء الحنفيات فوق مراحيض القرفصاء للاستحمام.
اعترف العديد من المهاجرين الذين تحدّثت إليهم هيومن رايتس ووتش أنّ الإصابة بفيروس كورونا هي أبرز مخاوفهم لأنّهم لاحظوا أعراض الفيروس على محتجزين آخرين.
بحسب المنظمة لم تتّخذ سلطات آل سعود في مركز الترحيل على ما يبدو أيّ تدابير خاصّة لحماية المجموعات الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس، مثل السجناء الأكبر سنّا والأشخاص الذين لديهم حالات طبية مسبقة.
أظهر شريط فيديو تلقّته هيومن رايتس ووتش وحلّلته رجلا من جنوب آسيا في زاوية غرفة اعتقال مكتظّة يبدو عليه أنّه هزيل ومريض.
قال جميع الأشخاص الذين قابلتهم المنظمة إنّ حرّاسا يرتدون بزّات خضراء، وسوداء، ورمادية اعتدوا عليهم، أو إنّهم شاهدوا الحرّاس يضربون محتجزين آخرين بعصي حديدية مغلّفة بالمطاط.
كان الضرب يحصل عادة عندما يطلب المحتجزون اهتماما طبيا أو يشتكون من ظروف الاحتجاز. قال ستّة من أصل تسعة من الأشخاص الذين قابلناهم إنّهم شاهدوا حرّاسا يضربون مهاجرين بشدّة لدرجة أنّهم أُخرجوا من غرفة الاحتجاز ولم يتمّ إرجاعهم.
في إحدى الحالات، شهد رجل أثيوبي (27 عاما) على القتل غير المشروع لثلاثة محتجزين آخرين، بينهم محتجزان ضُربا بشدّة من قبل الحرّاس إلى درجة أنّهما ماتا فورا نتيجة جروحهما، ومات آخر بعد بضع ساعات.
وصف المهاجرون أيضا الاعتداء اللفظي من الحرّاس، بما في ذلك الإهانات العنصرية، والتهديدات، والشتائم المتكرّرة.
احتجاز المهاجرين في مرافق مزرية مشكلة طال أمدها في السعودية. في 2014، أخبر مواطنون أثيوبيون في الرياض هيومن رايتس ووتش أنّ آلاف العمّال الأجانب يُحتجزون في مرافق احتجاز مؤقتة من دون غذاء ومسكن ملائمين قبل ترحيلهم.
في 2019، حدّدت هيومن رايتس ووتش حوالي 10 سجون ومراكز احتجاز حيث يُعتقل المهاجرون لفترات مختلفة. في أغسطس/آب 2020، حدّدت المنظمة ثلاثة مراكز احتجاز في جيزان ومحافظة جدّة، حيث كان آلاف المهاجرين الأثيوبيين يُحتجزون في ظروف مزرية منذ طردهم من شمال اليمن في أبريل/نيسان.
قال أثيوبيون قابلناهم إنّهم شكّلوا الجنسية الأكبر بين المحتجزين في الغرفة نفسها؛ وكان الآخرون من تشاد، وغانا، وكينيا، ونيجيريا، والصومال.
تلقّت هيومن رايتس ووتش فيديو لغرفة مليئة بمحتجزين من جنوب آسيا في مركز الترحيل نفسه وحلّلته، وتحدّثت أيضا إلى عاملَيْن مهاجرَيْن احتُجزا في منشأة الرياض نفسها، وأُعيدا مؤخرا إلى الهند. قالا إنّ الأشخاص من جنوب آسيا، وأغلبهم من الهنود والباكستانيين، احتُجزوا في غرف منفصلة عن المجموعات الأفريقية من جنوب الصحراء الكبرى. لم تتمكّن هيومن رايتس ووتش من التأكّد من التوزيع الدقيق للجنسيات في مركز الرياض.
وفق تقرير صادر في أكتوبر/تشرين الأول 2020، يتوزّع نحو 10 ملايين عامل أجنبي في السعودية على معظم قطاعات العمل، بخاصة قطاعيّ الطاقة والخدمات.
تُجري السعودية تمشيطا منتظما للعمّال الأجانب غير الموثّقين، بما في ذلك حملة اعتقالات ضخمة بين نوفمبر/تشرين الثاني 2013 وأغسطس/آب 2017.
رُحّل نحو 260 ألف أثيوبيا، أي بمعدّل 10 آلاف شخص في الشهر، من السعودية إلى أثيوبيا بين مايو/أيار 2017 ومارس/آذار 2019، وفق “المنظمة الدولية للهجرة”.
قال سبعة من أصل تسعة مهاجرين تحدّثت إليهم هيومن رايتس ووتش إنّهم لم يكن لديهم وثائق عندما اعتقلتهم سلطات آل سعود.
كان بحوزة شخصين قابلناهما تصاريح إقامة صالحة تجاهلتها سلطات آل سعود، بمَن فيهما رجل هندي يعمل كمهندس في المملكة منذ 25 عاما، لكنّه اتُهم ببيع الخضار، وهي مهنة قيل له إنّها محصورة بالمواطنين السعوديين.
لم يقُل أيّ من المحتجزين الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش إنّهم مُنحوا فرصة الطعن في اعتقالهم أو احتجازهم، بمَن فيهم الذين يحملون تصاريح إقامة صالحة. يرقى الاحتجاز المطوّل من دون وصول إلى مراجعة قضائية إلى الاحتجاز التعسّفي الذي يحظره القانون الدولي.
أكدت هيومن رايتس ووتش أنه ينبغي أن تحقق الحكومة السعودية في مزاعم الانتهاكات والقتل غير المشروع في مراكز احتجاز المهاجرين، وأن تؤدّب أو تقاضي مَن تجدهم مسؤولين عن هذه الأعمال على نحو ملائم.
تضمن”اتفاقية مناهضة التعذيب” التي تلتزم بها السعودية الحظر المطلق في القانون الدولي للتعذيب والمعاملة القاسية، أو اللاإنسانية، أو المهينة. يشمل التعذيب تعمّد موظّف عام إلحاق الأذى الشديد أو العذاب لدواعٍ مثل التخويف والإكراه.
اعتبر المقرّر الخاصّ للأمم المتحدة المعني بالتعذيب و”لجنة حقوق الإنسان” ممارسة الضرب المبرح شكلا من أشكال التعذيب. على السعودية تشريع أبواب مراكز الترحيل والاحتجاز للتفتيش من خبراء في منع التعذيب.
أكثر من ذلك، ينبغي أن تصادق السعودية على “البروتوكول الاختياري لاتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب” التي تجعل علميات التفتيش إلزامية.
وشددت المنظمة الحقوقية على أنه ينبغي أن تستخدم سلطات آل سعود احتجاز المهاجرين فقط كتدبير استثنائي كملاذ أخير وتحرص على امتثال مراكز الاحتجاز والترحيل لديها للمعايير الدولية و”قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء” (“قواعد مانديلا”).
كما ينبغي إحضار كلّ محتجز للمثول جسديا أمام قاضٍ لإجراء مراجعة قضائية لشرعية وضرورة احتجازه في غضون 48 ساعة من احتجازه. كقاعدة، ينبغي الإفراج عن المحتجزين إلّا إذا استطاعت الجهات المحتجِزة إبراز ضرورة قانونية واضحة قائمة على حقائق، وعلى أساس فردي، لاحتجازهم بانتظار محاكمتهم أو ترحيلهم الوشيك.
وحثت المنظمة سلطات آل سعود على أن تتواصل فورا مع السلطات الأثيوبية وغيرها من الحكومات التي يقبع مواطنوها في مراكز الاحتجاز والترحيل السعودية، والمنظمة الدولية للهجرة، و”المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” من أجل ترتيب العودة الطوعية للاجئين الذين لا يزالون في الاحتجاز، والمساعدة في دعم إعادة دمجهم في بلدهم الأمّ، بما في ذلك تأمين الخدمات النفسية والاجتماعية (الصحة العقلية) لهم.
ينبغي أن تتمتع المفوضية بإمكانية وصول تامّة لتقييم أيّ طلب للحصول على صفة لاجئ، وعليها أيضا أن تقيّم ما إذا كانت أي عودة منظّمة تسهّلها الوكالات الإنسانية الأممية طوعية. عبّر جميع الأثيوبيين الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش عن مخاوفهم من العودة إلى بلادهم التي تواجه حاليا أزمة حقوقية بالإضافة إلى صراع في منطقة تيغراي الشرقية والذي أدّى إلى نزوح جماعي إلى السودان المجاور.
على الحكومة السعودية أن توقّع وتصادق على “اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين” و”الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمّال والمهاجرين وأفراد أسرهم” لعام 1990.
قالت هيومن رايتس ووتش إنّ على المملكة إنفاذ قانون اللاجئين بالتماشي مع المعايير الدولية ووضع تدابير لجوء عادلة للمواطنين الأجانب الذين قد يكونون معرّضين لخطر الاضطهاد في بلدانهم الأصلية.
وأضافت أن عليها أيضا السماح لمفوضية شؤون اللاجئين بممارسة ولايتها في تحديد وضع اللجوء لطالبيه وتسهيل الحلول الدائمة للأشخاص المُعترف بأنّهم لاجئون، بما في ذلك دمجهم في السعودية، عند الاقتضاء.
قالت هاردمان: “على السعودية التحرّك سريعا لإنهاء الظروف التعسفية في مراكز الترحيل في الرياض واحتواء احتمال تفشٍ كارثي لفيروس كورونا. ينبغي للحكومات التي لديها مواطنين داخل المركز أن تضغط على السلطات وتبذل كلّ ما بوسعها لتسهيل العودة الطوعية”.