تهدد اعتقالات ولي العهد محمد بن سلمان لأمراء كبار في المملكة بينهم أعضاء في هيئة البيعة مصير الهيئة المكلفة باختيار الملك وولي العهد وولي ولي العهد.
وتتكون الهيئة من أبناء وأحفاد المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود، ولقد أسست الهيئة عام 2006 بأمر ملكي أصدره الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز آل سعود.
وكشف موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، إن عضوا ثانيا في هيئة البيعة جرى اعتقاله، كجزء من حملة الاعتقالات التي شنها محمد بن سلمان، وطالت عمه أحمد بن عبد العزيز وولي العهد السابق محمد بن نايف.
وأوضح الموقع أن الأمير المعتقل هو محمد بن سعد آل سعود ، ابن سعد بن عبد العزيز، الأخ الراحل للملك سلمان. وأشار إلى أنه انضم إلى نحو 20 أميرا، اعتقلوا ليلة الجمعة الماضية.
ونقل الموقع عن مصادر مطلعة قولها، إن منصور الشلهوب، مدير المكتب الخاص للأمير أحمد بن عبد العزيز، قيد الاعتقال.
وقال إن عضوا ثالثا في هيئة البيعة، جرى استجوابه، وهو سعود بن نايف، الأخ الأكبر للأمير محمد بن نايف وهو والد وزير الداخلية، لكنه أخلي سبيله لاحقا.
وكان “ميدل إيست آي”، كشف عن خطة ولي العهد لتثبيت نفسه كملك، في الوقت الذي لا يزال والده على قيد الحياة، قبل قمة العشرين المقرر عقدها في الرياض في تشرين ثاني/نوفمبر المقبل.
وبحسب الموقع، فإن خطوة مثل هذه تتطلب موافقة هيئة البيعة.
وقال إن نمط الاعتقالات، يؤكد ما ذكره الموقع البريطاني، نقلا عن مصادر مطلعة من أن محور عملية الاعتقالات، هو هيئة البيعة، وليس عملية انقلاب مزعومة.
وأضاف: “دور الهيئة في مخطط ابن سلمان من شقين، الأول، هو إعلان الملك سلمان، الذي يعاني الخرف ولم يعد قادرا على أداء واجباته كملك، وبمقدور المجلس منح سلطته التي تخلى عنها طوعا لابنه، وبذلك يصبح ولي العهد محمد بن سلمان ملكا”.
وقال “ميدل إيست آي”: “عندما غادر الأمير أحمد منزله في لندن، بضمانات من جهاز المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه)، والمخابرات البريطانية الخارجية (أم آي 6)، بأنه لن يعتقل حال عودته للسعودية، كان الهدف منع ابن أخيه من الصعود للعرش دستوريا، باستخدام الصلاحيات المخولة له للقيام بذلك”.
أما الشق الثاني من الخطة، “فهو الموافقة صعود ولي العهد، من بين 3 مرشحين يعرضهم الملك، وبالتالي فإن إزالة جميع الأصوات المعارضة، أمر أساسي لخطط محمد بن سلمان للاستيلاء على العرش”.
ولفت الموقع إلى الوضع الحالي، لحالة الخرف التي يعاني منها الملك سلمان، وتتضارب فيها التقارير.
وأوضح أن الملك تلعثم في خطاباته في قمة الاتحاد الأوروبي، وجامعة الدول العربية، وشرم الشيخ، في فبراير من العام الماضي، وكان عليه أن يسأل أحد المساعدين عما إذا كان قرأ الفقرة الأولى.
وأشار إلى أن محادثاته مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عقب مقتل الصحفي جمال خاشقجي، كان الملك السعودي فيها غير قادر على الإجابة على الأسئلة، أو الدخول في نقاش، وكرر فقط الكلمات التي كان يقرؤها من نص.
ورغم ذلك بحسب الموقع، زعم وفد كويتي التقاه العام الماضي، أن الملك يستطيع التحدث بحرية معهم.
وكشف الموقع البريطاني، أن أحدث تقييم طبي للملك “أظهر أن مستوى الخرف ازداد سوءا”. وقال مصدر مطلع على حالته: “لا يدرك تماما ما يحدث، يكرر نفس الجملة، وينسى ما قاله أو ما قاله الآخرون قبل دقائق قليلة، ولا يمكنه التركيز”.
ولفت “ميدل إيست آي” إلى أن المسألة الأخرى هي مدى حريته في العمل بشكل مستقل عن ابنه، الذي يحكم السيطرة على حراسه الشخصيين، ويمثل حارس البوابة لوالده، حتى أنه استبعد صديقا كان الملك يحب لعب الورق معه، بحسب مصدر مطلع على الأمور الداخلية بالديوان الملكي.
وشدد على أن اعتقال الأمراء أحمد ومحمد وابن سعد، فضلا عن استجواب سعود بن نايف والاعتقال السابق للأمير متعب بن عبد الله، يعني أن ما مجموعه أربعة من أعضاء هيئة البيعة، جرى تحذيرهم.
ونتيجة لهذه الحملة، فإن هيئة البيعة تخضع بالكامل لسيطرة محمد بن سلمان الذي يستهدف انتزاع عرش السلطة بالقوة والقمع.
إذ من الواضح أن سلمان أراد من خلال خطوته الجديدة والتي رأى كثر أنها متهورة توجيه تحذير واضح للعائلة الحاكمة من مغبة أي معارضة لتسلمه قيادة البلاد خلفاً لوالده الملك سلمان بن عزيز، فيما يبدو أنه يسرّع خطاه نحو هذا الاتجاه.
وتتزايد التسريبات والقناعات بأن بن سلمان يعمل لتمهيد طريقه إلى العرش قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، خصوصاً مع تزايد الشكوك في حتمية فوز دونالد ترامب في هذا الاستحقاق، وفرص انتخاب أحد خصومه الديمقراطيين الذين لديهم مواقف انتقادية لسياسات الرياض في ظل حكم بن سلمان ووالده.
وفيما لا يبدو ترامب مهتماً بأي انتهاكات لحقوق الإنسان يقوم بها بن سلمان وهو ما ظهر في قضية اغتيال الصحافي جمال خاشقجي عام 2018، وفي التورط السعودي بحرب اليمن، ومع تركيز ترامب حصراً على مساعدة المملكة والسكوت على انتهاكات بن سلمان مقابل الأموال التي يتلقاها، وهو الذي قال علناً قبل فترة إنه أبلغ الملك سلمان بأن الرياض عليها أن تدفع مقابل الحماية الأميركية، فمقابل ذلك وجّه مسؤولون ديمقراطيون انتقادات لاذعة إلى سياسة سلطات آل سعود.
وفي مناظرة قبل فترة، قال المرشح الديمقراطي جو بايدن، “سأعلنها صراحة، لن نقوم ببيع المزيد من الأسلحة للسعودية، سنجبرهم في الواقع على دفع الثمن”، في إشارة إلى دور الرياض في حرب اليمن ومقتل خاشقجي. فيما وصف المرشح الآخر بيرني ساندرز (ما تمارسه) السعودية بأنه “ديكتاتورية وحشية”.
وفي ظل المخاوف من خسارة ترامب الانتخابات، يسرّع بن سلمان الخطى لاستلام السلطة، حتى إن بعض التسريبات في صحف ومواقع أجنبية تحدثت عن أنه يعتزم تنصيب نفسه ملكاً قبل قمة مجموعة العشرين المقرر عقدها في الرياض في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
وبينما شملت حملة الاعتقالات الأخيرة أكثر من أمير، بدا أن الهدف الرئيسي فيها كان الأمير أحمد بن عبد العزيز (78 عاماً) الشقيق الأصغر للملك سلمان، وهو واحد من ثلاثة أعضاء في هيئة البيعة عارضوا تولي بن سلمان ولاية العهد عام 2017. كما أن الأمير محمد بن نايف الذي كان ولياً للعهد حتى أطيح في 2017، كان من أبرز المعتقلين يوم الجمعة الماضي.
وفي هذا السياق، نقلت وكالة “رويترز”، عن أربعة مصادر على صلة بالعائلة الحاكمة، أن خطوة اعتقال الأمراء تهدف إلى ضمان الإذعان داخل عائلة آل سعود، التي شعر بعض أفرادها بالاستياء، قبيل انتقال السلطة في حال وفاة الملك أو تخليه عن العرش.
ووصف أحد المصادر، وفق الوكالة، الاعتقالات بأنها مساعٍ استباقية لضمان موافقة هيئة البيعة على تسليم العرش لبن سلمان عندما يحين الوقت. وقال مصدران ودبلوماسي أجنبي بارز، إن ولي العهد خشي من احتمال أن يحتشد الأمراء الساخطون حول الأمير أحمد والأمير محمد بن نايف باعتبارهما بديلين محتملين لتولي العرش.
وقال أحد المصادر “هذا تحضير لانتقال السلطة… إنها رسالة واضحة للعائلة بأنه ليس بوسع أحد أن يعترض أو يجرؤ على تحديه”.
ونقلت “رويترز” عن مصدرين قولهما إن الأمراء تلقوا تحذيراً من “شدة أذن” للتوقف عن انتقاد ولي العهد. وقال مصدر إن الأمير أحمد، الذي استضاف عدة مجالس، أثار الشكوك حول موقف ولي العهد من عدة قضايا، منها الخطة الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية المعروفة بـ”صفقة القرن”.
وذكرت المصادر لـ”رويترز” أن أفراد العائلة الحاكمة الذين يريدون تغيير خط ولاية العرش يعتبرون الأمير أحمد اختياراً محتملاً يمكن أن يحظى بدعم أفراد العائلة وقوات الأمن وبعض القوى الغربية.
وقال المصدر الذي تربطه صلات بالعائلة الحاكمة إن “معسكر المستاءين كان يتجمع حوله (الأمير أحمد) وكان هو يسمح بذلك”.
وعلى الرغم من أن بن سلمان يسعى عبر هذه الخطوات لتعزيز قبضته على السلطة، إلا أنها تزيد الشكوك حوله، وتُظهر أنه “لم يتعلم الدرس بعد من إخفاقاته السابقة”، بحسب تعبير لصحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، التي رأت أن الفترة التي بدا فيها بن سلمان مفضلاً عدم إثارة الجدل حوله قد انقضت، وعاد مجدداً لأساليبه السابقة.
واعتبرت أن مناوراته الجديدة لتعزيز قبضته على السلطة تحيي النقاشات في العواصم الغربية حول “مدى إمكانية وضع الثقة بشريك متهور جداً”، موضحة أن قراره الفجائي بخفض أسعار النفط امتدت تداعياته إلى الاقتصاد العالمي.