تزايد هجرة عوائل معتقلي رأي في السعودية خشية من بطش السلطات
كشفت مصادر حقوقية عن تزايد هجرة عوائل معتقلي رأي ونشطاء مدافعون عن حقوق الإنسان في السعودية خشية من بطش السلطات.
وقالت المصادر ل”سعودي ليكس”، أن العديد من أفراد عوائل معتقلي الرأي نزحوا أو يبحثون عن آلية للهجرة إلى الخارج بحثا عن ضمان سلامتهم.
وبهذا الصدد أعلنت مؤسسة ذوينا لحقوق الإنسان عن تكفلها بتقديم المعونة والمشورة والتسهيلات المعنية في إجراءات اللجوء خارج المملكة، لأهالي معتقلي الرأي وأقاربهم.
وصرح مدير منظمة ذوينا عبد الحكيم الدخيّل في تصريح له، إن مؤسسة ذوينا تعلن لأهالي المعتقلين وأقاربهم عن تكفُّل المؤسسة بتقديم طلبات لجوئهم في الخارج، وتوفير الاستشارات القانونية بشكل مجاني للراغبين في نصرة ذويهم من الخارج.
وتأتي هذه ضمن مساعي مؤسسة ذوينا في دعم المعتقلين المظلومين ومساعدة ذويهم وانتشالهم من المعاناة والسعي لنصرة قضايا أبنائهم المظلومين في المعتقلات الحكومية.
وتستمر المؤسسة في نشاطاتها الحقوقية التي تنتظرها العائلات المنسية، لاسيما المتضررة من حملات الاعتقال التعسفية التي تنفذها عناصر أمن الدولة على خلفية التعبير عن الرأي.
ويدفع نظام آل سعود خيرة شباب المملكة وكفاءاتها إلى الشتات والهجرة إلى الخارج عوضا من أن تستفيد المملكة من مواهبها وخبراتها والتزامها بالديمقراطية.
وتتصاعد المطالب في المملكة بتوفير مكانة للشباب في المملكة وأن يكون لهم رصيدا واحتراما وليس تهديدا لها بفعل فساد نظام آل سعود وتخبط سياساته.
يأتي ذلك في ظل تسجيل تصاعدا غير مسبوق لمعدلات هجرة السعوديين إلى الخارج خلال الأعوام الأخيرة بحثا عن الأمن الشخصي والحرية.
ولوحظ مؤخرا هجرة آلاف الشبان السعوديين إلى دول أوروبية وكندا بعدم أن مروا بتجارب قاسية وقمع شديد للحريات العامة وتوجيه أي انتقادات للنظام.
وتكشف إحصاءات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أن عدد اللاجئين السعوديين في عام 1993 كان يبلغ 7 أشخاص، لكن العدد ارتفع بنسبة كبيرة في بداية 2015 إذ وصل إلى 1150 سعوديا وسعودية، بينما وصل عدد اللاجئين وطالبي اللجوء السعوديين إلى 2392 حالة في عام 2017.
وحسب الأرقام المتوفرة، فقد استضافت خمس دول غربية غالبية اللاجئين السعوديين في 2017، إذ لجأ 1114 شخصا إلى الولايات المتحدة، وفضل 453 آخرون كندا، وحوالي 191 لجأوا إلى أستراليا، في حين استقبلت المملكة المتحدة 184، وألمانيا 147.
ومن ضمن الناشطين الذين طلبوا اللجوء في تلك الفترة الكاتبة في صحيفة “واشنطن بوست”، هالة الدوسري والتي حصلت على معلومات في 2015 بوجود حملة اعتقالات ضد ناشطين حقوقيين.
وتقول “تم التحقيق مع عدد من الناس عن نشاطاتي، النصيحة التي جاءتني من بعضهم المعتقلين هي ألا أعود إلى السعودية لأنني سأتعرّض حتما للاعتقال”.
وفي الفترة التي سبقت تولي الملك سلمان الحكم، شاركت هالة في العديد من الفعاليات التي تدعم حقوق المرأة السعودية أبرزها حملة “26 أكتوبر” لرفع حظر قيادة السيارات على المرأة عام 2013، إذ قادت مع نساء أخريات السيارة في شوارع البلاد في تحدٍ للحظر المفروض آنذاك. كما أنها ساهمت في تنظيم حملة النساء السعوديات ضد قانون الولاية.
تتابع: “في 2015 مع صعود الملك سلمان للحكم كتبت مقالين في فورين بوليسي والغارديان لأنني كنت جدا متضايقة بسبب اعتقال ناشطات وإحالتهن إلى محكمة الإرهاب. بالنسبة لي، كانت هذه بوادر لتوجه أكثر قمعا مما سبق. هذان المقالان شكلا الموقف الرسمي للسلطات مني، لكن لم أكن أحس أن الأمر بهذه الخطورة، إلا بعد مقتل خاشقجي، أُجبرت على البقاء في المنفى”.
في السابق، كان السعوديون الذين يطلبون اللجوء يقومون بذلك إما لأسباب جنسية أو دينية، “لكن منذ تثبيت الملك سلمان نجله وليا للعهد ارتفعت أعداد اللاجئين السياسيين، وأصبح نمط اللجوء السياسي مختلفا، ولم يعد يقتصر على المتحولين جنسيا أو عقائدياً، إنما أصبح يشمل الناشطين والكتاب والمفكرين وكل الأصوات الحرة المعتدلة”، كما تقول هالة الدوسري.
وتوضح أن أعداد اللاجئين السعوديين في الشتات أكبر بكثير مما تقدره المنظمات الحقوقية، لأن “العدد لا يشمل من يحصلون على جوازات سفر بلدان أخرى مثل رجال الأعمال”.
ما ذهبت إليه الدوسري، تؤكده بيانات الجريدة المالطية الرسمية والتي ذكرت في ديسمبر/كانون الأول من عام 2018 أن 62 سعودياً ينتمون لعائلتي المُهيدب والعقيل أصبحوا مواطنين مالطيين، مع أنَّ العديد منهم لم يطأوا الجزيرة في حياتهم.
وتصف هالة ما يحدث في السعودية بـ”المكارثية”، قائلة “من لا ينخرط في تغذية الولاء الوطني لمحمد بن سلمان، أو يأخذ موقفا محايدا مثل سلمان العودة وغيره يتهمونه بالخيانة. فأنت يجب أن تؤيد حصار قطر وحرب اليمن وقمع الناشطين، وإلا يضعونك في اللوائح السوداء لسعود القحطاني، والتي تضم أزيد من 3000 شخص حسب المعطيات الرسمية”.
وتؤكد هالة، التي تشتغل اليوم كباحثة مقيمة في مركز حقوق الإنسان والعدالة الدولية في كلية الحقوق في جامعة نيويورك، أن أعداد السعوديين القابعين في سجون بن سلمان “أكثر بكثير مما نعرفه، لأن العائلات تخاف من اللجوء إلى الإعلام لكشف اختطاف أبنائها.
وتقول إنهم يحذرون العائلات من أن حديثهم للإعلام سيؤدي إلى تعطيل إطلاق سراحه أبنائهم وتعقيد قضيتهم. ومعظم الناس يختارون عدم المواجهة مع السلطات.
ومنذ صعود محمد بن سلمان إلى الحكم بدأت معالم دياسبورا سعودية تتكون في المهجر. فهذا الشتات من المنفيين والمغتربين يضم “طلاب الجامعات والأمراء الساخطين والإسلاميين والفتيات الهاربات من سطوة التقاليد والقبيلة”، كما تقول الأكاديمية السعودية مضاوي الرشيد.
وتضيف أن “هؤلاء تفرقهم أشياء كثيرة، لكنهم يتفقون حول شيء واحد: يجب وضع حد لظلم محمد بن سلمان”، ومن بين هؤلاء الضابط السابق بسلاح الجو الملكي السعودي والناشط الحقوقي حاليا، يحيى عسيري، والذي قال إنه كان يخطط للعمل السياسي والحقوقي منذ سنوات.
وتابع “بعد الربيع العربي ظننا أن بلادنا أصبحت أكثر انفتاحا أو ستكون كذلك، وفي العام 2013 قدمت إلى لندن لإكمال الدراسات العليا في مجال السياسة وحقوق الإنسان، وحينها كشفت عن اسمي المستعار الذي كنت أكتب به في المنتديات منذ العام 2000، وتم التحقيق مع عدد من الأصدقاء حول معرفتهم بي، ولاحقا اعتقلوا جميعا وحكم عليهم بأحكام قاسية مما دعاني أثناء فترة محاكماتهم لطلب اللجوء”.
تشبه قصة يحيى عسيري، الذي يعمل حاليا رئيسا لمنظمة “القسط” لحقوق الإنسان، قصة هالة الدوسري كثيرا، فكلاهما اختار المنفى بعد صعود بن سلمان إلى الحكم وبداية التحقيقات مع أصدقائهم ومعارفهم.
يقول عسيري “النسبة الأكبر من طالبي اللجوء السعوديين يتوجهون للبلدان التي ينوون اللجوء إليها مباشرة ولا يطلبون عن طريق الأمم المتحدة”.
ويضيف أن “عددا من الدول قد تنشر الأرقام، ولكن ما نلاحظه نحن في منظمة القسط أن من يطلبون منا الدعم في طلباتهم للجوء تزداد يوما بعد يوم وبشكل كبير جدا”.
وأشار إلى أن “مقتل جمال خاشقجي والانقلاب على الربيع العربي وحملات القمع الرهيبة لكل النشطاء دفعت بالكثيرين للهجرة، ثم استمرت الأمور تنحدر كل يوم، وكل حادثة جديدة تدفع بالمزيد من اللاجئين للهرب”.
وتتفق هالة الدوسري مع عسيري في أن موجة اللجوء ستستمر بقوة خلال السنوات المقبلة، إذ تقول إن “مقتل خاشقجي حادثة أيقظت الكثير من الناس على خطورة النظام الحالي”.
وتابعت: “خاشقجي كان يحضر مناسبات تقام بالسفارة السعودية بواشنطن وله علاقات طيبة مع مسؤولين في الدولة، وكان يتعامل مع النظام الجديد في السعودية بنفس توقعاته من النظام الأسبق، أي المطالبة بإصلاحات تحت السقف المعتاد، وكان يعتقد أن هذا سيحميه نوعا ما من أي سوء فهم أو ملاحقة. لكن القتل جعل الناس يعرفون أن ما يحدث الآن في السعودية مختلف تماما عما حدث فيما سبق وأن النظام لا يتورع عن القيام بأي شيء”.
إلى حدود الساعة، لا يأخذ نظام آل سعود بجدية كبيرة إمكانية انبثاق قوة سياسية من المنفى. لكن مع ارتفاع أعداد اللاجئين، قد يتحولوا إلى جبهة حقيقية خاصة إذا تحالفوا مع بعض الأمراء المعروفين في المنفى، بحسب مضاوي الرشيد.
يستقبل الباحث في منظمة هيومن رايتس ووتش آدام غوغل، باستمرار رسائل من مواطنين سعوديين يبحثون عن مساعدة للخروج من بلدهم واللجوء إلى الخارج، بعدما كانت مثل هذه الطلبات قليلة قبل تولي بن سلمان لمنصبه، كما يقول.
ويضيف أن “السعودية لا تريد أن يسلط الإعلام الضوء على هؤلاء، لأنه يشوش على الصورة اللامعة التي يريدها بن سلمان أن يروجها عن المملكة في الإعلام الدولي”.
ويتفق الناشط الحقوقي البريطاني، جوشوا كوبر مع غوغل قائلا إن “الأمور في السعودية اتخذت منحى خطيرا منذ صعود بن سلمان، فقد كثف النظام من حملات الاعتقالات وأضحت الانتهاكات الحقوقية المختلفة والتعذيب شيئا عاديا في المملكة، ما دفع الآلاف إلى الهروب”.
ويؤكد كوبر أن “جريمة قتل جمال خاشقجي أظهرت درجة الصفر من التسامح لدى النظام الجديد. لم يكن جمال معارضًا صريحًا للعائلة المالكة السعودية ولم يطالب بتغيير النظام في البلاد. لكنه انتقد إلقاء القبض على المدافعين عن حقوق الإنسان وخطط الإصلاح لولي العهد، وكان ذلك كافيا لإنهاء حياته بتلك الطريقة المروّعة. هذا يوضح لكَ كيف تغيرت الخطوط الحمراء في ظل القيادة الحالية، وأصبحت مساحة المعارضة ضيقة بشكل شديد”.