نشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية تحقيقا يستعرض أسرار نهب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنر المليارات من ولي العهد محمد بن سلمان.
وقالت الصحيفة إن ترامب وكوشنر كسبا أموالا من السعودية بعد انتهاء ولايته بشكل فاق تصور الجميع وذلك في إطار منح مالية قياسية قدمها محمد بن سلمان تحت غطاء استثمارات مختلفة.
“لا أعتقد أنه قد خطر ببال واضعي قوانين الأخلاق هذه أن يحاول رئيس سابق بالفعل الاستفادة من سنواته في المنصب بهذه الطريقة”.
ما سبق كان أحد تصريحات “دون فوكس”، القائم بأعمال المدير السابق لمكتب الأخلاقيات الحكومية الأمريكي، خلال تعليقه على العلاقات التجارية الهائلة التي جمعت بين الرئيس السابق “دونالد ترامب” وصهره “جاريد كوشنر” من ناحية، ومحمد بن سلمان من ناحية أخرى.
التعليق نقلته صحيفة “واشنطن بوست”، في التحقيق الذي كتبه “مايكل كرانيش” عن المسألة التي لا تزال حاضرة في مجتمع السياسة والأعمال، بسبب كم الدعم الذي تقدمه الرياض إلى الرجلين بعد مغادرتهما للبيت الأبيض.
وقال “كرانيش” إنه في الأيام الأولى من عام 2021، وبعد مغادرة البيت الأبيض، واجه “ترامب” وصهره تحديات مالية غير مسبوقة، فقد تراجعت موارد الأول من عقاراته أثناء رئاسته، وجعل الهجوم على الكابيتول هيل في 6 يناير/كانون الثاني 2021 علامته التجارية مثيرة للاستقطاب الذي يضر بأي علامة تخاطب المستهلك.
أما بالنسبة لـ”كوشنر”، الذي كلفت آخر مغامرة تجارية له عائلته 1.2 مليار دولار في حزمة إنقاذ، فقد كان يواجه تداعيات خاصة بسبب عمله في إدارة “ترامب”. لكن أحد الحلفاء تحرك بسرعة للإنقاذ، تقول الصحيفة.
فبعد أيام من مغادرة البيت الأبيض، أنشأ “كوشنر” صندوقا حوّله بعد أشهر إلى شركة أسهم خاصة باستثمار ملياري دولار من صندوق الاستثمارات العامة السعودي الذي يديره ولي العهد “محمد بن سلمان”.
وجرى تحويل المال بطريقة لم يكن فيها “كوشنر” مضطرا للكشف عن المصدر، بحسب تفاصيل من هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية، راجعتها “واشنطن بوست”.
واستخدمت شركته استراتيجية معروفة تلجأ إليها شركات الأسهم لتجنب الشفافية حول مصدر التمويل، كما يقول الخبراء.
وبعد عام، باتت ملاعب “ترامب” للجولف تستقبل دوري LIV الذي تموله السعودية.
وبشكل منفصل، وقّعت شركة العائلة “منظمة ترامب” اتفاقا مع شركة عقارات سعودية لبناء فندق بكلفة 4 مليارات دولار وملعب جولف في عمان.
وتأتي الاستثمارات السعودية الجوهرية في شركات نفعت الرجلين بعدما وثّقا العلاقة مع “بن سلمان”، وساعدا في صعوده، واستقبلاه في البيت الأبيض عدة مرات، وقدما له الدعم في الكثير من القضايا.
وتم الكشف عن طبيعة العلاقة في عدد من المذكرات المنشورة والشهادات أمام الكونجرس ولقاءات أجرتها الصحيفة مع مسؤولين سابقين في البيت الأبيض، ومنها دور “كوشنر” في إقناع “ترامب” بتقديم الأولوية للسعودية رغم اعتراض المستشارين الكبار له.
هناك أيضا، تأكيد وزير الخارجية الأمريكي السابق “ريكس تيلرسون”، اعتقاد “ترامب” بأن ولي العهد “مدين له”.
كما يؤكد مسؤولون على الطبيعة الحاسمة لما قاله “ترامب” من قبل بأنه “أنقذ رقبة الأمير السعودي” في ضوء ما كشفت عنه “CIA” حول إشراف “محمد بن سلمان” على جريمة قتل الصحفي “جمال خاشقجي” عام 2018.
ورفض “كوشنر” التعليق على المقال، لكن الصحيفة نقلت عن حليف له قوله إن هناك عدة أمثلة حول تعامل موظفين سابقين مع أشخاص تعاملوا معهم أثناء عملهم في منصب عام، مضيفا أن لدى “كوشنر” أجندة تجارية واسعة، وليس من العدل وقف علاقة تجارية مع الذين التقاهم أثناء عمله في البيت الأبيض، كما قال.
وبينما رفض “ترامب” التعليق أيضا، قال المتحدث باسمه “ستيفن شيونج”، إن “الرئيس ترامب هو أكبر مؤيد لأمريكا في التاريخ واستخدم منصبه للتفاوض بطريقة لا تجعل أمريكا مدينة لأي طرف”.
ودافع “إريك ترامب”، نائب الرئيس التنفيذي لمنظمة ترامب، عن استقبال مباريات LIV، قائلا إنها تقوم بعمل لا يصدق في خدمة لعبة الجولف، وليس غريبا موافقة عائلة “ترامب” استخدام ملاعبها لهذه البطولة.
وعبر الديمقراطيون عن قلقهم من التعاملات المالية بين “ترامب” وصهره والسعوديين، وقالوا إنها تجعلهما مدينين بالفضل لولي العهد، خاصة لو عادا إلى البيت الأبيض مرة ثانية.
وقال السيناتور الديمقراطي عن ولاية أوريجون، ورئيس اللجنة المالية في مجلس الشيوخ “رون وايدن”، إن “الروابط المالية بين العائلة السعودية الحاكمة وعائلة ترامب تثير موضوعات خطيرة جدا”.
وقالت الصحيفة إن مظاهر القلق جاءت في ظل تقرير لوزارة الخارجية في خريف 2021 عن حقوق الإنسان في السعودية، وتصادم إدارة “جو بايدن” مع السعوديين بشأن أسعار النفط، ولو انتخب “ترامب” مرة أخرى، فلن يكون صداميا بنفس القدر بسبب تشابكاته المالية مع السعودية.
وتقول الصحيفة إنه عادة ما يطلب من العسكريين الأمريكيين المتقاعدين الحصول على إذن للعمل مع حكومات أجنبية، لكن ذلك لا يحدث مع المسؤولين السياسيين بمن فيهم الرؤساء، رغم كون الرئيس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة.
وتعليقا على هذا الأمر، يقول “دون فوكس”، المسؤول السابق لمكتب أخلاقيات العمل الحكومي: “أعتقد أن الكونجرس كان لديه تصور حول طبيعة العلاقات التي قد يقيمها رئيس أمريكي سابق، مثل بناء مكتبات عامة، متاحف وإلقاء خطابات أوكتابة مذكرات”.
ويردف: “لا أعتقد أنه خطر ببال من كتبوا مسودات قوانين أخلاقيات العمل، قيامُ رئيس سابق بالتربح من المكتب بهذه الطريقة”.
وأشارت الصحيفة لتطور علاقة “كوشنر- بن سلمان” التي بدأت بعد انتخاب “ترامب” عام 2016 وكانت نافعة للطرفين، من ناحية دعم سياسات ولي العهد، من ناحية مبيعات الأسلحة الأمريكية التي جعلت “ترامب” يمنح الضوء لـ”بن سلمان” لحصار قطر، رغم كونها تضم قاعدة أمريكية كبيرة، وعدم التدخل عندما سجن ولي العهد السعودي مجموعة من كبار الشخصيات والأمراء ورجال الأعمال في فندق “ريتز كارلتون” بالرياض ومساومتهم على ثرواتهم.
وهناك أيضا عملية التطبيع مع إسرائيل التي أسهم فيها “كوشنر” ولم تمانعها السعودية.
وبشكل عام، كما تقول الصحيفة، أجرى “كوشنر” زيارات متعددة وأقام علاقات وثيقة بالشرق الأوسط، لدرجة أن مسؤولين في البيت الأبيض شعروا بقلق من عدم معرفتهم بفحوى الزيارات الدبلوماسية الحساسة.
وقال مسؤول سابق: “لم أعرف ماذا كان يعمل جاريد في السعودية”.
بدوره، يرى “كوشنر” أن السعوديين اعتبروا وصول “ترامب” فرصة لهم لإعادة ضبط العلاقات مع الولايات المتحدة، رغم تصريحات “ترامب” المعادية للمسلمين وقانون منعهم من دخول الولايات المتحدة.
واستفاد السعوديون من قلة خبرة “كوشنر” في العلاقات الأمريكية- السعودية.
ومع ذلك، بدا وكأن “كوشنر” هو الذي يدير السياسة الخارجية الأمريكية المتعلقة بالسعودية، كما يقول التقرير.
وفي مارس/آذار 2017، وصل “محمد بن سلمان” إلى البيت الأبيض، واستُقبل على مأدبة طعام مع “كوشنر”، وهي الزيارة التي لم يحضرها وزير الخارجية “ريكس تيلرسون”.
وجاءت الدعوة ضد نصيحة مسؤول الأمن القومي الأمريكي.
وفي نفس الشهر، دفع “كوشنر”، “ترامب” لجعل السعودية وإسرائيل محطة أولى لزيارته الخارجية، واعترض “تيلرسون” على ذلك، وهو ما وافق عليه “ترامب” في البداية، لكن “كوشنر” ظل يحاول إقناع صهره بوجهة نظره، دون جدوى في البداية.
وتقول الصحيفة إن “كوشنر” كان يعرف “ترامب” وأنه ليس من المستحيل أن يغير آراءه، لذلك لم يتعامل مع “لا” كقرار نهائي.
وكتب “كوشنر” إلى محمد بن سلمان قائلا: “كل واحد هنا يخبرني بأنني أحمق لثقتي بك”، لكن بعدما أخبره الأمير بخطة تشمل نبذ الإرهاب، وعقود أسلحة تخلق وظائف للأمريكيين أصبحت الـ”لا” من “ترامب” هي “نعم”.
وكانت الزيارة واحدة من مظاهر الدعم الأمريكي للأمير، وعبّرت عن الإدارة الأمريكية في عدد من القضايا مثل مقاطعة قطر، والدعم بعد جريمة قتل “خاشقجي”، حيث نصح “كوشنر” الأمير حول كيفية التعامل.
وتقول الصحيفة إنه مع خروج “ترامب” من البيت الأبيض، كانت تجارته وعائلته تعاني من تراجع في الموارد، فقد سجلت فنادقه وعقاراته عائدات عام 2020 بـ120 مليون دولار، وذلك نتيجة لوباء “كورونا”، وسياساته التي أحدثت انقسامات.
وكان “ترامب” يواجه سلسلة من التحقيقات في ممارساته التجارية، ومحاولات رفض نتائج انتخابات 2020، ثم أُدينت منظمة “ترامب” عام 2022 بالغش الضريبي.
وواجه “كوشنر” أيضا مشاكل لها علاقة بارتباطه مع “ترامب” وفشله التجاري، وكانت عائلته تحاول الحصول على رزمة إنقاذ من شركة كندية بسبب قراره شراء بناية في نيويورك عام 2018 بمبلغ 1.8 مليار دولار.
ويبحث تحقيق في الكونجرس إن كانت عملية الإنقاذ قد موّلها الصندوق السيادي القطري ولو جزئيا.
والآن وبخبرة قليلة في الأسهم الخاصة، كان “كوشنر” يبحث عن مليارات للاستثمار في شركته الجديدة، وقررت السعودية الاستثمار في الرجلين.
وبعد يوم من نهاية إدارة “ترامب”، أنشأ “كوشنر” شركة “إي فين مانجمنت” كنقطة انطلاق لصندوق أسهم خاصة عُرف لاحقا بـ”أفينتي بارتنرز”. ولم يقل “كوشنر” متى طلب الاستثمار السعودي.
وعبّر أربعة من خمسة أعضاء في لجنة بالصندوق السيادي السعودي عن شكوكهم في خبرة “كوشنر”، وأن السعودية ستتحمل المخاطر من المغامرة الجديدة بحسب “نيويورك تايمز”. لكن ولي العهد وافق لاحقا على الاستثمار.
وبعد ذلك بفترة قصيرة، قدم “كوشنر” أوراق التسجيل “إي دي في” لهيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية، وكشفت فيه الشركة أن 2.51 مليار دولار من ميزانية 2.54 مليار دولار، جاءت من “أشخاص خارج الولايات المتحدة”.
وتركت شركة “كوشنر” السؤال في الطلب الذي يتحقق من أصل المال: “صندوق سيادي أم مؤسسة حكومية؟”، بدون إجابة. وهو ما أكد “نيويورك تايمز” لاحقا أنه جاء من السعودية.
وستحصل شركة “كوشنر” على 25 مليون دولار سنويا مقابل إدارتها المال، وحصة من الأرباح
وبحسب مجلة “ذا إنترسيبت”، جعل “كوشنر” من عمله في سياسات الشرق الأوسط، نقطة ترويج للشركة الجديدة.
في المقابل لم يخف “ترامب” حبه للسعوديين منذ بداية حملته للرئاسة عام 2015، قائلا: “أحب السعوديين.. والكثيرون منهم في هذه البناية”، أي “برج ترامب”.
وقال في نهاية ذلك العام: “ينفقون 40 مليون إلى 50 مليون دولار لشراء شقة”.
وتوسعت العلاقات بعد خروج “ترامب” من خلال التعاون في مجال الجولف والنشاطات الإعمارية، كذلك الذي وقّعته منظمة ترامب مع شركة عقارات سعودية لبناء مشروع في عمان.
ووقعت منظمة “ترامب” في نوفمبر / تشرين الثاني الماضي صفقة مع شركة سعودية، لتطوير فيلات تحمل علامة “ترامب” التجارية، وفندق وملعب جولف في عمان بدعم من حكومة ذلك البلد.
وكانت مثل هذه العلامات التجارية ذات يوم الدعامة الأساسية لأعمال “ترامب” الدولية، لكن اتفاقية عمان كانت أول صفقة دولية من هذا القبيل يتم الإعلان عنها علنًا بعد تركه منصبه.
ودعت “سارة ليا ويتسن”، المديرة التنفيذية لمجموعة DAWN التي أسسها “خاشقجي”، الكونجرس إلى إصدار تشريع يحظر على جميع كبار المسؤولين الأمريكيين السابقين العمل لصالح حكومة أجنبية أو الاستفادة منها مالياً.
وقالت في بيان إنه بدون مثل هذا القانون ، يمكن للمسؤولين الأمريكيين السابقين “تحويل عملهم الحكومي في الولايات المتحدة إلى عقود مربحة مع الحكومات الأجنبية”.