كرست صحيفة واشنطن بوست الأمريكية افتتاحيتها اليوم الثلاثاء لتحذير المستثمرين من الاستثمار بشركة أرامكو السعودية التي اُعلن عن بدء الاكتتاب العام في أسهمها، قائلة إن كل مستثمر يشتري أسهما بالسعودية عليه أن يكون مستعدا للمغامرات المتهورة وتكتيكات الذراع القوية لولي العهد البالغ من العمر 34 عاما.
وأوضحت الصحيفة أن هناك مخاطر اقتصادية وسياسية للاستثمار بأسهم أرامكو. ومن ضمن المخاطر الاقتصادية عرض الأسهم الأولى بالبورصة السعودية الصغيرة فقط، ومثل ما تردد من أن المستثمرين المحليين تعرضوا لضغوط حتى يشتروا، بالإضافة إلى خسارتها المؤقتة في سبتمبر/أيلول الماضي نصف إنتاجها بسبب هجوم صاروخي على مرافقها يُقال إنه إيراني، إلى جانب الشكوك حول قدرتها على حماية نفسها مستقبلا.
وأضافت أنه وقبل أن يبدأ المستثمرون الغربيون الاكتتاب عليهم التفكير في المخاطر السياسية أيضا، وفي التغيّر الكبير الذي شهدته السعودية خلال السنوات الخمس المنصرمة منذ وفاة ملكها السابق عبد الله بن عبد العزيز.
وقالت الصحيفة إن القمع واعتقال المنتقدين السلميين بالسعودية ليس بالجديد على المملكة، لكن ما يجعل عصر ولي العهد الحالي مختلفا عن كل العهود السابقة هو حجم أعداد المستهدفين واتساع انتماءاتهم وإدخال وسائل جديدة للقمع لم تشهدها فترات حكام السعودية السابقين. كما أشارت واشنطن بوست إلى اعتقال النساء في سجون سرية وتعذيبهن بالجلد والاعتداءات الجنسية.
ومضت تقول إن المستثمرين الأجانب يجب ألا يظنوا أنهم محصنون من المعاملة التي يُعامل بها السعوديون. فبعض من قُبض عليهم خلال موجات الاعتقال المتوالية كانوا مواطنين أميركيين، كما أن أحد المعتقلين المحليين كان من بين أكثر المستثمرين أهمية في العالم وهو الوليد بن طلال.
ولم تنس الصحيفة أن تشير إلى القبضة القوية لمحمد بن سلمان على كل السلطات، ومن بينها سلطات الأمن والاستخبارات والقضاء، والتي أصبحت تحت سيطرته المباشرة منذ العام 2017.
وختمت افتتاحيتها بأن بن سلمان يظهر حاليا واثقا من أنه هزم ردة الفعل العنيفة من المجتمع الدولي عقب اغتيال الصحفي جمال خاشقجي قبل 13 شهرا.
ويجمع مراقبون على أن الإعلان أخيرا عن طرح وإدراج جزء من أسهم شركة أرامكو النفطية للاكتتاب العام في البورصة المحلية شكل قصة فشل جديدة لمحمد بن سلمان ورؤيته الاقتصادية المزعومة.
ويكمن الفشل الذي منيت به خطط بن سلمان بالتدهور الشديد للقيمة الإجمالية لأسهم أرامكو وطموحات ولي العهد السابقة بأن تتجاوز القيمة بحدود تريليوني دولار.
وحاول مرتزقة بن سلمان التغطية على هذا الفشل بزعم أن الطرح العام الأولي لأرامكو هو “خطوة مهمة لتحقيق رؤية 2030”. والاكتتاب العام لأكثر شركة تحقيقا للأرباح على مستوى العالم هو حجر الزاوية في خطة بن سلمان الاقتصادية.
ورغم أن بن سلمان حدد في مطلع 2016 تقييما للشركة يصل إلى تريليوني دولار، فإن مصرفيين ومسؤولين بالشركة يقولون إن قيمة أرامكو أقرب إلى 1.5 تريليون دولار.
وكان بن سلمان يأمل جمع مئة مليار دولار -وفق قيمة للشركة تقدر بتريليوني دولار- في عملية تأجلت مرارا لعوامل عدة، بينها انخفاض أسعار النفط.
وتقرر تأجيل الاكتتاب أكثر من مرة، لأن تقييم الشركة وفقا لحسابات المصرفيين بعد اجتماعات مع مستثمرين محتملين، كانت دون مستوى ما يتطلع إليه بن سلمان.
ويتوقع مراقبون طرح النسبة الضئيلة من شركة النفط العملاقة على أساس تقييم للشركة بين 1.5 تريليون دولار و1.7 تريليون، مما يعني أن ولي العهد قرر التراجع عن السقف الذي سبق أن حدده.
وقال كريستيان أولريشسون الباحث في معهد بيكر في الولايات المتحدة “يبقى أن نرى ما إذا كانت السلطات السعودية ستتوصل إلى تسوية بين ما يريده ولي العهد وواقع تقييم أرامكو في السوق”.
ورأى الباحث أن “تأجيل الطرح مرارا وتقديمه على أنه مكون رئيسي في خطة ولي العهد لتحويل السعودية، يجعل المستثمرين الدوليين يراقبون عن كثب أداء أرامكو في السوق المحلية”.
بدورها قالت شينزيا بيانكو -الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية- إن خطوة الطرح في السوق المحلية “لا تواجه عراقيل مهمة مقارنة بالعملية ذاتها في البورصة الدولية”.
وعلى الأرجح ستباع أسهم مجموعة أرامكو في منتصف ديسمبر/كانون الأول، على أن تلي ذلك عملية طرح ثانية في بورصة عالمية في موعد لم يتّضح بعد.
وقال الرئيس التنفيذي لأرامكو أمين الناصر إن الشركة ستصدر نشرة الطرح الأولي في التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني.
وحتى مع تقييم أرامكو عند 1.5 تريليون دولار، ستظل قيمتها أعلى 50% على الأقل عن الشركتين الأعلى قيمة في العالم، مايكروسوفت وأبل، اللتين تبلغ القيمة السوقية لكل منهما نحو تريليون دولار.
وقالت مصادر لوكالة رويترز العالمية للأنباء إن شركة النفط قد تطرح ما بين 1% و2% من أسهمها بالبورصة المحلية لتجمع بين 20 و40 مليار دولار.
وحاولت سلطات آل سعود الضغط على السوق المحلية على الاكتتاب في الشركة قبل عملية الطرح، وذلك عبر دعوة العائلات الثرية إلى شراء حصص، بينما روّجت وسائل إعلام محلية لعملية الشراء على أنها عمل وطني.
في الوقت نفسه فإنه لا إدراج دوليا في أي سوق أجنبية حتى الآن، هذا ما صرح به رئيس مجلس إدارة أرامكو ياسر الرميان.
وظلت وول ستريت في حالة ترقب شديد لبيع أرامكو -أكبر شركة نفط في العالم- لحصة منذ أن أعلن محمد بن سلمان النبأ قبل ثلاثة أعوام.
وتحطمت الآمال في إدراج دولي ناجح لنحو 5% من أسهم الشركة عند وقف البيع العام الماضي، وسط جدل بشأن مكان إدراج أرامكو في الخارج.
وقالت أرامكو إنها تنوي الإعلان عن إجمالي توزيعات أرباح نقدية للأسهم العادية بقيمة 75 مليار دولار على الأقل في 2020.
وسيعني هذا عائدا للسهم قدره 5% في حال تقييم الشركة عند 1.5 تريليون دولار، وهو أقل من ذلك الذي يعرضه منافسون مثل إكسون موبيل ورويال داتش شل.
ويرى مراقبون أن الهجوم على أرامكو منتصف سبتمبر/أيلول الماضي أدى إلى تنامي مخاوف ترافق المستثمرين العالميين إزاء قدرة المملكة على حماية واحد من أهم منشآت الطاقة العالمية.
لكن أرامكو قالت في البيان إنها لا تتوقع أن يكون للهجمات أثر جوهري على الأعمال أو الوضع المالي أو نتائج الشركة. كما ترفع كبرى شركات النفط مدفوعات حملة الأسهم لمواجهة الضغط المتزايد من ناشطي المناخ.
ودفع تنامي حركة مكافحة تغير المناخ واستخدام تقنيات جديدة تراعي البيئة، بعض مديري الصناديق، خاصة في الولايات المتحدة وأوروبا، للابتعاد عن قطاعي النفط والغاز.
لكن الرئيس التنفيذي لأرامكو أمين الناصر قال خلال المؤتمر الصحفي إن شركة أرامكو تركز على الحد من الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
وعبر مراقبون في وقت سابق عن اعتقادهم بأن الطرح العام الأولي لأرامكو ربما مارس ضغوطا على سوق الأسهم في المملكة.
ومع قبول البورصة في المملكة رسمياً إدراج “أرامكو”، وهو إجراء رمزي، فإنه حتى الآن لا يزال ينتظر المستثمرون الإجابة عن العديد من الأسئلة الخاصة بعملية الطرح.
من بين أهم الأسئلة التي يترقب المستثمرون الإجابة عنها، القيمة الرأسمالية لشركة أرامكو التي سيتم الاكتتاب بها في البورصة السعودية، والتي سيتحدد على أساسها سعر السهم للمستثمرين، وما هي الضمانات التي ستمنح للمستثمرين، وما هي الحصة التي ستطرحها في البورصة السعودية” تداول” إلى جانب أسئلة أخرى.
كما لم يحدد نظام آل سعود الحصة التي ستطرح في السوق المحلية، هل هي واحد أو اثنين بالمئة من حصة الـ5.0% التي تنوي بيعها للمستثمرين. وسيكون لحجم الحصة المطروحة تأثير كبير على البورصة وعلى السيولة في البنوك، حيث أن البورصة السعودية ليست كبيرة بحيث تتحمل طرح حصة كبيرة.
وفي حال طرح 2.0% من الشركة، فإن ذلك يعني أن على البورصة السعودية امتصاص مبالغ تراوح بين 15 و30 مليار دولار أو 20 إلى 40 مليار دولار، حسب التقييم بين 1.5 وترليوني دولار.
وهو ما سيعني بيع المستثمرين لحصص في الشركات الأخرى حتى يتمكنوا من الاستثمار في أسهم شركة أرامكو. ويلاحظ أن مجرد الإعلان عن الطرح أحدث ارتباكاً كبيراً في بورصة المملكة وهو ما أدى إلى هبوط حاد في مؤشر تداول الرئيسي لسوق المال السعودي لدى الإغلاق.
كما أن هنالك مخاوف يبديها مصرفيون، حسب وكالة بلومبيرغ، على السيولة في بنوك المملكة، حيث أن حجم الاستثمار الكبير سيتطلب أن توفر المصارف التجارية سيولة إضافية، في وقت تعاني من ضعف في السيولة والربحية ونوعية رأس المال.
وكان مصرف “جي بي مورغان” الأميركي قد ذكر في تقرير العام الماضي أن حوالى 80 مليار دولار هربت من المملكة في العام 2018.
وعانت البنوك التجارية في المملكة من مجموعة متاعب وسحوبات، خلال العامين الماضيين، من كبار التجار في أعقاب عملية احتجاز الريتز والضغوط على كبار الأثرياء وموجوداتهم في كل من المملكة والبحرين والإمارات العربية المتحدة.
وحسب تقرير بلومبيرغ، طلبت البنوك التجارية من مؤسسة النقد العربي السعودي “ساما”، في اجتماع يوم الخميس الماضي، توفير كميات ضخمة من السيولة حتى تتمكن إقراض المستثمرين في اكتتاب أرامكو المتوقع في الشهر المقبل.
ويرى مصرفيون أن عملية الإقراض التي ستتطلبها عملية طرح أرامكو، ربما ستتسبب في أزمة سيولة للبنوك ما لم يوفر المركزي السعودي “ساما” كميات النقد المطلوبة.
كما لم يكشف نظام آل سعود حتى الآن الموعد الحقيقي للطرح، هل سيكون في بداية ديسمبر/ كانون الأول أم سيؤجل إلى نهاية الشهر. وهذا التاريخ مهم جداً بالنسبة للمستثمرين السعوديين، لأنهم سيحتاجون إلى تجهيز الأموال المقترضة من البنوك.
ومن بين الحوافز التي أعلنت عنها أرامكو لإغراء السعوديين بالاستثمار فيها، أنها قالت إن المستثمرين الذين سيحتفظون بأسهمهم لفترة 180 يوماً سيمنحون حافز سهم اضافي لكل 10 أسهم اشتروها. ولكن هذه الحوافز مرتبطة بسقف أعلى لا يتخطى 100 سهم إضافي للمستثمر.
كما من غير المعروف تحديداً كم من هذه الأموال سيذهب إلى شركة أرامكو التي سيضع المستثمرون فيها أموالهم. وحسب صحيفة “نيويورك تايمز”، فإن معظم هذه الأموال ستذهب إلى صندوق الاستثمارات العامة الذي يعكف على إيجاد تمويلات لمشروع مدينة “نيوم”، والتي تعني ترجمة إسمها “الشرق الأوسط الجديد”.
أما السؤال المهم الذي يقلق العديد من المستثمرين الأجانب، في اكتتاب أرامكو، فهو ماهية الضمانات التي سيمنحها نظام آل سعود للمستثمرين، وسط انعدام الشفافية وعدم وجود بيئة قانونية تسمح بالمساءلة عن الحقوق.
كما أن هنالك سؤالا آخر يطرح في أسواق المال العالمية، ويخص عضوية السعودية في “أوبك” و”أوبك +”، وتحديدها لسياسة تسعير النفط. فالمستثمرون الجدد، وخاصة الأجانب سيحرصون على الإدلاء برأيهم في سياسة أرامكو النفطية وحجم الانتاج والتحالفات وتحديد سعر النفط. ومن غير المعروف كيف ستتعامل السعودية مع مثل هذه الأسئلة، خاصة إذا تم في المستقبل طرح الاكتتاب بشكل أوسع في البورصات العالمية.
ولم تذكر أرامكو حتى الآن نوع الإجراءات التي اتخذتها لتعزيز الأمن بعد الهجمات غير المسبوقة على منشأتي نفط تابعتين لها في سبتمبر/أيلول. وربما سيرغب المستثمرون الأجانب مستقبلاً في معرفتها.