قالت صحيفة فايننشال تايمز إن قضية المخدرات في السعودية تمثل اختبارًا حقيقيًا لرؤية 2030 ومدى قدرتها على تحقيق توازن بين التحديث الاجتماعي عبر نشر الإفساد والحفاظ على الاستقرار المجتمعي.
وذكرت الصحيفة أن مع استمرار الحملة الحكومية للحد من المعدلات العالية لانتشار المخدرات في المملكة، يبقى السؤال حول مدى قدرة السلطات على تقديم حلول طويلة الأمد لمشكلة الإدمان والتجارة غير المشروعة.
وأشارت الصحيفة إلى أنه في ميناء جدة، يكشف مسؤول ملثم عن ملايين الحبوب المخدرة من نوع “الكبتاغون” مخبأة داخل شحنة من مواد البناء.
وعلى الحدود مع الأردن، يصادر حرس الحدود أكثر من 300,000 قرص من نفس المخدر، مخبأة في خزانات الوقود وإطارات الشاحنات.
وفي منطقة نجران جنوب غرب السعودية، تنفذ السلطات حكم الإعدام بحق ستة أشخاص بتهمة محاولة تهريب الحشيش وحبوب الكبتاغون.
وبحسب الصحيفة فإن هذه الحوادث، التي تحدث بشكل شبه يومي، هي جزء من حملة واسعة وصارمة أطلقتها وزارة الداخلية السعودية، ووصفتها بأنها “حرب على المخدرات”، تهدف إلى مواجهة أزمة متصاعدة.
ولطالما كانت السعودية هدفًا رئيسيًا لمهربي المخدرات في المنطقة بسبب حدودها الصحراوية الطويلة مع دول مثل الأردن واليمن، مما يجعلها سوقًا استهلاكيًا رئيسيًا في نظر المهربين.
ويقول أطباء وباحثون سعوديون إن استخدام المخدرات يتزايد، ويرجع ذلك جزئيًا إلى انتشار مخدرات مثل الكبتاغون، وكذلك بسبب التغيرات الاجتماعية والاقتصادية السريعة التي نفذت في ظل قيادة ولي العهد محمد بن سلمان وشملت نشر الإفساد والفساد عبر فعاليات الترفيه المسيئة.
أحد الأطباء العاملين مع مرضى الإدمان في المنطقة الشرقية صرح: “بصراحة، إنها مشكلة متنامية… استخدام المخدرات في ازدياد”.
وأدى القلق الرسمي بشأن تعاطي المخدرات إلى تغييرات جذرية في السياسات، بما في ذلك السماح لأول مرة بإنشاء مراكز إعادة تأهيل خاصة، وإنهاء وقف تنفيذ أحكام الإعدام في جرائم المخدرات، مما أعاد تطبيق أحد أكثر أنظمة العقوبات قسوة في العالم.
ونفذت المملكة حوالي 100 حكم إعدام مرتبط بجرائم المخدرات هذا العام، مقارنة بحالتي إعدام فقط في عام 2023، وفقًا لمنظمة العفو الدولية.
وتشير بيانات وزارة الصحة إلى وجود أكثر من 200,000 مستخدم “قهري” للمخدرات في المملكة، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 32 مليون نسمة.
ويرى الباحثون أن ارتفاع استخدام المخدرات قد يكون نتيجة مباشرة لبرنامج رؤية 2030، بزعم تحديث المملكة.
وشملت التغييرات في المملكة إزالة القيود عن الحفلات الموسيقية وتوسيع خيارات الترفيه، وإدماج النساء بشكل أكبر في الحياة العامة، بما في ذلك السماح لهن بالقيادة.
تقول الدكتورة علا نبيل محسون من جامعة الملك عبد العزيز إن التغييرات الاجتماعية الكبرى قد منحت الشباب حريات جديدة لكنها أثارت ردود فعل معاكسة من العائلات التي تسعى إلى تقييدهم، مما زاد من الصراعات داخل الأسر وجاذبية المخدرات.
وتضيف أن النساء يستخدمن المخدرات لفترة أطول من الرجال، مشيرة إلى أن الضغوط المجتمعية تدفع بعض النساء إلى الإدمان، حيث “لا يشعرن بالأمان أو بالرضا في منازلهن”.
والكبتاغون، وهو منشط صناعي يُنتج في مناطق تحت سيطرة النظام السوري، يشكل قلقًا خاصًا للمملكة. وقد دفع انتشاره السلطات إلى إطلاق “الحرب على المخدرات” في عام 2022.
وتشير كارولين روز، الباحثة في معهد “نيو لاينز”، إلى أن انخفاض مصادرة الكبتاغون هذا العام قد يكون مؤشرًا على نجاح الحملة، لكنه دفع شبكات التهريب إلى تبني تكتيكات أكثر تطورًا.
وتشير منظمات حقوق الإنسان، مثل العفو الدولية، إلى أن استئناف تنفيذ أحكام الإعدام في قضايا المخدرات قد لا يكون فعالًا كرادع. وتقول الباحثة دانا أحمد: “لا يوجد دليل يثبت أن عقوبة الإعدام، حتى في الجرائم الخطيرة مثل القتل، تعمل كرادع”.
على الجانب الآخر، بدأت السلطات في الاعتراف بالحاجة إلى إعادة تأهيل المدمنين. ولا تُحاكم السعودية الأشخاص الذين يلجأون طوعًا إلى المستشفيات الحكومية طلبًا للمساعدة، وبدأت وزارة الصحة في ترخيص مراكز إعادة تأهيل خاصة منذ عام 2020.
يقول خالد المشاري، المدير التنفيذي لأول مركز إعادة تأهيل خاص في المملكة إن “الطلب على العلاج أعلى بكثير من العرض… الإدمان مرض مزمن، يمكن احتواؤه لكن يصعب علاجه”.
وأشار المشاري إلى أن المدمن قد يبقى متعافيًا لمدة 10 أو 15 عامًا، لكنه يظل عرضة للانتكاس.
وفي الوقت الذي تواصل فيه السعودية حربها على المخدرات، يواجه المسؤولون تحديات كبيرة تتطلب مقاربة شاملة تجمع بين الحزم في مواجهة شبكات التهريب والجرائم المرتبطة بالمخدرات وبين توفير الدعم اللازم للمدمنين للتعافي.
ويشير الخبراء إلى أن الاعتماد على العقوبات الصارمة وحدها قد لا يكون كافيًا لاحتواء المشكلة، حيث إن تطوير برامج إعادة التأهيل وزيادة الوعي العام حول مخاطر الإدمان يُعدان جزءًا لا يتجزأ من الحل.
وعلى الرغم من التقدم الذي أُحرز في إنشاء مراكز إعادة التأهيل، لا تزال هناك حاجة إلى زيادة الاستثمار في خدمات الصحة النفسية والاجتماعية لضمان توافر الدعم الكافي للمدمنين وأسرهم.
كما يتعين على السلطات تعزيز الجهود لتأمين الحدود ورفع مستوى التنسيق الأمني مع الدول المجاورة لمواجهة التهريب. ويرى بعض المحللين أن القضاء على الأسباب الجذرية، مثل البطالة والضغوط الاجتماعية، يمكن أن يقلل من الإقبال على المخدرات بين الشباب.