كشفت صحيفة الغارديان البريطانية تفاصيل نسخة من التقرير الرسمي الممنوع عن النشر عن الفساد في عقد أسلحة بريطاني-سعودي عملاق في الأرشيف العام، مما أنهى معركة استمرت ثلاثة عقود من قبل النشطاء من أجل الكشف عن الوثيقة المثيرة للجدل.
ويُعتقد أن التقرير، الذي نشرته الغارديان على موقعها الإلكتروني مع العديد من الوثائق المصاحبة له، هو التحقيق الوحيد الذي تجريه هيئة مراقبة الإنفاق العام في بريطانيا، مكتب التدقيق الوطني، الذي يخضع لرقابة شديدة، مع السماح لاثنين فقط من أعضاء البرلمان بالمشاركة في النظر الى نتائجه.
وكان منع نشر التقرير، إلى جانب الوثائق المرتبطة به في عام 1992، قضية مشهورة لعقود من الزمن بين الناشطين في مجال مكافحة الفساد، حيث دعم نواب حزب العمال والحزب الديمقراطي الليبرالي اقتراحات برلمانية في ثلاث مناسبات تدعو إلى رفع السرية وسط تكهنات بأنها تحتوي على أدلة دامغة على الرشوة في صفقة أسلحة اليمامة سيئة السمعة.
ويكشف مخبأ الأوراق أن التقرير قد تم حظره فعليًا بعد الضغط الذي مارسه أكبر موظف حكومي في وزارة الدفاع، الذي قال إن نشر التقرير سيثير غضب السعوديين ويهدد مصير آلاف الوظائف.
ويبدو أن السكرتير الدائم السابق لوزارة الدفاع، السير مايكل كوينلان، قد كذب أيضًا على أعضاء البرلمان الذين يحققون في الصفقة، من خلال ادعاءه كذبًا أنه لم يتم دفع أي عمولات باستخدام الأموال العامة وفشل في الكشف عن تورط وزارته في دفعات سرية منتظمة لأمير سعودي.
ويأتي هذا الاكتشاف في أعقاب تحقيق أجرته صحيفة الغارديان في تواطؤ وزارة الدفاع منذ فترة طويلة في الفساد والمدفوعات السرية لكبار السعوديين لتأمين عقود دفاع لبريطانيا على مدى عقود، ويُزعم أن المدفوعات لكبار السعوديين قد تم دفعها مؤخرًا في عام 2017.
وقد بلغت قيمة صفقة اليمامة اربعين مليار جنيه استرليني، وكانت في البداية لتوريد 120 طائرة تورنادو وطائرات هوك المقاتلة وغيرها من المعدات العسكرية، تم الاتفاق عليها في عام 1985 من قبل حكومة مارغريت تاتشر ووزير الدفاع السعودي الأسبق بندر بن سلطان.
وأشرفت وزارة الدفاع البريطانية على الصفقة في اتفاق رسمي مع الحكومة السعودية، في حين كانت شركة بي أيه إي سيستمز، أكبر شركة أسلحة بريطانية، هي المقاول الرئيسي.
وظهرت على الفور تقريباً مزاعم بأن أفراداً من العائلة المالكة السعودية كانوا يتلقون رشاوى مقابل الصفقة، وفي عام 1992، أجرى المكتب الوطني للمراجعة تحقيقا في العقد، وعادة ما يتم التدقيق مثل هذه التحقيقات في جلسات عامة من قبل أعضاء البرلمان في لجنة الحسابات العامة بمجلس العموم.
ومع ذلك، في هذه الحالة، أقنعت وزارة الدفاع في عهد روبرت شيلدون، رئيس لجنة العمل السياسي في ذلك الوقت، بعقد الجلسة سرًا ثم حجب التقرير، وقال كوينلان سرا بأن الآلاف من الوظائف البريطانية ستكون في خطر إذا سمح للجمهور بقراءة التقرير.
وقال كوينلان إن النشر سيزعج السعوديين لدرجة أنهم سيلغون صفقات الأسلحة المستقبلية مع بريطانيا “المشروع بأكمله يعمل تحت ختم السرية. هناك حساسية كبيرة للغاية بشأن المشروع من جانب حكومة السعودية، حيث ان فكرة شفافية الحكومة غريبة عليهم”.
وقد تم إنتاج عشر نسخ فقط من التقرير، وكان شيلدون ونائبه هما النائبان الوحيدان اللذان سُمح لهما بقراءته، أو استجواب كوينلان بشأن محتوياته في جلسة استماع سرية.
وفي الاجتماع السري سألوا كوينلان عن شائعات الرشاوى، واجاب كوينلان: “نعم، يمكنني أن أؤكد لك أنه لا يوجد أساس لدعم أي اقتراح بأن مدفوعات العمولات قد تم سدادها باستخدام الأموال العامة” وغالبًا ما تكون مدفوعات العمولة كناية عن الرشاوى.
بعد هذا الاجتماع، أخبر شيلدون الرأي العام البريطاني أنه لم يجد “أي دليل” على وجود فساد أو دفعات غير مناسبة من قبل وزارة الدفاع.
ومع ذلك، كان تأكيد كوينلان مضللاً للغاية، ومن المعروف الآن أن وزارة الدفاع لم تكن تعلم فقط أن العمولات قد تم دفعها إلى عضو بارز في العائلة المالكة السعودية، الأمير بندر بن سلطان، ولكن وزارة الدفاع نفسها كانت تأذن بها على أساس ربع سنوي.
وتكشف مذكرة وزارة الدفاع التي تم الكشف عنها خلال محاكمة جنائية حديثة أنه في عام 1988، أي قبل أربع سنوات فقط من تحقيق مكتب المحاسبة الوطني، ان رئيس مبيعات الأسلحة بوزارة الدفاع ساهم في إنشاء نظام المدفوعات المنتظمة لبندر بن سلطان، الذي لعب دورًا رئيسيًا في التفاوض على صفقة أسلحة اليمامة مع الحكومة البريطانية.
وبموجب هذا الترتيب، سيكتب بندر كل ثلاثة أشهر إلى وزارة الدفاع يطلب مخصصاته، وستقوم وزارة الدفاع بعد ذلك بتوجيه المقاول BAE لتسديد الدفعة من أموال اليمامة، والتي تم دفعها من خلال الدائرة الحكومية.
واستمرت هذه المدفوعات حتى عام 2007 على الأقل، وكشفت صحيفة الجارديان سابقًا أن بندر تلقى أكثر من مليار جنيه إسترليني من خلال هذا الترتيب.
وعلى الرغم من أن مكتب المحاسبة الوطني خلص إلى عدم وجود فساد، إلا أنه يبدو أنه اكتشف أدلة مبكرة على تحويل الأموال، ويشير جزء من التقرير إلى أن وزارة الدفاع كانت تدفع في بعض الأحيان ثمن “البنود التي طلبتها السعودية” باستخدام ميزانية اليمامة.
وأشار التقرير إلى أن “مثل هذه العناصر تشمل شراء سيارة وتوفير سائق – بتكلفة إجمالية 88 ألف جنيه إسترليني – للاستخدام الرسمي السعودي”.
وتم اكتشاف مخبأ الوثائق، بما في ذلك التقرير، من قبل صحيفة الغارديان في أرشيف شيلدون الشخصي للأوراق التي تبرع بها لكلية لندن للاقتصاد بعد ان توفي في عام 2020.
وكانت شركة BAE قد قالت سابقًا إن جميع المدفوعات تمت بموافقة صريحة من حكومة المملكة المتحدة وكانت سرية، وقال متحدث باسم الشركة: “نحن ملتزمون بالسلوك التجاري المسؤول والأخلاقي ولدينا سياسة عدم التسامح مطلقًا فيما يتعلق بالفساد بجميع أشكاله”.
ورفض متحدث باسم وزارة الدفاع التعليق على ما إذا كان كوينلان قد كذب على شيلدون ولجنته.
وقال المتحدث: “تم صرف المدفوعات من قبل وزارة الدفاع بناءً على تصريح من الحكومة السعودية وفقًا للترتيبات بين الحكومة في ذلك الوقت” مضيفًا “ظلت الأموال المصروفة في جميع الأوقات ملكًا لحكومة السعودية. والقول بأن المدفوعات كانت فاسدة مجرد تخمينات”.