في 31 أكتوبر، أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) أنّ المملكة العربية السعودية أصبحت المرشحة الوحيدة لتنظيم مونديال كأس العالم 2034.
وبحسب أوساط حقوقية لم يشكل هذا القرار مفاجأة بعد أن شهدت الفيفا باستمرار عدّة انتقادات عن فضائح الرشوة واستخفافها في رعاية كأس العالم في الدول التي تتمثل بمعايير سيئة في مجال حقوق الإنسان (مثل روسيا والصين وقطر).
ومع ذلك، فإنّ دور الاتحاد الرسمي الأكثر موثوقية في كرة القدم يتلخص في ضمان الاحترام الكامل لحقوق الإنسان في عملية الإعداد لبطولة كأس العالم لكرة القدم.
ويمكن القول إنّ هذا يطبق من خلال الرجوع إلى المادة 7 من سياسة الفيفا لحقوق الإنسان والتأكيد على التزامها بالمبادئ التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان.
ومع ذلك، يمكن أن تُثار الشكوك حول مدى الالتزام بهذه الصكوك، إذ لم تعوّض قطر ولا الفيفا العائلات عن وفيات وإصابات العمال المهاجرين خلال دور قطر في استضافة هذا الحدث الرياضي المرموق.
تبرز المشكلات التي تحول بين قبول عرض استضافة كأس العالم في دولة من الخليج العربي مثل قطر والسعودية.
ولتوضيح هذا الأمر، يمكن تقسيم هذه المشكلات إلى ثلاث فئات:
1) ضعف معايير حقوق الإنسان في هذه الدول (الشمولية وحرية التعبير والقمع السياسي).
2) السماح بتعريض حقوق العمال للخطر، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ نظام الكفالة مسيء بطبيعته.
3) السماح لهذه الدول بتنفيذ استراتيجية “التبييض الرياضي” لصرف النظر عن معاييرها السيئة لحقوق الإنسان.
وبالنظر إلى أنّ المشكلتين الأولى والثالثة تقومان على الاستراتيجيات الوطنية لهذه الدول، فإن الفيفا وغيرها من أصحاب المصلحة عادة ما يسترضونهم من خلال قبول مبالغ كبيرة من المال.
ومع ذلك، إذا قبلنا على مضض أن هاتين المشكلتين تندرجان تحت عنوان “قرارات الدولة”، فمن غير المقبول أن تصبح الفيفا مسؤولةً فعلية عن وفاة الآلاف من العمال.
كان هذا الموضوع بشكل خاص ملحاً خلال بطولة كأس العالم الأخيرة في قطر حيث تم توظيف العمال الوافدين لبناء الفنادق والملاعب وتعرضوا لمختلف انتهاكات حقوق الإنسان.
وكان الموضوع الأول هو كيفية توظيف العمال بموجب نظام الكفالة، وهو نظام برعاية صاحب العمل الذي سيغطي نفقات سفر موظفيه وإقامتهم، إذ تكمن مشكلة هذا النظام في عدم تنظيمه.
وفي حالة قطر، لم يتمتع العمال بالحماية بموجب قانون العمل، الذي منح الكفيل (صاحب العمل) القدرة على استغلال العمال على مستويات مختلفة؛ ومن الأمثلة على ذلك ساعات العمل الإضافية وابتزاز العمال الوافدين بشأن تأشيراتهم وحرمانهم من إمكانية وقف عقد العمل.
أما المشكلة الثانية، المرتبطة بطبيعتها بالأولى، فهي ظروف العمل التي يجب أن يتحملها العمال الوافدون.
وقد أظهر تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش (HRW) لعام 2021 أن الخطر الذي يواجه العمال في قطر هو التعرض للحرارة الشديدة، مما يسبب مضاعفات صحية.
وبالنظر إلى هذه المعلومات والتأكد من أن قطر والمملكة العربية السعودية تشتركان في أوجه التشابه السياسي والقانوني، فمن الممكن التنبؤ بانتهاكات لحقوق الإنسان في كأس العالم 2034.
تطبّق المملكة العربية السعودية نظام كفالة مماثل للنظام المطبق في قطر، على الرغم من أنها أصلحته ظاهريًا في مارس 2021. ومع ذلك، سلّطت هيومن رايتس ووتش الضوء على الإصلاحات العمالية التي لم تدعم معايير حقوق الإنسان.
إذ يسمح الإصلاح للعمال بطلب تصريح خروج (وثيقة تمنح الإذن بمغادرة البلاد) دون إذن أصحاب العمل، ومع ذلك، فإن الخروج من البلد يعد بمثابة حرية وليس إجراءً يجب قبوله من قبل أطراف ثالثة.
وصف مايكل بيج، مدير الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش، نظام الكفالة السعودي بأنه النظام الأكثر إساءة في المنطقة. وتشمل الانتهاكات الشائعة مصادرة جوازات السفر وتأخير الأجور والعمل القسري.
بالإضافة إلى ذلك، لا يزال أصحاب العمل مسؤولين عن تجديد تصاريح العمل – كما حدث في قطر- وغالباً ما يعاني العمال عواقب احتمالية عدم حصولهم على أوراق ثبوتية.
وبالنظر إلى هذه الجوانب، تحتاج إصلاحات نظام الكفالة في المملكة العربية السعودية لعام 2021 إلى مراجعة، مع الأخذ في الاعتبار أنه يجب متابعة المعايير التي ستستخدمها الوزارة في قبول طلبات خروج العمال.
علاوة على ذلك، تقع المملكة العربية السعودية في المنطقة الجغرافية ذاتها لقطر؛ وفي الصيف تصل درجة الحرارة إلى 40 درجة مئوية وما فوق. وبالنظر إلى هذه الظروف، يجب أن تتبع اللوائح درجة حرارة Wet Bulb Globe، التي تحظر العمل في درجة حرارة تتجاوز 31.2 درجة مئوية.
ومع ذلك، فإن حقيقة أن النقابة العمالية لا تستطيع مراقبة اتفاقيات الكفالة، فمن المرجح أن يتسبب ذلك في تكرار قضايا حقوق الإنسان في قطر.
وبالنظر إلى هذا الوضع، فمن الضروري إيلاء اهتمام خاص لرصد حالة حقوق الإنسان للعمال في المملكة العربية السعودية في المستقبل.
وتظهر وثائق عطاءات الفيفا أنه يُلزم بناء 14 ملعبًا لاستضافة كأس العالم. وللقيام بذلك، من المتوقع أن يعمل 13.4 مليون عامل وافد في خدمات منخفضة الأجر وحمايات قليلة لحقوق الإنسان.
ونتيجة لذلك، يبدو أن قرار الفيفا مرة أخرى بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان سيسفر على الأرجح عن مأساة جديدة لا مفر منها، من دون مساءلة.