تدر السياحة الدينية مليارات الدولارات سنويا فيما يستغلها نظام آل سعود منذ عقود من أجل كسب المزيد الأموال حتى حولوا موسم الحج إلى موسم سياحي استهلاكي.
بين سلسة مطاعم الأكل السريع والأكشاك التي تبيع الحلي والسجادات المصنوعة في الصين، تعج شوارع مكة المكرمة بالمتسوقين الذين يتجولون ليلا ونهارا خلال فترة الحج.
يقول الكاتب البريطاني من أصول باكستانية ضياء الدين سردار في كتابه “مكة : المدينة المقدسة” الذي نشر عام 2014، “ينما كنت في المدينة، هناك دائما على مقربة من يبيعك غرضا ما”.
وبحسب سردار فإن التجارة “التجارة طاغية الحضور ومطلقة القدرة”، موضحا أن الحجاج “يتم حثهم بلا انقطاع على إنفاق أموالهم” مشيرا إلى وجود نوع من “عبادة المال والنزعة الاستهلاكية”.
وتتوفر في مكة العديد من التذكارات الدينية التي يشتريها الحجاج بكثرة بينها سجادات الصلاة، البخور، ونسخ من القرآن الكريم، مسابح مصنوعة من الخشب أو الخرز اللامع، مياه زمزم والأوشحة وساعات تدعو للصلاة في مواقيتها، ومجسمات للكعبة مصنوعة في الصين.
ويوجد أيضا متاجر متخصصة ببيع الذهب السعودي وملابس جاهزة وأيضا إلكترونيات لشرائها.
وعام بعد أخر تتصاعد الشكاوي من المسلمين حول العالم بشأن استمرار الارتفاع القياسي لتكاليف الحج وما يفرضه نظام آل سعود من رسوم مالية إضافية.
لكن نادراً ما نجد نقاشاً عاماً في هذا الموضوع، الذي يعتبره بعضهم من “المحرّمات”، لحجب حقيقة ما الذي يجعل تكلفة الحج مرتفعة، مقارنة مع باقي الأسفار التي يقوم بها الإنسان، بما فيها التي تقصد الأماكن الأكثر جذباً للسيّاح في العالم؟ ولماذا هذا السكوت المتواطئ عن مناقشة موضوعٍ هو في صميم الحياة، بل في صميم الدين؟
ما يجعل تكلفة الحج مرتفعة الجهات التي ترعى تنظيمها، سواء تعلق الأمر بالدولة السعودية التي تفرض واجباتٍ معينة على كل حاج أداؤها إذا أراد الحج، أو الدولة مصدر الحجاج التي تحدد لحجّاجها المبالغ التي عليهم دفعها مسبقاً من أجل استيفاء شروطها التي تلزمهم بها، كما هو الشأن في الحالة المغربية هنا.
وتتدخل هنا عدة عوامل ترفع من تكلفة الحج، لعل أهمّها وأبرزها استمرار احتكار شركة الطيران السعودية، وشركات الطيران المحلية نقل الحجاج بأسعار مرتفعة في وقتٍ توجد في العالم شركات طيران منخفضة التكلفة تتيح السفر للجميع بأسعار تلائم ميزانية كل مسافر، فما الذي يمنع الدولة السعودية، أو الدول الإسلامية المصدّرة للحجيج، إيجاد شركات طيران موازية منخفضة التكلفة، لجعل السفر إلى الحج متيسراً للجميع، كل حسب إمكاناته المادية؟.
يضاف إلى ذلك ارتفاع مصاريف بعض الواجبات الدينية التي تؤدى مسبقاً، وبأسعار لا تناسب أسعارها الحقيقية، مثل الأضاحي، وما يرافقها من خدمات مدفوعة سلفاً، وارتفاع أسعار الإقامة في شروطٍ يشتكي منها الحجاج الفقراء كل سنة، لأنها بكل بساطة لا تحترم آدميتهم!
لقد حول نظام آل سعود الحج إلى عملية اقتصادية مربحة، خاصة أن المملكة تعتبر أكبر مستفيد من مداخيل الحج التي تقدرها تقارير متطابقة ورسمية بنحو 19 مليار دولار سنوياً، تدخل إلى خزينة النظام، في حين أنّ الحج هو أكبر وقف إسلامي، كان يفترض أن تذهب أرباحه إلى فقراء المسلمين عبر العالم.
وعلى تكلفة الحج ألا تبقى من المحرّمات التي يجب عدم الاقتراب منها، وخصوصاً عندما تتحول إلى عملية استغلال فجّ لفقراء المسلمين عبر العالم، وتوظف مداخيلها لأغراضٍ سياسية تمثلها سياسة الدولة السعودية، التي تنخرط اليوم في حربٍ مدمرة في اليمن، فهل يقبل الحجاج الفقراء أن تذهب مصاريف حجّهم التي يقضون العمر في اقتصادها إلى تنفيذ سياسة عدوانية ضد شعب مسلم فقير، مثل الشعب اليمني؟ هذه هي رسالة علماء الدين الأحرار الذين عليهم التصدي لهذا الاستغلال البشع لفقراء المسلمين، في واحد من أعظم أركان الإسلام، وفي أرضٍ تعتبر من أطهر بقاع الأرض.
الدعوة إلى تغيير هذا الواقع، إذا لم تتم بالنصيحة، يجب أن تتم قسراً عبر سلاح “المقاطعة” للحج. وهنا دور علماء الدين الشجعان لإصدار فتاوى تبرّر هذه المقاطعة، فالحج يبقى في نهاية المطاف فرض كفاية. وعبر التاريخ الإسلامي انقطع الحج عدة سنوات متتالية لأسباب سياسية، كما حصل في عهد القرامطة الذين اختطفوا الحجر الأسود عدة سنواتٍ انقطع فيها الحج. وثمّة اليوم أكثر من مبرّر ديني وإنساني واقتصادي واجتماعي لاستعمال سلاح “المقاطعة”، حتى تتغير السياسات التي حوّلت الحج إلى بقرة حلوب، وحوّلت مصاريفه إلى أغراض لا تخدم فقط الدين، وإنما تضرّ به وتضرّ بمسلمين عزّل أبرياء يقتلون منذ أربع سنوات ونيف على مقربة من بلاد الحج التي يجب أن تعود إلى ما كانت عليه، بلاد طمأنينة وسلام، من دخل إليها فهو آمن، ومن خرج منها خرج آمناً سالماً غانماً، ومن سكن فيها فهو آمن.