مواسم الحج والعمرة تتحول إلى ساحة أمنية لملاحقة المعارضين في السعودية

لطالما شكّلت مواسم الحج والعمرة رمزية دينية جامعة للمسلمين من مختلف أنحاء العالم، حيث يقصدون الحرمين الشريفين لأداء الركن الخامس من الإسلام أو النوافل المرتبطة به.
غير أن السنوات الأخيرة أظهرت تحولًا مقلقًا في إدارة هذه المواسم تحت إشراف السلطات السعودية، إذ باتت – وفقًا لشهادات منظمات حقوقية ومراقبين – مناسبة أمنية تُدار فيها لوائح الملاحقات الدولية، وتُنفذ فيها عمليات اعتقال وتسليم قسري بحق شخصيات معارضة أو مطلوبة سياسيًا.
شعارات التنظيم تخفي ممارسات قمعية
تروّج السلطات السعودية، عبر مؤسساتها الرسمية والإعلامية، لرواية مفادها أن الحج والعمرة يُداران بأعلى درجات التنظيم والأمن والخدمات الحديثة. وتحرص على إبراز تقنيات المراقبة وإدارة الحشود باعتبارها “إنجازات لوجستية” تعكس مكانة المملكة في خدمة ضيوف الرحمن.
لكن خلف هذه الصورة، تشير تقارير حقوقية إلى أن المواسم الدينية تحولت إلى فرصة للرياض لممارسة الرقابة الصارمة على الحجاج والمعتمرين، والتضييق على بعض الوفود أو الأفراد بناءً على خلفيات سياسية أو مذهبية أو نشاطات معارضة.
اعتقالات وتسليم قسري
وثّقت منظمات حقوقية إقدام السلطات السعودية على اعتقال شخصيات معارضة أو ناشطين وصلوا إلى أراضيها لأداء الحج أو العمرة، ومن ثم تسليم بعضهم قسرًا إلى بلدانهم حيث يواجهون خطر المحاكمة أو السجن.
وتُتهم الرياض باستغلال اتفاقات أمنية ثنائية أو التعاون مع أجهزة أمنية إقليمية لتبادل المطلوبين. في بعض الحالات، جرى توقيف الحجاج في المطارات أو داخل مقار السكن في مكة والمدينة، بعيدًا عن الأضواء، لتجنب إثارة الرأي العام.
ويقول مراقبون إن هذه الممارسات تتعارض مع قدسية الشعائر الدينية، إذ يُفترض أن تكون مكة والمدينة “حرميْن آمنين”، لا مكانًا لتصفية الحسابات السياسية أو لتفعيل قوائم المطلوبين.
التمييز والمنع من أداء المناسك
لم تقتصر الانتقادات على الاعتقالات، بل شملت أيضًا ما وُصف بـالممارسات التمييزية بحق بعض الجاليات أو المذاهب. فقد اشتكت وفود من دول مختلفة من قيود على إصدار التأشيرات أو تضييق أمني داخل الحرم، فيما أُبلغ عن حالات مُنِع فيها مسلمون من دخول المملكة لأسباب سياسية.
وتؤكد منظمات إسلامية أن المواسم الدينية يجب أن تبقى بعيدة عن التجاذبات السياسية، وأن منع أي مسلم من أداء المناسك يشكل انتهاكًا صارخًا للحقوق الدينية المكفولة شرعًا وقانونًا.
استغلال المشاعر المقدسة
يعتبر مراقبون أن استغلال السعودية لهذه المناسبات يعكس استخدامًا سياسيًا للدين يهدف إلى تعزيز شرعية النظام وإحكام السيطرة الأمنية، أكثر من كونه سعيًا لخدمة ضيوف الرحمن.
وتذهب الانتقادات إلى أبعد من ذلك، حيث يُتهم الإعلام السعودي بتسويق صورة براقة عن “نجاح المواسم”، في حين يتم التغطية على الانتهاكات التي تحدث في الظل، سواء عبر المنع من الدخول، أو الاعتقالات، أو الممارسات الأمنية المفرطة.
وقد واجهت هذه السياسات انتقادات منظمات حقوقية دولية، بينها هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، التي حذرت من أن تحويل الحج إلى أداة سياسية يضرب في عمق مبدأ حرية العبادة.
كما دعت منظمات إسلامية مستقلة إلى إنشاء آلية رقابة دولية مستقلة تضمن حيادية إدارة المواسم الدينية وحماية الحجاج من أي ممارسات تعسفية.
وتساءل ناشطون عبر حملات رقمية: “كيف يمكن لمنطقة الحرم التي يجب أن تكون ملاذًا آمنًا لكل مسلم، أن تتحول إلى مكان للاعتقال أو التهديد الأمني؟”
ازدواجية الخطاب السعودي
في الوقت الذي تتحدث فيه الرياض عن رؤية 2030 والانفتاح على العالم، يلاحظ مراقبون أن إدارة الحج والعمرة تكشف ازدواجية واضحة: من جهة، مشاريع ضخمة لتوسعة الحرمين واستخدام أحدث التقنيات في خدمة الزوار، ومن جهة أخرى، تسييس للشعائر وتحويلها إلى أداة أمنية ضد المعارضين أو المختلفين.
ويرى محللون أن هذا التناقض يُضعف من مكانة السعودية في العالم الإسلامي، ويجعلها عرضة لانتقادات بأنها “تستغل قدسية الحرمين لتثبيت سلطتها السياسية”، بدلًا من أن تؤدي دورها كخادمة للأماكن المقدسة لجميع المسلمين دون استثناء.


