بعد القرار الحكومي خفض إنتاج النفط من أجل تحسين الأسعار، تواجه السعودية خطر انكماش اقتصادها وتحديات هائلة تتعلق بسبل تلبية متطلبات موازنتها التوسعية.
وقالت شركة كابيتال إيكونوميكس للأبحاث الدولية إنه من المتوقع ينكمش اقتصاد السعودية 0.5 بالمئة هذا العام بعد قرارها الأخير خفض إنتاج النفط، وذلك بعد توقعات سابقة بنمو الناتج المحلي الإجمالي السعودي 1% هذا العام.
وقالت وزارة الطاقة السعودية، الأحد، إن المملكة ستخفض إنتاجها النفطي إلى تسعة ملايين برميل يوميا في يوليو من نحو عشرة ملايين في مايو، وهو أكبر خفض في سنوات ضمن مسعى الرياض ومنتجين آخرين لدعم أسعار النفط الهزيلة.
وعلى الرغم من خفض الإنتاج، تتوقع كابيتال إيكونوميكس أن تحقق المملكة فائضا في الميزانية هذا العام. وترى أن سعر النفط المتعادل هو 80 دولارا للبرميل. وسجل خام برنت نحو 76.8 دولار للبرميل.
وقال جيمس سوانستون، الخبير الاقتصادي المعني بالأسواق الناشئة في كابيتال إيكونوميكس، “تركنا توقعاتنا لسعر خام برنت في نهاية العام دون تغيير عند 90 دولار للبرميل لنهاية عام 2023، وهذه الأسعار فحسب قد تصبح أعلى قليلا في هذه الأثناء مما توقعنا”.
وقالت كابيتال إيكونوميكس في مذكرة بحثية إنه إلى جانب الأزمة المالية العالمية وجائحة كوفيد-19، فإن انكماش الناتج المحلي الإجمالي “سيكون أضعف وتيرة نمو في العشرين عاما الماضية”.
وذكرت مونيكا مالك، كبيرة الاقتصاديين في بنك أبو ظبي التجاري، إنه إذا استمرت تخفيضات الإنتاج من يوليو إلى نهاية 2023، فسيؤدي ذلك إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي.
وأضافت “نرى أنه إذا استمر خفض إنتاج النفط مليون برميل يوميا بشهر يوليو فحسب، فسيؤدي ذلك إلى تقليص نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للسعودية 0.3 نقطة مئوية. لكن إذا تم تمديده لبقية العام، أي من يوليو إلى ديسمبر، فنعتقد أن هذا سيقلص نمو الناتج المحلي الإجمالي الرئيسي للمملكة بنحو 2.0 نقطة مئوية”.
وسبق أن توقعت مالك، نموا في الناتج المحلي الإجمالي للسعودية واحدا بالمئة في 2023 وسعر تعادل مالي للنفط عند 86.3 دولارا للبرميل.
من جهتها أكدت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، أن خفض المملكة 10% من إنتاجها النفطي لتعزيز الأسعار “قد يكون رهانًا مكلفًا”.
وذكرت الصحيفة أن التوقعات تشير إلى أن خفض الإنتاج سيؤدي إلى دعم الأسعار، وسط مخاوف من تباطؤ الاقتصاد العالمي الذي يعيق الطلب على الطاقة.
وأوضحت أن مسؤولين سعوديين مطلعين أفادوا بأن الزيادة في أسعار النفط، الإثنين، كانت أقل مما توقع الأمير عبدالعزيز، الذي دافع عن خطوة خفض الإنتاج.
وفي الأشهر الأخيرة، ركز الأمير عبدالعزيز على انتقاد المضاربين في “وول ستريت” الذين يمكن أن تؤدي رهاناتهم إلى انخفاض الأسعار، وهو ما اعتبره بعض المحللين مؤشرًا على أن “أوبك+” قد تخفض الإنتاج في اجتماع 4 يونيو/حزيران.
وسيؤدي الخفض، الذي قال بن سلمان إنه قابل للتمديد، إلى أن يكون إنتاج السعودية 9 ملايين برميل يوميًا، وهو مستوى هو الأدنى منذ يونيو/حزيران 2021؛ ما يشير إلى أن الرياض مستعدة للتضحية بحصتها في السوق لدعم ارتفاع الأسعار.
لكن ذلك قد يأتي بتكلفة باهظة، حسبما تشير سمر سعي، ونقلت عن مسؤولين مطلعين على الأمر أن “ارتفاع أسعار النفط لم يعوض خسارة الإيرادات الناجمة عن انخفاض الإنتاج”.
كما تواجه السعودية احتمال خسارة المزيد من حصتها السوقية بأسواق رئيسية، مثل الصين، لصالح الإمارات وروسيا، اللتين تواصلان ضخ كميات كبيرة من الخام الأرخص سعراً في السوق رغم وعودهما بعدم القيام بذلك.
وكانت الإمارات وروسيا قد رفضتا الأحد المزيد من التخفيضات لإنتاج النفط، وأعلنتا أن الأسعار الحالية مناسبة.
وفي خطوة مفاجئة أخرى، رفعت شركة النفط السعودية العملاقة “أرامكو”، الإثنين، أسعار الخام لشهر يوليو/تموز، وتوقع محللون وتجار أن تخفض الشركة المملوكة للدولة أسعار البيع الرسمية لتنافس خيارات أرخص، مثل الخام الروسي، في السوق، وسط توقعات متواضعة للطلب.
ويؤكد التركيز على إبقاء أسعار النفط مرتفعة الضغط الذي يواجهه أول أمير سعودي يدير وزارة النفط، فيما يتابع ولي العهد محمد بن سلمان، خططه الطموحة لإعادة تشكيل اقتصاد المملكة المعتمد على النفط، ولذا يجب على عبدالعزيز إبقاء أسعار النفط الخام عند مستوى يجعل هذه الجهود مجدية اقتصاديًا.
ويقدر المحللون أن المملكة تحتاج إلى أسعار نفط تزيد عن 80 دولارًا للبرميل لتلبية متطلبات ميزانيتها التوسعية.
ومن المرجح أن تمدد السعودية التخفيضات إذا ظلت أسعار خام برنت عالقة بين 70 و75 دولارًا للبرميل وتعميقها إذا انخفضت الأسعار إلى ما دون 70 دولارًا للبرميل، كما يقول بنك كومنولث أستراليا.
فيما يتوقع بنك “جولدمان ساكس” ارتفاع أسعار النفط دولارا إضافيا مقابل كل شهر تطبق فيه السعودية تخفيضات الإنتاج الإضافية.
وتشير الصحيفة إلى أن خفض الإنتاج السعودي سيعزز التوقعات بحدوث عجز في السوق بشكل حاد، وأن وكالة الطاقة الدولية تتوقع بالفعل عجزا قدره 1.9 مليون برميل يوميا بحلول الربع الثالث من العام الجاري.
وتقول شركة “ريستاد إنرجي” إن هذا العجز قد يصل الآن إلى 3 ملايين برميل يوميًا بعد التخفيضات السعودية.
ويتفق المحللون على أن ذلك من شأنه على الأقل أن يكبح التراجع الأخير في أسعار النفط، لكن هناك درجة اتفاق أقل على ما إذا كانت الأسعار سترتفع.
ويرى ريتشارد برونز، رئيس الجغرافيا السياسية في شركة استشارات الطاقة “إنرجي أسبكتس”، أن “الكثير من ذلك يعود إلى عوامل خارجة عن سيطرتهم (السعوديين)، مثل توقعات الاقتصاد الكلي”.
وأضاف برونز: “لذلك أنا بالتأكيد لا أعتقد أنهم حققوا نفس القدر من النجاح والتأثير الذي جرى في عام 2021، وأوائل عام 2022”.