أجمعت تقارير دولية على أن العجز الحاصل في موازنة المملكة مهدد بالارتفاع لمستوي قياسي بفعل أزمة حرب أسعار النفط وجائحة فيروس كورونا فضلا عن فساد رموز نظام آل سعود وتخبط سياساته.
وتوقعت وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني في أحدث تقرير لها ارتفاع عجز ميزانية المملكة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 12%، بقيمة 80 مليار دولار، خلال العام الجاري.
وقالت وكالة فيتش إنَّ عجز الميزانية سيرتفع من 4.5% من الناتج المحلي الإجمالي في 2019، مدفوعاً بهبوط أسعار النفط والتبعات الاقتصادية لتفشي فيروس كورونا، وأن توقعاتها للمملكة تشير إلى تراجع إيرادات النفط بنسبة 41%، بافتراض أن متوسط سعر النفط 35 دولاراً للبرميل.
كما توقعت الوكالة أن تنخفض الإيرادات غير النفطية بنسبة 15% نتيجة لوباء الفيروس التاجي، حيث تضررت الإيرادات المالية للمملكة خلال الأسابيع الماضية، مدفوعة بهبوط أسعار النفط الخام، مصدر الدخل الرئيس، لأدنى مستوى منذ 2002، إلى متوسط 25 دولاراً للبرميل، قبل أن تصعد لاحقاً إلى متوسط 33 دولاراً.
وزادت الوكالة: “أشارت وزارة المالية إلى تحوُّل حاد نحو التقشف هذا العام، على الرغم من أنها ستواجه عملية موازنة صعبة مع الاقتصاد غير النفطي، الذي من المحتمل أن يدخل في ركود عميق”.
وأعلنت المملكة عن خفض الإنفاق بنسبة 5% لعام 2020، إضافة إلى التخفيض المتوخى في ميزانية 2020 بنسبة 3%، ومزيد من التدابير المالية قيد النظر، بحسب الوكالة.
وفيما تحتل المملكة مكانة أقوى في صافي الأصول الأجنبية السيادية، من متوسط الفئة “أ” فإن هذا الموقف يتدهور، وتتوقع الوكالة أن تنخفض الأصول إلى 68% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية 2021 من 72% في 2019″.
في هذه الأثناء قال الكاتب في موقع “بلومبيروغ نيوز”، ليام ديننغ، إن المملكة اليوم في مركز السياسة الدولية من ناحية حرب الأسعار التي تخوضها مع روسيا والقمة الافتراضية التي ستعقدها كرئيسة لمجموعة العشرين إلا أن المستقبل يبدو مزعجا، وذلك ضمن مقاله له بعنوان “عالم السعودية الذي لم يكتمل”.
فرغم ما لديها من فرصة للتبختر على المسرح الدولي إلا أن كل هذا يأتي بثمن، فهي مثل بقية الدول المصدرة للنفط تواجه انخفاضا كارثيا في أسعار النفط. ولكن الأمر لا يتعلق بالمال كما يقول كتاب جديد يقدم مزاجا عما سيتركه كوفيد-19 وعالم السعودية الذي يتداعى. ففي كتابه “أمم غير متحدة: التكالب على القوة في عالم لا يحكمه أحد” قال المحلل في شؤون الجيوسياسية بيتر زيهان إن النظام العالمي الذي نشأ في مرحلة ما بعد الحرب ورعته الولايات المتحدة يتفكك.
وبعد سبعة عقود من عملية كبح الإنسانية حتى لا تخوض مرة ثانية في الفوضى العامة، بالتزام قوي بحرية التجارة والضمانات الأمنية الواسعة فإننا أمام مستقبل جديد. ولم تتشكل دول بالطريقة التي شكلت فيها الهيمنة الأمريكية السعودية التي يخصص لها الكاتب فصلا، فهي بلد معظم مساحته صحراوية ومناطق قليلة مأهولة بالسكان. وظهرت من خلال حرب قبلية على ركام الدولة العثمانية. وربما كانت المملكة حديقة خلفية للإمبراطورية الأمريكية لو لم يكن لديها احتياطي هائل من النفط الذي أصبح بضاعة حيوية للطاقة العالمية. وربما كان النفط محلا لاستهداف المملكة من القوى الكبرى لولا وقت ظهور المملكة الذي تزامن مع الحرب العالمية الثانية وبداية الحرب الباردة.
وكان من حسن حظ السعوديين أن أمنهم المطلق ارتبط بأمن أوروبا وأمن شرق آسيا والولايات المتحدة. واليوم فإن العمادين اللذين علما تاريخ المملكة خلال التسعة عقود الماضية- سوق النفط والحماية الأمريكية- ينهاران. فلم يعد النمو الدائم في الطلب على النفط أمرا مضمونا، فيما أصبح كوفيد-19 مثل الحلم المحموم يعبر عن كل الملامح السيئة لهذا. وفي الوقت نفسه ازداد التناقض الأمريكي تجاه الشرق الأوسط من خلال هزيمة العراق وازدهار النفط الصخري. ومع ظهور أمريكا كقوة مهيمنة في مجال الطاقة، فإنها لم تعد تحتاج الشرق الأوسط. وفي الوقت الذي استمر فيه العداء الأمريكي لإيران إلا أن تجاهلها للضربات التي تعرضت لها منشآت النفط السعودية في أيلول/سبتمبر 2019 كان تذكيرا بأن العالم قد تغير.
وتحاول المملكة التكيف مع الوضع الجديد، وكانت قادرة على عمل هذا لو كان سعر برميل النفط 100 دولار وليس 30 دولارا، فالنفط يوفر ثلثي الموارد الحكومية. وبحسب حسابات شركة النفط السعودية فقد أدت موارد النفط وضريبة الدخل والأرباح للدولة لزيادة 208 مليارات دولار في العام الماضي، لكن الرقم سينخفض هذا العام بـ 100 مليار دولار حتى مع زيادة إنتاج النفط.
كما أن موارد المملكة من شركة أرامكو سينخفض هذا العام وسط الفساد الذي يعيثه كوفيد-19 في سوق النفط والطلب عليه. وبناء على هذا فالسعودية لديها صافٍ من الأرصدة الأجنبية 700 مليار دولار، وهذا يمنحها الوقت وليس المناعة.
ومن الصعب التقليل من عمليات إصلاح الاقتصاد المطلوبة. فثلثا القوة العاملة الوطنية (مقابل الوافدين) هم من موظفي الحكومة وبرواتب تأخذ نسبة 40% من النفقات العامة، مما يعني صعوبة تخفيض الميزانية وتنفيذه.
وكما هو الحال فقد جلب النفط ثروات هائلة ولكن على حساب الدينامية الاقتصادية. وأحد ملامحه المهمة هو أن الدعم السعودي للوقود شوه طريقة استهلاكه المحلي.
وهذا لا يعطي صورة عن اقتصاد متعاف وحديث يدخل عالما يحاول تخفيض مستويات الكربون. وفي دراسة حديثة قامت على النماذج المالية لدول مجلس التعاون الخليجي أجراها صندوق النقد الدولي توصلت إلى أن الدخول في طريق مستدام يقتضي التكيف السريع المساوي للاقتصاد غير النفطي أو القائم على الغاز الطبيعي. وبعبارات أخرى فهذه الدول تكتب شيكات لا يستطيع جيل المستقبل دفعها.
وفي نفس الوقت يتلاشى الدعم الأمريكي، فأمريكا لم تنسحب بالكامل، ولكن رسائل الكونغرس المهددة كشفت على أنه لا يمكن الاعتماد عليها. ومن هنا فمحاولة ربط أمريكا ببرنامج جديد لإدارة السوق هي محاولة للحفاظ على كتلة متداعية من القوى.