كشفت وكالة دولية أن الشعور بالغيرة من قطر يعد السبب الرئيسي في تصعيد سياسة ولي العهد محمد بن سلمان ضد الإدارة الأمريكية ورفض طلباتها بشأن زيادة إنتاج النفط مؤخرا.
وذكرت وكالة Bloomberg أن قادة السعودية وفي مقدمتهم بن سلمان يشعرون بالاستياء من الأهتمام البالغ الذي تحظى به قطر من قبل إدارة الرئيس جو بايدن.
وبحسب الوكالة فإن البيت الأبيض لا يتصل بالرياض إلا عندما تحتاج واشنطن إلى خدمة وهو ما يثير استياء واسعا في الديوان الملكي.
وأشارت الوكالة إلى أن إدارة بايدن تبحث تصريحات بن سلمان الأخيرة في مجلة Atlantic ما إذا كانت مجرد كلام أم تحول حقيقي في نظرة السعودية التي بنت علاقات أعمق مع روسيا والصين.
ومع ذلك يشير معظم المسؤولين الأمريكيين بأن السعوديين يدركون أن بكين ليست بديلاً عن واشنطن بحسب الوكالة.
وأضافت أن بايدن ووزير الخارجية انتوني بلنكن من أكبر المعارضين داخل البيت الأبيض لتخفيف التوتر مع بن سلمان؛ لأنهما قلقين من رد الفعل السلبي لصحيفة واشنطن بوست المؤثرة والتي نشرت مقالات خاشقجي، وأن ولي العهد لا يزال يرتكب أعمالاً تستدعي الإدانة.
في هذه الأثناء قالت مجلة Economist الدولية إن حرب روسيا على أوكرانيا كشفت تناقضاً صارخاً في موقف السعودية وقطر تجاه العالم.
وذكرت المجلة ” تبدو جهود قطر للحفاظ على علاقات جيدة مع جانبي الانقسام الجيوسياسي أكثر حصافة من الناحية التجارية من نهج النظام السعودي”.
وبحسب المجلة فإن “نظام بن سلمان يعادي الغرب بلا داعٍ، ويرفض دعوات زيادة إنتاج النفط، وامتناعه عن انتاج النفط هو نكاية ببايدن، ولا علاقة له بالتجارة أو اقتصاد المملكة.
وقبل أيام قالت وكالة رويترز العالمية للأنباء إن ولي العهد محمد بن سلمان يستغل ورقة النفط لتعزيز نفوذه الشخصي والحصول على اعتراف أمريكي بمكانته.
وأبرزت الوكالة في تحليل أن محمد بن سلمان ادعى في تصريحات له أنه “ببساطة لا يهتم” ولا يعنيه ما إذا كان الرئيس الأمريكي جو بايدن يسيء فهمه.
بدلا من ذلك، يتطلع بن سلمان لاستخدام قوة النفط التي يمتلكها لتحقيق أهدافه، التي تقول مصادر مطلعة على طريقة التفكير في الرياض إنها تتمثل في اعتراف الرئيس الأمريكي بأن ولي العهد هو الحاكم الحقيقي للمملكة وبأن له الذراع الطولى في حرب اليمن باهظة التكلفة.
وأضافت المصادر أن هذا هو أحد أسباب مقاومة الأمير محمد بن سلمان للضغوط الأمريكية لضخ مزيد من النفط لتخفيض الأسعار التي قفزت منذ أن شنت روسيا هجومها على أوكرانيا، فضلا عن حفاظ الرياض على اتفاقها النفطي مع موسكو.
قال أحد المصادر المطلعة على تفكير الحكومة السعودية لرويترز “السعوديون أيضا لهم مطالب قبل تلبية أي من الطلبات الأمريكية، يأتي على رأسها ملف اليمن والاعتراف بولي العهد حاكما فعليا للمملكة”.
اهتزت العلاقات المتينة بين الرياض وواشنطن عندما أصدر بايدن تقريرا مخابراتيا أمريكيا يزجّ باسم الأمير محمد في مقتل الصحفي جمال خاشقجي في 2018، ووضع نهاية للدعم الأمريكي للعمليات الهجومية في حرب الرياض باهظة التكلفة على الحوثيين المتحالفين مع إيران في اليمن.
حتى هذه اللحظة، يرفض بايدن التحدث إلى محمد بن سلمان مباشرة، ويقول إن نظيره هو الملك سلمان البالغ من العمر 86 عاما، رغم أن الأمير الشاب هو من يدير في واقع الأمر شؤون المملكة وكانت تربطه علاقة وثيقة مع سلف بايدن الرئيس السابق دونالد ترامب.
وفي مقابلة مع مجلة “ذي أتلانتيك” نُشرت يوم الخميس، قال محمد بن سلمان إن هدفه هو تعزيز العلاقة التاريخية بين الرياض وواشنطن، لكنه أضاف أنه لا يعنيه ما إذا كان بايدن يسيء فهمه.
ونقلت المجلة عن ولي العهد قوله “ببساطة لا أهتم.. التفكير في مصالح أمريكا شيء يرجع لبايدن”.
وتشدد الرياض مرارا على قوة شراكتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، وتؤكد أن سياستها النفطية تقوم على أساس الالتزام باستقرار السوق وتأمين الإمدادات بدوافع آليات السوق الأساسية.
تتراجع منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاؤها وفي مقدمتهم روسيا عن تخفيضات الإنتاج التاريخية التي فرضتها في 2020 لتعزيز الأسعار، بعد أن كانت جائحة كورونا تسببت في تراجع غير مسبوق للطلب في السوق العالمية.
لكن، منذ اقتحام القوات الروسية للأراضي الأوكرانية في الأسبوع الماضي وفرض عقوبات غربية قاسية على موسكو، قفزت أسعار النفط لأعلى مستوياتها منذ 2012 مدفوعة بمخاوف تعطل الإمدادات، في ظل عدم وجود فائض طاقة عالمي يُذكر لضخ مزيد من الخام.
تريد واشنطن من تحالف المنتجين، المعروف باسم أوبك+ زيادة الإنتاج بوتيرة أسرع مما هو عليه الحال منذ أغسطس آب، لكن قلة قليلة فقط من الدول هي التي لديها فائض طاقة، من بينها السعودية والإمارات.
توجه آموس هوكستين المبعوث الخاص لوزارة الخارجية الأمريكية لشؤون الطاقة إلى الرياض الشهر الماضي لإجراء محادثات حول سبل التصدي للتأثيرات المحتملة على أسواق النفط في حالة وقوع غزو روسي لأوكرانيا، وهو ما حدث بعد ذلك بأسبوع واحد.
قال مصدر آخر مطلع على طريقة التفكير السعودية “ورقة محمد بن سلمان الوحيدة هي السياسة النفطية للضغط على الأمريكيين لإعطائه ما يريد.. الاعتراف والأسلحة (لحرب) اليمن”.
والتزم تحالف أوبك+ يوم الأربعاء بخططه طويلة الأمد للزيادة التدريجية في الإنتاج بمقدار 400 ألف برميل يوميا كل شهر، وليس تسريع وتيرة تعزيز الإمدادات.
كتب جيمس دورسي وهو زميل بارز في معهد الشرق الأوسط بجامعة سنغافورة الوطنية “تسعى السعودية… لعدم الظهور بصورة المعارض للمصالح الروسية. وبذلك، يمكنها أن تضرب عصفورين بحجر، فتبقي الباب مفتوحا أمام موسكو، وترد، بقدر ما، على رفض الرئيس جو بايدن التواصل مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان”.
وفي إشارة تدلل على حرصه على أن يكون جزءا من الحوار مع واشنطن، ألغى محمد بن سلمان رحلة للصين لحضور دورة الألعاب الأولمبية الشتوية كي يضمن وجوده بجانب والده عندما اتصل بايدن بالملك سلمان بن عبد العزيز في التاسع من فبراير شباط، حسبما قالت ثلاثة مصادر لرويترز.
وقالت وسائل إعلام حكومية إن الملك تحدث، في المكالمة التي تناولت قضايا الطاقة وإيران واليمن، عن الحفاظ على استقرار السوق وشدد على ضرورة الحفاظ على اتفاق أوبك +.
قال دبلوماسي مقيم في الرياض “الوضع لا يزال على حاله، نظير لنظيره، لكن نظرا لصعوبة الموقف بالنسبة للولايات المتحدة الآن، فقد تحدث تنازلات”، مضيفا أن الأمير محمد يريد اعترافا رسميا من الولايات المتحدة ودعما من واشنطن في حملة الرياض باليمن المستمرة منذ سبع سنوات.
وردا على طلب للتعليق، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية “في حين أن قضايا الطاقة والأمن لها اعتبارات سياسية مهمة لكلا البلدين، إلا أننا لن نناقش تفاصيل ترتيباتنا الدبلوماسية الخاصة”.
وأضاف “كما أشرنا بشكل معلن، أجرينا مناقشات مع السعودية حول نهج تعاوني لمواجهة ضغوط السوق المحتملة الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا”.
في مقال ذي أتلانتيك، ألمح ولي العهد إلى أن دولا أخرى مثل الصين على أهبة الاستعداد للتواجد على الساحة إذا توترت العلاقات مع واشنطن.
وقال “أين الإمكانيات الواعدة في العالم اليوم؟.. إنها في السعودية. إذا كنت تريد أن تخسرها، فإنني أعتقد أن آخرين في الشرق سيكونون سعداء للغاية”.