فضحت منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية الدولية محاولات ولي العهد محمد بن سلمان استخدام الرياضة بغرض تبييض سجله الحقوقي والتغطية على جرائمه وانتهاكاته لحقوق الإنسان.
ونددت المنظمة الحقوقية باتخاذ بن سلمان الرياضة ورقة إلهاء وصرف أنظار عن السجل الحقوقي في المملكة عبر استثمارات خارجية في هذا المجال.
وقالت المنظمة إن تسارع اهتمام بن سلمان بالإطار الرياضي ونشاطاته وأخباره هو محاولة منه لحرف الأنظار عن السلوك والممارسات الحقوقية الفظيعة والمتدهورة في المملكة.
ونقلت المنظمة عن مديرة المبادرات العالمية في المنظمة مينكي وردن تذكيرها بمحاولات محمد بن سلمان الحثيثة لاستخدام الرياضة وشراء الأندية وعقد المباريات الكبرى والمسابقات للتعمية على سلوك المملكة بملفات حقوق الإنسان.
وكانت وردن غردت على موقع تويتر مذكرة بملفات حرب اليمن التي سمتها بالوحشية، إلى جانب ملف قضية قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي وملف عشرات السجناء والنساء الناشطات في مجال حقوق المرأة وكيف يستخدم بن سلمان ما أسمته الغسيل الرياضي الذي يقوم به للتغطية عن تلك الممارسات.
وفي السياق كانت تقارير صحفية ذكرت أن صندوق الاستثمارات العامة السعودي اقترب من الاستحواذ على ملكية نادي نيوكاسل الإنجليزي لكرة القدم بعد تقديم الوثائق القانونية إلى الجهات الرسمية في بريطانيا الثلاثاء الماضي.
ويركز بن سلمان منذ أشهر على استراتيجية “التبيض الرياضي” لمحاولة التغطية على انتهاكات النظام عبر استضافة أحداث رياضية دولية.
والعام الماضي احتضنت المملكة الحدث الرياضي البارز “سباق فورمولا إي – الدرعية” الذي يقام للمرة الأولى في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك مباراة الإعادة بين أنتوني جوشوا وآندي رويز في ديسمبر/ كانون الأول، إضافة إلى خطة إقامة سباق فورمولا 1 جديد هناك.
وقد يكون مصطلح “التبييض الرياضي” جديدا، لكن ممارسته ليست جديدة على الإطلاق.
وقد بدأ تداول مصطلح “التبييض الرياضي” عام 2015، على الرغم من أنه في ذلك الوقت كان يستخدم لوصف دولة أذربيجان.
وتمتلك أذربيجان ثروة نفطية كبيرة، لكن لها أيضا تاريخ من انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك التعذيب، الذي وثقته منظمات دولية مثل منظمة العفو الدولية.
لذلك في عام 2015، وبعد أن كانت أذربيجان الراعي الرسمي لأتلتيكو مدريد، أصبحت البلاد مشهورة باحتضان الفعاليات الرياضية الكبرى.
فقد ضخوا أموالا ضخمة لاستضافة “أولمبياد أوروبا” الجديدة، دورة الألعاب الأوروبية، والحفل الافتتاحي للبطولة في العاصمة الأذربيجانية باكو. وبعد ذلك بعام، نظموا أول سباق جراند بري (الفرومولا 1) في شوارع المدينة، مبدئيًا باسم سباق الجائزة الكبرى الأوروبي، ولكن في وقت لاحق أصبح ينظم باسم سباق الجائزة الكبرى الأذربيجاني.
وقد نافست باكو أيضا في سباق استضافة نهائي الدوري الأوروبي لعام 2019 وفازت بالفعل بحق الاستضافة.
والنتيجة هي أن محركات البحث، على سبيل المثال، تظهر دولة ما في نتائج البحث الكثيرة الأولى بالنسبة لسباق فورمولا 1 بمجرد كتابة اسم الدولة، دافعة بنتائج انتهاكات حقوق الأنسان إلى آخر قوائم نتائج البحث.
وعندما يذكر اسم الدولة في الأخبار، فإنه عادة ما يقترن سماعه كثيرا بالأحداث الرياضية الكبيرة والجذابة التي ظهرت فيها شخصيات بارزة.
ومما لا شك فيه، أن الاستراتيجيين يأملون في أن تؤدي هذه الأرقام إلى إرسال إشارة، إلى الجماهير التي تراقب، أن الأمور ليست سيئة للغاية هناك.
قد يكون المصطلح (التبييض الرياضي) جديدا، لكن الممارسة نفسها ليست كذلك. فلقد بذل نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا العديد من الجهود لاستضافة الأحداث الرياضية، بما في ذلك سباق الجائزة الكبرى، فورمولا 1، في الثمانينات، الأمر الذي أثار الكثير من الجدل إلى حد كبير.
والآن، يمارس نظام آل سعود كما تقول منظمة العفو الدولية، الشيء نفسه. إذ يتم ربط اسم دولة بأحداث رياضية كبيرة بدلاً من ربطه بانتهاكات حقوق الإنسان.
وسلطت المنظمة الضوء على سجل السعودية “السيء” في حقوق الإنسان. فالبلد يشهد قيودا شديدة على حرية التعبير وحقوق المرأة، إضافة إلى استخدام عقوبة الإعدام في مخالفات لا تعتبر جرائم بموجب القانون الدولي.
كما أن اغتيال الصحفي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في مدينة اسطنبول التركية لا يزال عالقا بشكل كبير في مخيلة العالم.
ويستهدف نظام آل سعود من خلال الرياضة، أن يفكر الناس بشكل أقل في هذه الأشياء، وأن يفكروا أكثر في اللحظات الرياضية الكبيرة، عندما يسمعون عبارة “المملكة العربية السعودية”.
وبشكل نظري، فإن “التبييض الرياضي” يعمل بشكل جيد لسببين. الأول، هو حقيقة أن معظم الهيئات الرياضية الحكومية تصر على أن أنشطتها غير سياسية.
الفصل بين الرياضة والسياسة هو أمر جوهري بالنسبة للكثيرين منهم. فالفيفا تعاقب البلدان التي تحاول فيها الحكومة لعب دور في اتحاد كرة القدم فيها، إلى حد منعها من المشاركة في البطولات.
هذا يجعل استضافة الأحداث الرياضية جذابا للدول التي يعتبر النقاش السياسي فيها مقيدا. وهناك ضغوط مستمرة من منظمات مثل الفيفا أو اللجنة الأولمبية الدولية لإبقاء القضايا المثيرة للجدل بعيدة عن الأنظار في أحداثها الرياضية.
فقد كانت اللجنة الأولمبية الدولية حذرة للغاية من الاحتجاجات المؤيدة للتبت خلال أولمبياد بكين 2008، على سبيل المثال.
أما السبب الآخر، فهو أنه حين يتم الحديث عن القضايا المثيرة للجدل خلال الإعداد لحدث رياضي ما، فبمجرد أن يبدأ هذا الحدث، ينتقل التركيز حتماً إلى الرياضة، ولا يعود أبدا إلى القضايا الجدلية.
فالحجم الهائل من القصص (في كأس العالم مثلا هناك أربع مباريات كل يوم) يعني أنه لا توجد فرصة للصحفيين للتركيز على أي مواضيع أخرى خلال البطولة.
على سبيل المثال، قصص عن احتجاجات في البرازيل بسبب تكلفة أولمبياد ريو 2016، اختفت بمجرد بدء الألعاب. ببساطة، كانت هناك أحداث كثيرة تجري في المكان خلال الدورة.
وقالت منظمة العفو الدولية إن أنتوني جوشوا “يتعرض للخداع” لموافقته على إجراء نزاله القادم في السعودية، مضيفة أن “أي شخص ينتقد النظام في المملكة قد تم نفيه أو اعتقاله أو تهديده. لا يوجد أي مظهر من مظاهر حرية التعبير أو حق الاحتجاج”.
لكن جوشوا قال إنه يقدر لجماعات حقوق الإنسان “التعبير عن رأيها”، لكنه يشعر أنه من الأفضل التعامل مع النظام السعودي بدلا من مجرد “الاتهام وتوجيه التهم والصراخ من بريطانيا”.
وأضاف أنه لا يمكن لشخص واحد أن “يرتدي عباءته وينقذ العالم”. لكن اضطرار جوشوا للإجابة على مثل هذه الأسئلة ربما يكون الشيء الذي لم يرده منظمو النزال.
وقد ينقلب السحر على الساحر، فتخلق الدول التي تسعى إلى استخدام “التبييض الرياضي”، ردود فعل عكسية، وبالتالي يلفت ذلك الانتباه إلى الأشياء التي كانت تلك الدول تحاول إخفاءها.