نشرت مؤسسة القسط لحقوق الإنسان ومنظمات حقوقية أخرى تفاصيل الاعتقالات التعسفية والانتهاكات التي تطال نشطاء حقوق الإنسان ودعاة الإصلاح والكتاب المستقلين ونشطاء وسائل التواصل الاجتماعي في السعودية.
وقالت المنظمات الحقوقية إن المعتقلين تحاول سلطات آل سعود إصماتهم وحرمانهم من حقهم في حرية التعبير وحرية التجمع حتى تضمن عدم وجود أي نقد للانتهاكات المتواصلة.
وأبرزت المنظمات سلوك السلطة المثير لجميع فئات الشعب، كالقتل الوحشي للصحفي جمال خاشقجي والوفيات المتواصلة داخل السجون لشخصيات اجتماعية وسياسية كالدكتور عبدالله الحامد وآخرين، وتداعيات حرب اليمن والانتهاكات السعودية هناك، والتعذيب الوحشي والتحرش الجنسي الذي طال عددًا من الناشطين والناشطات، بالإضافة إلى المغامرات السياسية والاقتصادية التي أثرت بشكل كبير على المواطن البسيط وما يرافق ذلك من هدر عام للثروة واستئثار كامل بالسلطة.
وفي ذات الوقت، فإن الاعتقالات والتعذيب والإخفاء القسري لم تكن تستهدف النشطاء والإصلاحيين فقط، بل إن هناك شريحة جديدة طالها القمع وجرت بحقها انتهاكات كثيرة منذ وصول الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى سدة الحكم في 23 يناير 2015، وظهرت بشكل أبرز بعد تولي ابنه محمد بن سلمان لولاية العهد في 21 يونيو 2017.
وبعد أن شنت السلطات السعودية حملات اعتقالات جماعية متعددة، كان أبرزها بتاريـخ 10 سبتمبر 2017 وطالت مجموعة من رجال الدين البارزين والمؤيدين للتيار الإصلاحي والحقوقي، والأكاديميين والمثقفين والإعلاميين كالدكتور سلمان العودة وعبدالله المالكي وآخرين، شنت بعدها حملات أخرى واسعة، كان أحدها فـي تاريخ 4 نوفمبر 2017 تحت مسمى “مكافحة الفساد”.
وتم احتجاز عددا من المسؤولين وأبناء الأسرة الحاكمة ورجال الأعمال فـي فندق الريتز كارلتون في الرياض دون التقيد والالتزام بالإجراءات القانونية والقضائية، وأفرجت السلطات عن عدد منهم لاحقًا بعد ما أسمته بـ”التسويات”، وقالت عن بعضهم أنهم كانوا أبرياء، وتبين أن عدد من المعتقلين اعتقلوا بسبب رفضهم تولي محمد بن سلمان مناصب هامة، واتهمت السلطات عددًا منهم بالفساد إلا أن بن سلمان اتهم عددًا منهم بالتخطيط لازاحته.
واستمرت هذه الاعتقالات التعسفية وما يرافقها من انتهاكات جسيمة دون توقف، واستمرت السلطات السعودية في تعريض حياة عدد من المعتقلين للخطر سواء بتعرضهم للضرب أو التعذيب الشديد أو منعهم من حقوقهم الأساسية في العلاج والرعاية الصحية.
وكان من بين من طالته هذه الحملة بسمة بنت سعود آل سعود، وسلمان بن عبدالعزيز بن سلمان بن محمد آل سعود ووالده عبدالعزيز آل سعود.
اعتقل سلمان آل سعود في 4 يناير 2018 بعد لقاء دعي إليه هو ووالده من قبل إمارة الرياض، حضره العشرات من أبناء الأسرة الحاكمة الذين تم استدعاؤهم لذلك الاجتماع ليلًا واستمر الاجتماع حتى الصباح، اتهم عدد من المجتمعين بالارتباط بتركي بن محمد بن سعود الكبير، حضر الاجتماع مستشار ولي العهد حينها سعود القحطاني ومعه عدد من الملثمين والعسكريين، وذلك قبل يومين من إعلان السلطات عن تشكيل قوة خاصة مرتبطة بولي العهد محمد بن سلمان.
وتعرض يومها سلمان للضرب الشديد والتعذيب أمام بقية المجتمعين على يد هذه القوة المرافقة لسعود القحطاني، واتهم بعض الحاضرين بالمشاركة في اجتماعات واتفاقات تهدف لإزاحة بن سلمان من ولاية العهد، وتبادل هذه الأفكار مع جهات في الخارج بهدف المساعدة على تحقيقها، وتم إطلاق النار في القصر دون معرفة ما إذا كان إطلاق النار استهدف أحدًا أم أنه كان بقصد التخويف، ومن ثم تم اعتقال سلمان بالإضافة إلى 10 آخرين ممن كانوا حاضرين ذلك الاجتماع، وتم الإعلان من قبل السلطات عن تشكيل قوة “السيف الأجرب” في السادس من يناير.
لم يكن سلمان وآخرين قادرين على الوقوف أو المشي بعد تعرضهم للضرب الشديد في داخل القصر، وتعذيبهم على أيدي ملثمين يرافقهم سعود القحطاني، وتم حملهم من القصر إلى المعتقل في فندق الريتز كارلتون ليتلقى سلمان العلاج هناك لمدة أسبوعين.
وفي اليوم التالي، 5 يناير، بادر والده عبدالعزيز بن سلمان بالاتصال بشخصيات في أوروبا بهدف المساعدة للإفراج عن ابنه، وكان من بينهم محامٍ فرنسي يقيم في باريس، لتتم وفي ذات اليوم مداهمة منزل عبدالعزيز آل سعود الواقع في حي النخيل في الرياض من قبل قوات كبيرة مدججة بالأسلحة، والتي قامت بتدمير كاميرات المراقبة في المنزل قبل أن تقوم باعتقاله ومصادرة عدد من الأجهزة في منزله بتهمة التواصل مع جهات خارجية، ومن ثم تم اقتياده إلى المعتقل.
بعد أسبوعين تم نقل سلمان إلى سجن الحائر، وتم منعه من التواصل بالعالم الخارجي لمدة سبعة أشهر تعرض فيها سلمان للإخفاء القسري، وبقي في الحائر قرابة العام قبل أن يتم نقله في بداية 2019 مع ووالده للاعتقال في فيلا خاصة تابعة للسلطات، وفي 28 مارس 2020 تم أخذ سلمان من قبل ملثمين من فيلا الاعتقال وتم نقله لمكان مجهول، ليختفي قسريًا مجددًا قبل أن تتم إعادته لوالده في نهاية مايو الماضي، بعد إخفاء لمدة شهرين آخرين، ولازال سلمان ووالده رهن الاعتقال في الفيلا التابعة للسلطات السعودية.
وقد قامت عدد من الجهات بالتواصل مع السلطات السعودية للإفراج عن سلمان ووالده، وإيقاف الانتهاكات الواقعة بحقه، وقد تواصل مع السلطات عدد من أعضاء الاتحاد الأوروبي الذين ابدوا قلقهم من الاعتقال، كما تواصل محامي سلمان بالسلطات الفرنسية، وقامت مؤخرًا منظمة مينا رايتس مع القسط بتسليم شكوى نيابة عن سلمان ووالده لمجلس حقوق الإنسان في جنيف التابع للأمم المتحدة للطلب من السلطات السعودية إيقاف انتهاكاتها بحقهما.
أما بسمة بنت سعود آل سعود، فقد تم اقتيادها في الأول من مارس 2019 من منزلها في مدينة جدة إلى الرياض بعد إبلاغها برغبة ولي العهد محمد بن سلمان بالاجتماع معها، إلا أنها أخذت إلى الرياض إلى سجن الحائر مباشرة برفقة ابنتها سهود، دون أن تلتقي بولي العهد.
وبعد الاعتقال تعرضت بسمة للاختفاء لأكثر من شهر، ولم تتمكن من التواصل بأسرتها حتى أبريل 2019، منعت بسمة بعد اعتقالها من حصولها على الرعاية الصحية اللازمة، وهي تعاني صحيًا مما قد يعرض حياتها للخطر، ورفضت السلطات كل طرق التواصل من قبل أسرتها للإفراج عنها أو ضمان العلاج لها.
وبعد أكثر من عام من الاعتقال تم النشر عن اعتقالها وما تتعرض له عبر حسابها الرسمي على موقع تويتر، وذلك في بداية رمضان 1441، الموافق 23 أبريل 2020، وبعد يومين تم اختراق الحساب وحذف التغريدات، وفي 27 أبريل 2020 تمت استعادة الحساب مجددًا وإعادة التغريدات،.
ولكن آخر تواصل ببسمة كان في 21 أبريل 2020، حيث منعت من التواصل بعدها ولا يتم الرد على أي سؤال عن مكان تواجدها أو ظروفها الصحية حتى اليوم، تتعرض بسمة الآن للإخفاء القسري مع وجود مخاوف بتردي حالتها الصحية ومخاوف من الإهمال المتعمد من قبل السلطات لوضعها الصحي.
وطوال فترة الاعتقال لم توجه أي تهم لبسمة، وكانت تخبر في عدد من المرات أنه لا يوجد ضدها أي تهم، وأنه سيتم الإفراج عنها قريبًا، وفي 6 أبريل 2020 قام عدد من المقررين الأمميين والفرق المعنية في مجلس حقوق الإنسان في جنيف التابع للأمم المتحدة قاموا بالإرسال إلى السلطات السعودية حول قضية اعتقالها وما تتعرض له.
وأكدت مؤسسة القسط رفضها القاطع لأي انتهاكات حقوقية تطال أيًا من أفراد المجتمع، وتدرك الخطورة القصوى من استهداف شرائح المجتمع بالاعتقال التعسفي والتعذيب والإهمال الطبي والإخفاء القسري وعدم العرض على محاكمات عادلة، وتوجيه تهم باطلة، واختفاء العدالة والاستقلال القضائي، وتغييب دور المجتمع المدني، والبطش بكل الخصوم دون أي اعتبار لحقوق الإنسان.
ودعت المؤسسة الحقوقية إلى الضغط على سلطات آل سعود من أجل إيقاف هذه الانتهاكات الممنهجة، ووضع حد للإفلات من العقوبة، ووضع حد للتعامل مع السلطات السعودية دون مراعاة التدهور الحقوقي الكبير الذي يطال الجميع في داخل السعودية.