لم يحظ منتدى الاستثمار السعودي بما كان متوقع من قبل نظام آل سعود بشأن جلب استثمارات كبيرة في ظل إحجام كبرى الشركات العالمية سواء عن المشاركة أو إبرام الصفقات.
وساد شعور القلق وعدم الارتياح على المستثمرين الأجانب من المشاركين في المنتدى تجاه المملكة بعد الهجمات الأخيرة عليها ونظرا لسجلها الحقوقي الأسود بما في ذلك جريمة قتل الصحفي السعودي “جمال خاشقجي”، في قنصلية بلاده بإسطنبول.
ولم تتجاوز قيمة الاستثمارات التي أعلنت عنها الرياض، خلال المؤتمر، الـ20 مليار دولار، في حين بلغت العام الماضي عن استثمارات بقيمة 56 مليار دولار انتزعت أرامكو أغلبها.
وعلى عكس العام الماضي، حضر هذا العام أسماء كبيرة تغيبت في النسخة الأولى، على إثر توجيه اتهامات للمملكة بقتل “خاشقجي”، من بينهم رؤساء إتش.إس.بي.سي، وبلاكستون، وبلاك روك، وأرسل جيه.بي مورجان، وجولدمان ساكس، ومسؤولون تنفيذيون كبار.
ونقلت وكالة “رويترز” عن الباحث الكبير في مؤسسة “تشاتام هاوس” البحثية البريطانية؛ “نيل كويليام”، الذي حضر المنتدى، قوله: “كان الإعداد لهذه النسخة من مبادرة مستقبل الاستثمار يوحي كما لو أن المملكة على وشك أن تشهد تحسنا مع بدء المستثمرين في إلقاء نظرة أخرى على الفرص، بالرغم من أن الكثيرين فضلوا أن يظلوا بعيدين عن الأضواء”.
وأكد بعض المشاركين، الذين تحدثوا بشرط عدم نشر أسمائهم، أن حالة عدم الارتياح استمرت فيما يتعلق بمقتل “جمال خاشقجي”.
وقال مسؤول تنفيذي يعمل في أوروبا “لا أعتقد أن أيا منا يشعر بأن جميع الأمور عادت إلى طبيعتها. لا تزال هناك الكثير من الأسئلة التي لم تتم الإجابة عليها”. لكنه أضاف أن المنطقة مهمة للتقنيات التحولية.
واعتبر آخرون أنه حتى تُصلح الرياض صورتها بالكامل فإنها “تحتاج إلى إظهار أنها تحسنت فيما يتعلق بعثرات في السياسة الخارجية مثل حرب اليمن، وتحركات محلية تشمل سجن معارضين، وحملة في 2017 ضد الفساد حولت فندق الريتز كارلتون، الذي يستضيف المؤتمر، إلى سجن فاخر”.
وخلال المؤتمر، لم يتم الإعلان سوى عن اتفاقات استثمار بقيمة 20 مليار دولار، مقارنة مع 56 مليار دولار في نسخة العام الماضي عندما انتزعت أرامكو أغلب الصفقات، ما يؤكد استمرار حالة الريبة والقلق تجاه مملكة النفط.
وحفزت إصلاحات اجتماعية تطورا في مجالي الترفيه والسياحة، لكن مشروعات عملاقة مثل نيوم لم تشهد إلا تقدما ملموسا بشكل ضئيل.
ولا يزال أغلب المستثمرين يركزون على طرح أرامكو الذي طال انتظاره، والذي لم يتحقق في عدة مرات سابقة. وأكد وزير الطاقة السعودي للحضور، يوم الأربعاء، أنه سيحدث قريبا.
وأعلنت هيئة الاستثمار التابعة لآل سعود توقيع 26 اتفاقية بأكثر من 20 مليار دولار، مع اختتام مؤتمر “مبادرة مستقبل الاستثمار 2019″، الذي أقيم في العاصمة الرياض، منذ الثلاثاء، واستمر 3 أيام.
في هذه الأثناء وبعد تأجيله مرتين منذ عام 2018، توقع مصدر لوكالة الأنباء الفرنسية أن يوافق محمد بن سلمان غدا الأحد رسمياً على الطرح العام الأولي لاكتتاب شركة “أرامكو”، في عملية هي الأغلى من نوعها في العالم.
وتوقع المصدر الكشف عن الجدول الزمني للعملية والآليات الخاصة بها يوم الأحد. وسيتم طرح نسبة ضئيلة من شركة النفط العملاقة التي تراوح قيمتها بين 1.5 و1.7 تريليون دولار.
وفي حال تأكيد هذه الأرقام، فإن ذلك يعني أن بن سلمان لم يعد يطالب كما هي الحال منذ عام 2016 بأن تكون قيمة الشركة تريليونَي دولار.
في عام 2018، قرّر بن سلمان تأجيل الاكتتاب لأن تقييم الشركة وفقاً لحسابات المصرفيين بعد اجتماعات مع مستثمرين محتملين، كان دون هذا الحد.
وستكون عملية الاكتتاب على مرحلتين، تبدأ الأولى في سوق الأوراق المالية السعودية “تداول” في ديسمبر/ كانون الأول المقبل، على أن تكون المرحلة الثانية في عام 2020 في إحدى البورصات العالمية. وسيتم طرح 5% من أسهم “أرامكو” للاكتتاب العام.
وكانت مصادر ذكرت أن نسبة الأسهم التي ستطرح في السوق المالية السعودية ستكون بحدود 2%. وتابع المصدر أن المسؤولين التنفيذيين في “أرامكو” التقوا مستثمرين في لندن ونيويورك الأسبوع الماضي، مشيراً إلى إحجام من جانب المستثمرين الأجانب مردّه إلى الشكوك في مدى الشفافية والحوكمة وتقييم المجموعة.
وذكرت وكالة بلومبيرغ، نقلاً عن مصادر لم تحددها، أن عائلات سعودية ثرية تتعرّض لضغوط ستجلب الأموال خلال هذه العملية في السوق المحلية. كذلك سيتم تشجيع البنوك المحلية على إقراض المستثمرين الصغار للمشاركة في العملية.
تساؤلات حول شفافية الشركة: قال أندرو ليبوف، الشريك الرئيسي في مجموعة “كوموديتي” للأبحاث والخبير في أسواق النفط، إن “أرامكو” أصبحت أكثر شفافية، لكن لا تزال هناك أسئلة حول حجم ما ستكشف عنه.
وأضاف “من الصعب القول ما إذا كنا سنحصل على الصورة كاملة. من المؤكد أن أرامكو أكثر شفافية مما كانت عليه، لكن ما إذا كنا سنرى البيانات المالية بشكل واضح يبقى سؤالاً مفتوحاً”.
وتابع أن الطرح يعني أنه “للمرة الأولى سيتعيّن على أرامكو التعامل مع المساهمين. من المتوقع أن تكون الاجتماعات مثيرة للاهتمام”.
وسيواجه المستثمر مخاطر شراء حصة في شركة هي عضو غير مباشر في أوبك من خلال المساهم الرئيسي، أي الرياض.
وقال الخبير “لذا، يجب أن ندرك أن أرامكو لن تنتج دائماً أقصى قدراتها”، لأن أوبك تتحقق بانتظام من مستوى المعروض من الخام. وستتولّى إدارة العملية البنوك الأميركية الكبرى، مثل “جاي بي مورغان تشايس” و”مورغان ستانلي” و”غولدمان ساكس” و”بنك أوف أميركا” و”ميريل لينش”.
وكانت أرامكو قد فتحت دفاتر حساباتها للمرة الأولى منذ تأميمها قبل 40 عاماً لوكالتي “فيتش” و”موديز” الدوليتين للتصنيف الائتماني في إبريل/ نيسان الماضي، في إطار استعداداتها لجمع الأموال من المستثمرين.
وحقّقت الشركة أرباحاً صافية بلغت 111 مليار دولار العام الماضي، لتتفوق على أكبر 5 شركات نفطية عالمية، وبلغت العائدات 356 مليار دولار.
وفي أغسطس/ آب الحالي، أعلنت أرامكو إيراداتها النصفية للمرة الأولى في تاريخها، مشيرة إلى تراجعها في النصف الأول من عام 2019 إلى 46.9 مليار دولار، مقابل 53 مليار دولار للفترة ذاتها من العام الماضي.
وتُقدّر أرامكو احتياطات النفط المثبتة بـ227 مليار برميل، واحتياطاتها من الهيدروكربون بـ257 مليار برميل، ما يكفي لأكثر من نصف قرن، وهو مستوى جيد ومريح، بحسب وكالة “فيتش”.