سوء واقع مكة المكرمة عنوان فشل آل سعود في إدارة الحرمين
تتنوع أوجه الاهمال التي تعاني منه العاصمة المقدسة (مكة المكرمة) بين فشل البلديات في تقديم خدمات بلدية تليق بالمدينة وسكانها وزوارها من مسلمي العالم، وبين الفساد الذي يسيطر على السلع والخدمات المقدمة في المدينة, لكن أوجه الفشل جميعا تتوحد ضد حياة المسلمين في العاصمة المقدسة.
ولم تلفح جهود بلديات مكة الفرعية في تخليص العاصمة المقدسة من المستوى الحضاري المتدني والذي يتمثل بالمطاعم العشوائية وغير المطابقة للمواصفات الصحية والتي لا تراعي أدنى شروط الصحة والسلامة، اضافة لمكبات مخلفات البناء التي تنتشر على نطاق واسع في مختلف مناطق مكة المكرمة منذ سنوات.
ورغم إعلان أمانة العاصمة المقدسة والبلديات الفرعية في مكة المكرمة عن حملات تنظيم ومراقبة وتفتيش إلا أن المواطنين والزائرين الكثر للمدينة لا يلمسون آثر تلك الحملات إلا قليلا جدا.
وتمكن المعضلة في فساد النظام الإداري وتغلغل المحسوبية والفساد داخل منظومة إدارة الدولة في مكة المكرمة، خاصة لجهة نفوذ رجال الأعمال والتجار في أروقة البلديات والمؤسسات الرسمية.
وتستقبل مكة ملايين الزوار المسلمين من كل العالم على مدار العام، ويزداد عددهم في مواسم الحج وشهر رمضان المبارك، الامر الذي يفرض على السلطات السعودية إدارة العاصمة المقدسة بشكل يليق بمكانتها لدى المسلمين.
ويحتاج الملايين من الزوار المسلمين لخدمات تنظيمية وصحية وغذائية بدرجة معقولة، الأمر الذي لا يتوفر في مكة رغم الحديث عن هذه المعضلة لسنوات طويلة.
وجولة واحدة بسيطة للزائر تكشف المستوى المتدني للنظافة بشكل عام خاصة في المطاعم والمخابز التي يعمل بها افراد العمالة غير المتخصصة.
ومع غياب الرقابة الفعالة على المطاعم واجواء الحرارة الشديدة تجد أن نسبة لا يستهان بها من الطعام واللحوم المباعة تالفة بسبب سوء التخزين.
كما تنتشر العشوائية في مواقف السيارات، وهي معضلة في كل المدن الكبرى في العالم، لكن يتم التغلب عليها بإنشاء مواقف السيارات الذكية وضبط جوانب الطرق لعدم حجزها من قبل المحال التجارية وغيرها بشكل غير قانوني، الامر الذي لم تفعله السلطات السعودية في مكة المكرمة حتى يومنا هذا.
وأدى اهمال نظام الصرف الصحي مؤخرا لانتشار كبير للحشرات والصراصير التي هاجمت الحرم المكي والمصلين فيه.
وتعتبر مكبات مخلفات البناء العشوائية أحد أسباب انتشار الأمراض والحشرات بسبب تخريبها لنظام الصرف الصحي ومجاري الأودية في الشتاء.
ويرى مراقبون أن إدارة السعودية للحرمين أن مكة المكرمة والمدينة المنورة تحتاجان بشكل خاص لنهضة شاملة لتأسيس مدن تليق بالحضارة الإسلامية وقادرة على تقديم الخدمات لملايين الزوار المسلمين بيسر وسهولة.
كما تحتاج مكة والمدينة إلى تأسيس نظام مدن ذكية لتجاري التطور الحاصل في العالم، وخاصة في علم إدارة الحشود، في مواسم الحج.
وتدعو المنظمات الحقوقية السلطات السعودية لرفع درجة الاهتمام بمكة المكرمة والمدينة المنورة حيث الحرمين الشريفين، والعمل الجاد على النهوض بواقع المدينتين بشكل عاجل.
في الشتاء الماضي تلقت مكة المكرمة موجة مطرية، أطلق الدفاع المدني السعودي تحذيرا بشأنها قبيل وصولها، لكنه فشل في تطبيق إجراءات السلامة على المنشآت المدنية والخاصة، ما أدى مثلا لانهيار منزل ومقتل رضيعه تحت أنقاضه بسبب الأمطار.
ولقيت رضيعة تبلغ من العمر عامًا ونصف العام مصرعها، بعدما احتجزت تحت الأنقاض، إثر انهيار منزلها الواقع في حي حداء بمنطقة بحرة بمكة المكرمة.
وأبدى سكان مكة غضبهم من إهمال نظام آل سعود للعاصمة المقدسة وعدم تقديم خدمات تصريف مياه الأمطار، وحتى عدم اتخاذ إجراءات للتخفيف من نتائج خطأ عدم توفير خدمات دائمة مهيأة لاستقبال الأمطار.
وإضافة لمقتل الرضيعة، قدمت وحدات الإنقاذ بالإدارة العامة للدفاع المدني بالعاصمة المقدسة خدمات إنقاذ لنحو 30 شخصاً محتجزاً في مواقع مختلفة من مكة المكرمة, وذلك خلال الأمطار التي هطلت عليها.
وبرز ضمن حالات الإنقاذ، إخلاء ما يقارب 20 شخصاً داهمتهم السيول في مجموعة استراحات بحي الحسينية؛ حيث تم إخراجهم بصحة جيدة بمشاركة من فريق ساعد التطوعي.
يشار إلى أنه كان هناك تحذيرات من مخاطر العشوائية والفساد الذي يشوب عمل السلطات المحلية في العاصمة المقدسة، خاصة لجهة إصدار التراخيص للمنشآت بشكل غير قانوني وفي مجاري الأودية ومرتكزات مهمة لتطوير البنية التحتية.
وبعد وفاة الرضيعة، قدم الدفاع المدني نصائح لسكان مكة المكرمة لكيفية التعامل في أوقات المطر، بينها الابتعاد عن مواقع الخطر كالأودية والشعاب والتصرف السليم وقت هطول الأمطار.
وفي وجه آخر لأوجه الفساد الذي ينخر جسد العاصمة المقدسة، أدى غياب أبسط إجراءات السلامة عن المرافق العامة، لمقتل طالب في أحد ملاعب الرياضة بحي العوالي بمكة المكرمة.
وبحسب صحيفة “عكاظ”، فقد تسببت صعقة كهربائية في وفاة الطالب، وذلك بحسب التفاصيل التي رواها زملاء الطالب حيث قالوا إن المتوفى (ف،ع 15 عامًا)، اتفق مع 10 من زملائه في المدرسة للعب كرة القدم في أحد الملاعب وبالفعل حضر الجميع.
وتابع زملاء الطالب أنه عندما انتهوا من اللعب وجلسوا في الجهة المضاءة من الملعب ذهب زميلهم (ف،ع) ناحية العمود في الركن غير المضاء لجلب الكرة، لكنه تأخر، وعندما ذهبوا إليه وجدوه ملقى على الأرض وعليه آثار حرق في إحدى يديه، مما اضطرهم إلى استدعاء الهلال الأحمر والاتصال بأولياء أمورهم، موضحين أن مكان الحادثة كان مظلمًا وليس به أضواء.
وأضافوا “على الفور حضر أحد أولياء الأمور ووجد الطالب ملقى على الأرض بجوار العمود الكهربائي في وضع حرج فاقد النفس مفتوح العينين، وتم نقله عبر الهلال الأحمر إلى مستشفى النور التخصصي الذي أعلن وفاته بعد الكشف عليه في طوارئ المستشفى، وتم التحفظ على الجثة بثلاجة الموتى لحين الانتهاء من كافة التحقيقات لدى الجهات المختصة”.
وبدلا من تحمل المسؤولية والانطلاق من الحادث لإنقاذ المدينة التي تستقبل ملايين المسلمين كل عام من غياب إجراءات السلامة في المرافق العامة.
وترى الهيئات الدولية أن الفساد الإداري وغياب الرقابة وضعف تنفيذ القوانين، أودى بحياة طفلة رضيعة وأصاب كل المسلمين من سكان وزوار العاصمة بالهلع والخوف، وهو أمر خطير جدا ويناقض رسالة الإسلام التي أكدت على حفظ الأمن والأمان للمسلمين.
وتدعو الهيئات نظام آل سعود لسرعة الاستجابة والقيام بتشكيل إدارة قوية تضم خبرات المسلمين في العالم لخدمة العاصمة المقدسة، والحفاظ على أرواح المسلمين من آثار الفساد الإداري الذي ينخر جسد مكة المكرمة.
يتسبب الفشل الإداري الجسيم في مشاكل عديدة في مدينة مكة المكرمة العاصمة المقدسة والتي تهوي إليها أفئدة المسلمين في كل الأوقات, واحدى هذه المشاكل غرق المدينة بمخلفات البناء والنفايات الصلبة.
وتنتشر مخلفات البناء والنفايات الصلبة في أماكن عامة وأحيانا تعيق الطرقات وتسبب الازدحام وتشكل مكرهة صحية وبيئة خصبة للأمراض والأوبئة.
وتمتد مشكلة انتشار مخلفات البناء من الأحياء والشوارع العامة والحارات السكنية العشوائية المتهالكة إلى أماكن قريبة من الحرم المكي الشريف، حيث نقطة التقاء 1.6 مليار مسلم في العالم.
كما تتسبب مخلفات البناء والمخلفات الصلبة بظهور عاصمة المسلمين بمظهر حضاري مسيء، جراء اهمال شركات المقاولات وغياب الرقابة من الجهات المعنية.
وتقول صحيفة عكاظ في تقرير لها إن مخلفات البناء مشكلة متأصلة في العاصمة المقدسة حيث تنتشر المخلفات في الأحياء والشوارع والطرقات في كافة أنحاء مكة المكرمة والمحافظات والقرى التابعة، جراء عمليات البناء والانشاءات.
وأدت مخلفات البناء في حوادث عديدة لقطع إمدادات الكهرباء عن بعض المناطق الحيوية في العاصمة المقدسة.
كما نتج عن هذه المشكلة تلوث بيئي وبصري يضر بالمدينة المقدسة وزوارها الذين يقدرون بملايين المسلمين كل عام.
وترتبط مشكلة مخلفات البناء بمشاكل عديدة تعاني منها المدينة المقدسة بينها القطع الصخري وإزالة الجبال بصورة شرهة، والقاء المخلفات الصخرية في الأماكن العامة وفي مجاري الأودية.
كما تزداد مشكلة مخلفات البناء في المناطق العشوائية الجبلية التي تعاني من عشوائية البناء وغياب شبكة الطرق السليمة والخدمات الأخرى، ما يتسبب بأزمة سكانية في العاصمة المقدسة.
ورغم أن مشكلة مخلفات البناء والنفايات الصلبة مشكلة مزمنة في المدينة المقدسة إلا أن السلطات تتعامل معها موسميا وضمن حملات منفصلة، وليس ضمن سياسات عامة دائمة للحفاظ على المدينة المقدسة بما تضم من حرم مكي ومقدسات وآثار إسلامية جليلة.