وصف موقع دويتشه فيله الألماني ولي العهد محمد بن سلمان أنه ذو وجهين يبطش بخصومه تحت ستار مكافحة الفساد في السعودية.
وأشار الموقع إلى قيام بن سلمان قبل أيام بإعفاء عضوين من الأسرة المالكة، مرة أخرى على أساس اتهامات الفساد.
والمتهم الأول هو الأمير فهد بن ترك عبد العزيز آل سعود، قائد القوات المقاتلة في اليمن التابعة للتحالف العسكري الذي تقوده العربية السعودية. والثاني هو ابنه، الأمير عبد العزيز بن فهد، نائب حاكم محافظة الجوف في شمال العربية السعودية.
وهذه الإعفاءات تعتمد على تعليمات من محمد بن سلمان لمؤسسة مكافحة الفساد “نزاهة” المطالبة بإجراء تحقيقات بشأن “تحويلات مالية مشبوهة في وزارة الدفاع”، وذلك بحسب بيان صدر في الرياض، أكد أن أمرا ملكيا أصدره الملك سلمان بن عبد العزيز بإعفاء الأمير فهد بن تركي بن عبد العزيز آل سعود من منصب قائد القوات المشتركة في التحالف، وأعفي ابنه الأمير عبد العزيز بن فهد من منصب نائب أمير منطقة الجوف.
وأضاف الأمر الملكي أن القرار استند إلى ما أُحيل من محمد بن سلمان ولي العهد إلى هيئة الرقابة ومكافحة الفساد للتحقيق.
وزعم بن سلمان إطلاق حملة مكافحة فساد قوية بفترة قليلة بعد تعيينه وليا للعهد في 2017. وكانت لذلك أسباب وجيهة ذلك أن أعمال الفساد استفحلت في البلاد.
الصحفي بان هوبارد من صحيفة “نيويورك تايمز”، مؤلف “السيرة الذاتية” لمحمد بن سلمان صادرة في خريف 2020 يذكر أمثلة: أعضاء من العائلة الحاكمة استعاروا أموالا من بنوك سعودية دون إعادة دفعها. وأمراء استولوا كمستشارين لمستثمرين أجانب على قطع أرضية مع المعرفة المسبقة أن تلك الأراضي سيُرخص لها كمساحات بناء. وبعدما ارتفعت أسعار تلك الأراضي، باعوها للدولة وساتفادوا من أرباحها.
وأمراء آخرون عملوا كعرابين قانونيين لعمال أجانب يأخذون منهم رواتب دون تقديم أية خدمات في المقابل.
والتدخل الكبير ضد الفساد حصل في نوفمبر تشرين الثاني 2017 حين أمر محمد بن سلمان باعتقال نحو 350 عضوا من النخبة الحاكمة وحبسهم في فندق ريتز كارلتون في الرياض. وعقب 15 أسبوعا تم إطلاق سراح غالبيتهم بعد دفع مبالغ مالية ضخمة.
وفي مؤشر رصد الفساد لمنظمة الشفافية الدولية كانت السعودية تحتل في 2017 المرتبة 57 من بين 180. وبعد مرور سنتين احتلت المملكة المرتبة 51 وتُصنف في الترتيب مع بلدان أخرى مثل ايطاليا ورواندا وماليزيا.
لكن حصلت بعض الأشياء الملفتة للانتباه والتناقضات في سلسلة الاعتقالات، كما يذكر هوبارد بحيث أنه لم يتم اعتقال جميع أعضاء النخبة السياسية والاقتصادية المشتبه بهم بالفساد.
ويبدو أن التعسف أو حسابات أخرى حددت جزئيا اتخاذ القرار واختيار الأشخاص. والمثير للانتباه أيضا هو أنه لدى بعض الشركات التي اعتُقل أصحابها كان محمد بن سلمان يعتزم المشاركة في حصتها.
وقبلها اشتكى منتقدون في الخارج من أنه لا وجود للشفافية في أموال ولي العهد بنفسه. فمن أين أتت الأموال لاقتناء يخته الذي يساوي نحو 500 مليون دولار؟ ومن أين أتت الأموال لشراء قصر لويس 14 الذي كلف 300 مليون دولار بالقرب من باريس؟ ومن أين أتت 450 مليون دولار صرفها محمد بن سلمان لشراء لوحة ليوناردو دا فينتشي؟ ولم يتمكن محمد بن سلمان إلى حد الآن من تبديد الانطباع بأن الشفافية، في ظل حكمه، تنطبق فقط على رواتب الآخرين.
وظهر شيء آخر للعيان وهو أن الأمير لا يتحمل وجود خصوم في محيطه. فبعدما تم تعيينه وليا للعهد كان على محمد بن سلمان أن يخشى أن يترصد منافسون داخل القصر الملكي أخطاءه لنزع السلطة من يده.
وبالعملية التي حولت فندق كارلتون ريتز إلى سجن في 2017 تمكن من القضاء سياسيا على كثير من خصومه، كما يقول هوبارد. ومنذ تلك اللحظة بدأ ولي العهد يحكم بدون منازع وبشكل مركزي متزايد ليبسط رقابته على الاقتصاد السعودي.
فحرب محمد بن سلمان ضد الفساد تتواصل أيضا مثل الحرب ضد منافسين محتملين: ففي مارس آذار من العام الجاري اعتقلت السلطات بتعليمات من محمد بن سلمان العديد من الأمراء المرموقين بتهمة الخيانة العظمى، بينهم أقارب لولي العهد ولوالده الملك سلمان.
وخلفية هذا النوع من عمليات التطهير السياسي تعود لما يبدو تجاذبات على السلطة لم تنته بعد داخل القصر الملكي: فإذا تولى ولي العهد محمد بن سلمان خلافة والده الملك سلمان في هرم الدولة، سيكون بذلك الملك الأول “للجيل الجديد” في قمة هرم الدولة ـ جيل الأحفاد الذي سيتبع جيل أبناء مؤسس الدولة عبد العزيز بن آل سعود. وهذا الموقع له أهمية قصوى ليس فقط من الناحية السياسية، بل حتى الرمزية.
وينطلق مراقبون من أن السباق من أجل الخلافة وراء الكواليس محسوم منذ مدة لصالح محمد بن سلمان. لكن ولي العهد تسبب في غضون سنوات قليلة في ظهور الكثير من الأعداء ـ ويجب عليه الانتباه لعدم ارتكاب أخطاء قد تلحق الضرر بطموحاته الشخصية.
ولذلك يواصل محمد بن سلمان العمل على تثبيت سلطته ضد منافسين غير مرغوب فيهم. وداخل شرائح من السكان يجلب لنفسه سمعة الحاكم الذي يتحرك بنجاعة أكبر من كل أسلافه، ضد الفساد.
وبينما يحاول الترويج لنفسه بوجه إصلاحي، يبقى الوجه الآخر لمحمد بن سلمان: فالعديد من نشطاء الدفاع عن حقوق الانسان ـ بينهم الكثير من النساء ـ مازالوا يقبعون داخل السجون. وهناك تقارير حول أعمال التعذيب إضافة إلى الاشتباه القوي بأن محمد بن سلمان هو الآمر الخفي باغتيال الصحفي المعارض جمال خاشقجي في 2018 باسطنبول.