يحقق نظام آل سعود مكاسب جمة في موسم الحج ترتبط بمالية الدولة وبالأنشطة الاقتصادية والعسكرية المختلفة، في حين يمثل هذا الموسم عبئاً مالياً ثقيلاً على الأفراد غير السعوديين وعلى ميزانيات بلدانهم.
يمثل الحج مكاسب مالية وتجارية للمملكة حيث ارتفع إجمالي إنفاق السياحة الوافدة إلى المملكة بنسبة 12 % إلى 77.3 مليار ريال خلال الثمانية أشهر الأولى من العام الجاري 2019، مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي. ووفقاً للأرقام الرسمية بلغت إيرادات الحج الماضي 12 مليار دولار.
وحسب خبراء الاقتصاد داخل المملكة شككوا في هذه الارقام ووصفوها بالخداعة واشاروا ان السلطات تغطي كساد ورقود السياحة بإيرادات الحج والعمرة وذكر بعض الخبراء ان ما تحققه المملكة من “نجاحات” يعود إلى دخل الحج والعمرة.
واشار بعض الاقتصادين بضرورة فصل أرقام الحج عن القطاع السياحي حتى نستطيع ان نصدر الاحكام
ويأتي هذا بعد إعلان المملكة إنفاق السياحة الوافدة، خلال أغسطس/آب الماضي، 33.7 مليار ريال بزيادة قدرها 23%، مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي، وذلك تزامناً مع موسم الحج لهذا العام الذي صادف في شهر أغسطس/آب. لتقدير هذا الموقف لابد من الإشارة إلى مساهمة الحج في تنمية الأنشطة الاقتصادية للبلد خاصة مكة المكرمة.
وحسب الغرفة التجارية الصناعية ذكرت ان موسم الحج يمثل 70% من إيرادات المملكة السنوية. وله انعكاسات كبيرة على اقتصاد المملكة في جميع القطاعات. وترى الغرفة بأن موسم الحج أهم بكثير لاقتصاد المملكة.
وقسم الاخصائيون نفقات ما بين السكن والتأشيرة إلى المملكة والهدايا والطعام والمواصلات وجميع هذه النفقات تضخ في اقتصاد المملكة حيث ينفق الحاج 40% من أمواله للسكن و31% للنقل و14% للهدايا و10% للغذاء. إضافة إلى نفقات أخرى بنسبة 5%. وتتولى الشركات تنفيذ هذه الأنشطة. وبين الاقتصاديون ان استمرار الشركات بأنشطتها دليل علي ما تجنيه من ارباح مجدية . كما ينعش الحج عدة مهن خاصة تجارة اللحوم والمصارف والحلاقة.
وتبرر المملكة الرسوم التي تحصل عليها من الحجيج انها تدفع مقابل ما تقرره المملكة من نفقات أمنية وعقارية وغيرها. لكنحسب الاقتصاديون فان نظام تأشيرة الدخول الذي ينطبق على الحاج وكذلك على المعتمر يقضي بدفع مبالغ تتراوح بين 3000 و 8000 ريال. كما يخضع حج المقيمين السعوديين والأجانب لتصريح خاص.
وفي المقابل فإن ايرادات الحج والعمرة مهمة إلى درجة أنها ستصبح قريباً مساوية لإيرادات النفط. والواقع بلغت إيرادات الحج 4.2 مليار دولار (16 مليار ريال) في عام 2017. وإذا أضفنا إليها إيرادات العمرة فسيصبح المجموع 12 مليار دولار، في حين أن إيرادات النفط 168 مليار دولار في السنة.
وعلى افتراض أن رؤية السعودية 2030 ستحقق هدفها الرامي إلى زيادة الطاقة الاستيعابية للحج والعمرة من 8 ملايين إلى 30 مليون شخص فإن إيراداتها سوف لن تتجاوز الخمسين مليار دولار، وبالتالي ستتجاوز ايرادات النفط في الوقت الراهن.
وقد شكل ارتفاع نفقات الحج والعمرة مشاكل اقتصادية لغالبية الدول الاسلامية بسبب التكلفة التي تفرضها السعودية على الحجج ومثلت التكاليف مبالغ لا تقوى عليها الغالبية العظمى من المسلمين.
وتختلف التكلفة وفق عدة عوامل تتعلق بالبلد الذي ينتمي إليه الحاج والنظام المتبع فيه لتحديد النفقات والبرنامج الذي يختاره الحاج للقيام بالفريضة. ويتعلق الأمر بالسكن (قربه من الحرم المكي وتصنيفه وسعة غرفه وخدماته) ونوع الأطعمة ووسائل النقل وغيرها.
وفي دراسة اعدها بعض الخبراء الاقتصاديون علي بعض الدول العربية “نلاحظ أن المعدل العام للتكلفة كما يلي بالدولارات (الحسابات لا تشمل مصاريف الجيب المخصصة للهدايا): السعودية 2950، السودان 3100، العراق 3800، مصر 4250.
ويختلف ثقل هذه التكلفة حسب الدول. ففي المملكة تستحوذ التكلفة على 5% فقط من معدل الدخل الفردي السنوي. وترتفع النسبة إلى 10% في الكويت و21% في العراق و36% في مصر و38% في تونس لتصل إلى 63% في السودان وإلى 114% في موريتانيا.
وعلى هذا الأساس تمثل تكلفة الحج نسبة لا يستهان بها من الدخل الفردي في الدول العربية غير الخليجية. مما أدى إلى ظهور استياء ضد ارتفاع الرسوم في السعودية وتزايد الأسعار فيها خلال موسم الحج.
ففي المغرب يشكل الحج عبئاً على مالية الدولة بلغ 163 مليون دولار في العام المنصرم. أضف إليه الأموال المسموح بإخراجها لكل حاج وقدرها ألف دولار. وهذا يمثل كلفة إضافية قدرها 32 مليون دولار.
وفي مصر تذكر وسائل الإعلام أن البلد يدفع سنويا خمسة مليارات دولار لتغطية نفقات الحج والعمرة التي تمثل 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي. يؤثر هذا المبلغ تأثيراً سلبياً وكبيراً على الاقتصاد المصري الذي يعاني من أزمة مالية منذ عشرات السنين. ولكن يفترض أن تكون هذه التقديرات دقيقة.
أما في تونس فيتوقع أن تصل تكلفة الحج للموسم الحالي إلى 51 مليون دولار. ويرى التونسيون أن هذا المبلغ مرتفع نظراً للظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد. لذلك ظهرت اتجاهات تدعو إلى تأجيل الفريضة لهذا العام. بل ذهب بعض الأئمة إلى تحريم الحج لأن السعودية بتقديرهم تستخدم إيراداته في قتل المسلمين اليمنيين. علماً بأن هذا الموقف لا يعبر عن وجهة نظر رسمية سواء كان دينية أم سياسية.
والخسارة المذكورة تطابق عدد الحجاج والتكلفة. لكن المبالغة ليست في الرقم بل في تقدير تداعياته. فهو لا يمثل سوى 0.1% من الناتج المحلي الإجمالي (الحساب هنا لا يشمل العمرة). استطاع المفاوضون التونسيون إقناع التجار السعوديين (أصحاب الفنادق) بضرورة منح بعض التخفيضات. وبالفعل وافقوا على حذف 200 دولار عن كل حاج تونسي للموسم الحالي. علماً بأن هذا المكسب لا يشكل سوى 2% من التكلفة.
بصورة عامة ومن الناحية المالية تتضرر جميع الدول الإسلامية من مواسم الحج والعمرة. عدا المملكة فهي المستفيد الوحيد من الشعيرتين.
لابد من حل لهذه المشكلة بحيث يمكن مشاركة الدول الإسلامية في تصنيع وتصدير السلع المستهلكة في موسم الحج. عندئذ تخف الأعباء المالية الناجمة عن تكلفة الحج. وبذلك تصبح الشعائر الدينية سبباً لتنمية الدول الإسلامية وليست وسيلة لتدهور أوضاعها المالية.
وقسم الاقتصاديون الدول الاسلامية الي اقسام دول لا تعاني كثيراً من تكلفة الحج ولا تقوى على منافسة السلع الآسيوية. وهي جميع بلدان مجلس التعاون. وبالتالي فهي غير معنية بهذا الأمر، ودول غير قادرة على تلبية حاجات الحج نظراً لضعف صادرات صناعاتها التحويلية وانشغالها بصراعات داخلية عنيفة مثل العراق وسوريا وليبيا واليمن، ودول تعاني من تكلفة الحج وتتوفر على إمكانات في بعض الميادين كالأغذية والهدايا مثل مصر والمغرب.