استقالة ثان مفتش أميركي يحقق بصفقات الأسلحة السعودية
في خطوة مفاجئة، استقال ستيفن أكارد المفتّش العام لوزارة الخارجيّة الأميركيّة المكلّف بالتحقيق في ملفّات يُحتمل أن تكون محرجة بالنسبة إلى وزير الخارجيّة مايك بومبيو، وذلك بعد أشهر قليلة من إقالة سلفه.
وقال متحدّث باسم وزارة الخارجيّة، وفق “فرانس برس”: إنّ أكارد أبلغ زملاءه بأنّه “يعود إلى القطاع الخاصّ بعد سنوات من الخدمة العامّة”. وأضاف: “نحن ممتنّون له على تفانيه حيال الوزارة وبلادنا”.
وأعلن بومبيو في مؤتمر صحافي أنه “لا علاقة له” بمغادرة أكارد لمنصبه”.
وعمل أكارد فترة طويلة مساعداً لنائب الرئيس مايك بنس، وكان وصوله في مايو/أيار إلى منصب المفتّش العام الذي يهدف إلى مراقبة عمل الخارجيّة الأميركيّة، قد فُسِّر على نطاق واسع بأنّه وسيلة لحماية بومبيو، أحد أقرب حلفاء الرئيس دونالد ترامب.
وتأتي استقالة أكارد في وقتٍ يضع مكتب المفتّش العام اللمسات الأخيرة على تقرير عن إطلاق بومبيو إجراءً طارئاً قبل عام، سمح بتجاوز الرئاسة للكونغرس لبيع أسلحة للسعوديّة.
وكان ترامب أقال سلف أكارد، ستيف لينيك، بناءً على طلب صريح من بومبيو، وذلك بينما كان يعمل لينيك على التحقيق في هذه القضية.
وكان لينيك فتح أيضاً تحقيقاً حول شكاوى تتهم بومبيو بتكليفه موظفاً حكومياً تنزيه كلبه أو إحضار ثيابه من المصبغة، وحتى القيام بحجز في المطاعم نيابة عنه.
وستقوم بمهام أكارد موقتاً نائبته ديانا شو، وهي محامية تعمل منذ فترة طويلة في مكتب المفتّش العام.
وأثارت الإقالة المفاجئة للمفتش العام السابق ضجة واسعة، هزّت صورة بومبيو وحرّكت في طريقها الحساسية من جديد ضد السعودية وحربها اليمنية واغتيالها الصحافي جمال خاشقجي.
وخفف ترامب، في مايو/أيار، من أهمية التحقيق بشأن وزير خارجيته، الذي يشتبه في أنه جعل موظفاً حكومياً يقوم بتسيير كلبه، قائلاً: “من الأفضل أن يكون على الهاتف يحاور قادة العالم”.
وأكد الرئيس الأميركي أنه لا يعرف ستيف لينيك. وقال للصحافيين، حسب ما نقلته وكالة “فرانس برس” في وقتها: “لم أسمع عنه أبداً”، كاشفاً فقط عن أن سلفه باراك أوباما قام بتعيينه، وموضحاً أن “الكثير من هؤلاء الناس عيّنهم أوباما وأنا ببساطة أتخلص منهم”.
ويتخذ آل سعود من صفقات الأسلحة المشبوهة والتي تتم بمليارات الدولارات وسيلة رئيسية في التأثير على سياسات الإدارة الأمركية لمنعها من اتخاذ خطوات على الساحة الدولية ضدها.
وغالباً ما تُبرَم صفقات الأسلحة بتكتُّم أو بحدٍ أدنى من العلانية. وتُبيِّن قاعدة بياناتٍ لواردات السلاح السعودية خلال الأعوام العشرة الماضية أنَّ أكبر دولة مُورِّدة للأسلحة لها هي الولايات المتحدة، تليها المملكة المتحدة، وفرنسا، وإسبانيا، ثُمَّ ألمانياً.
لكنَّ الكثير من المُصدِّرين المُستمرين ببيع الأسلحة للسعوديين قلَّصوا بصورة كبيرة من إمداداتهم للمملكة في السنوات الأخيرة بسبب جرائمها في حرب اليمن.
فوفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام صدَّرت المملكة المتحدة على سبيل المثال للسعودية أسلحةً تُقدَّر قيمتها بـ843 مليون دولار عام 2016، لكنَّها قلَّصت حجم صادراتها تلك إلى النصف تقريباً وبلغت قيمتها 436 مليون دولار عام 2017. (تستخدم قاعدة بيانات المعهد قيماً تُحسَب بأسعار عام 1990 للتخلُّص من تأثيرات تقلُّبات أسعار العملة والتضخُّم).
وقد بلغت قيمة الصادرات الفرنسية من الأسلحة الرئيسية إلى السعودية ما قيمته 174 مليون دولار في عام 2015، لكنَّها تراجعت حتى بلغت 91 مليون دولار فقط عام 2016، ثم 27 مليون دولار 2017.
وعموماً، لا دولة تكاد حتى تقترب من مستوى واردات الولايات المتحدة من الأسلحة الكبرى إلى السعودية.
على سبيل المثال، مثَّلت الولايات المتحدة على مدار الأعوام الخمسة الماضية 61% من حجم صفقات الأسلحة الكبرى مع السعوديين، وحلَّت المملكة المتحدة في المركز الثاني بفارقٍ كبير بحصةٍ بلغت 23%، فيما حلَّت فرنسا في المركز الثالث بنسبة 4% لا أكثر.
وفي بيانٍ أصدره الرئيس ترامب يوم 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، قال إنَّه سيكون مِن الحماقة إلغاء عقود تصدير الأسلحة الكبرى المُبرَمة مع السعوديين، وإنَّ “روسيا والصين ستكونان أكبر المستفيدين” إذا ما أوقفت الولايات المتحدة مبيعاتها.
وتُبيِّن بيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام أنَّ الصين تورِّد قدراً لا يُذكَر من الأسلحة الكبرى إلى السعودية، لكنَّه في ازدياد. في حين أنَّ حجم صادرات الأسلحة الروسية إلى السعودية ضئيلٌ لدرجة أنَّه لم يُدرَج في قاعدة بيانات المعهد.
في المقابل، كشف موقع متخصص بتكنولوجيا الدفاع، النقاب عن حجم الوظائف الأميركية التي توفرها صفقات الأسلحة السعودية التي تشتريها الأخيرة من وزارة الدفاع والشركات الأميركية.
وفند موقع “defensenews” المتخصص بتكنولوجيا الدفاع، في تقرير، تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي يقول فيها إن بيع الأسلحة للسعودية يوفر فرص عمل للأمريكيين.
وقال الموقع: إن ما يزيد على “مليون” وظيفة أمريكية تم استحداثها من خلال مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى المملكة العربية السعودية. هذا الادعاء يخضع لتدقيق جديد هذا الأسبوع.
وذكر أنه “من المحتمل أن يتراوح العدد الفعلي للوظائف من 20 ألفا إلى 40 ألف وظيفة، وفقاً لمركز السياسة الدولية.
ويأتي التقرير الجديد المكون من 38 صفحة، وسط تركيز على مبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية، وطرد ترامب المفتش العام لوزارة الخارجية الذي كان يحقق في تلك المبيعات.
وقال ويليام هارتونج، أحد المشاركين في إعداد التقارير: “تواصل إدارة ترامب الترويج بقوة لمبيعات الأسلحة بناء على منافعها الاقتصادية، وعلى حساب حقوق الإنسان والمخاوف الأمنية”.
وتابع: “أوضح مثال على ذلك هو تصميم الإدارة العنيد على مواصلة إرسال الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية على الرغم من حربها الوحشية على اليمن، وقتلها لآلاف المدنيين في غارات جوية وبقنابل زودتها بها الولايات المتحدة”.
وذكر الموقع أنه بينما كانت البلاد تناقش وقف مبيعات الأسلحة السعودية في 2018 بعد وفاة الصحفي جمال خاشقجي، فقد حطمت صحيفة “واشنطن بوست” مزاعم ترامب المتصاعدة في الوظائف التي استحدثها.
وفي أيار/ مايو 2019، أعلن ترامب حالة طوارئ بموجب قانون مراقبة تصدير الأسلحة حتى يتجاوز الكونغرس ويسرع عملية بيع الأسلحة التي بلغت قيمتها 8.1 مليار دولار للمملكة العربية السعودية والأردن والإمارات العربية المتحدة.
في ذلك الوقت، قال بومبيو إن المبيعات كانت ضرورية “لصد التأثير الخبيث للحكومة الإيرانية في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط”.
وإحدى النتائج المفاجئة هي أنه على الرغم من الضغط الشخصي الذي قام به ترامب على مبيعات الأسلحة، فإن الأرقام في عهده لا تتجاوز إدارة الرئيس السابق باراك أوباما كثيرًا.
وعند تعديلها ومع أخذ التضخم بعين الاعتبار، فقد بلغ متوسط العروض في السنوات الثلاث الأولى لإدارة ترامب 63 مليار دولار سنويًا، مقابل 61.5 مليار دولار سنويًا في ظل إدارة أوباما.
وانتقد التقرير تغيير الإدارة في سياسة المبيعات الأمريكية للأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة الضارة للإنسانية، وقد جاء معه سلسلة من التوصيات التي تهدف إلى تعزيز يد الكونغرس في الإشراف على مبيعات الأسلحة على نطاق أوسع.
وأوصى التقرير بوقف جميع الأسلحة الأميركية من الذهاب إلى دول متورطة في إبادات جماعية أو انتهاك قوانين الحرب أو قمع داخلي شديد، كما دعا قانون وقف تسليح منتهكي حقوق الإنسان للنائب إلهان عمر.
وأوصى التقرير أيضا أن تتطلب جميع مبيعات الأسلحة الرئيسية موافقة الكونغرس، بدلاً من افتراض أن المبيعات ستستمر ما لم يصوت الكونغرس عليها بأغلبية ضد الفيتو.