قال معهد دراسات إسرائيلي إن عملية التطبيع بين إسرائيل والسعودية تجرى على قدم وساق، لكن الإعلان عنها سيتأخر وسيكون مرتبطا بوفاة الملك سلمان بن عبد العزيز.
وأشار معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي إلى حرص إسرائيل علي إبرام اتفاقية تطبيع مع السعودية، نظرا لأهميتها الاقتصادية والدينية والسياسية. ومع ذلك، فإن الرياض لديها قيود داخلية وخارجية مختلفة، فضلاً عن مجموعة من الحساسيات الخاصة.
وأضاف معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أنه من المرجح أن يكون ثمن التطبيع مع المملكة أعلى منه مع دول الخليج الأخرى، وبالتالي ليس من الواضح متى وتحت أي شروط ستكون السعودية على استعداد لتوقيع اتفاقية على غرار اتفاقيات الإمارات والبحرين والسودان.
يُظهر دعم السعودية لاتفاقات “إبراهام” مدى انحرافها عن موقفها السابق.
ويظهر هذا التغير في الإذن الممنوح للطائرات الإسرائيلية بالتحليق في الأجواء السعودية من وإلى الإمارات والبحرين، والتغطية الإعلامية الإيجابية تجاه إسرائيل، وتصريحات كبار المسؤولين الحاليين والسابقين في المملكة.
وقال وزير الخارجية السعودي الأمير “فيصل بن فرحان” مؤخرا إن تطبيع العلاقات بين البلدين أمر لا مفر منه.
ولم تعد السعودية تكتم انتقاداتها للقيادة الفلسطينية. وهي، مثل إسرائيل، تلوم الفلسطينيين على عدم إحراز تقدم في عملية السلام.
لكن “بن فرحان” شدد على أن المملكة لا تزال تشترط لعلاقات طبيعية مع إسرائيل حل القضية الفلسطينية على أساس مبادرة السلام العربية.
تطورت العلاقات بين إسرائيل والسعودية عبر عدد من القنوات الموازية على مر السنين: القناة الأمنية الاستخباراتية التي لا تزال تشكل أساسًا ثابتًا للعلاقات التي ظلت سرية بالضرورة، والقناة الاقتصادية التجارية، وفي السنوات الأخيرة، فتحت قناة تركز على الحوار بين الأديان بحسب معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي.
ومع السرية التي تميزت بها معظم هذه القنوات، تطورت العلاقات العلنية أيضًا بمرور الوقت، وتشمل الآن اجتماعات بين شخصيات بارزة من كلا الجانبين، وخاصة أولئك الذين شغلوا مناصب رسمية سابقًا.
وبالرغم من نفي كبار المسؤولين السعوديين، فمن المحتمل أن تكون المفاوضات والاتفاقيات مع الإمارات والبحرين والسودان قد جرت بعلم ودعم القيادة السعودية.
بشكل عام، تخدم الاتفاقات الموقعة مع هذه الدول مصالح المملكة، وتزودها بمقياس يمكنها استخدامه لتقييم الفوائد والمخاطر المحتملة لاتفاق محتمل مع (إسرائيل)، بما في ذلك ردود الفعل العامة.
يبدو أن القيادة السعودية منقسمة حول قضية التطبيع.
بينما يصدر القادة السعوديون السابقون والحاليون تصريحات براجماتية بشأن إسرائيل، يبدو أن الملك “سلمان” يلتزم بوجهة نظر أكثر تقليدية بشأن إسرائيل والقضية الفلسطينية.
في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول 2020، ربط “سلمان” مرة أخرى التطبيع بتلبية إسرائيل لمجموعة من الشروط بناءً على معايير المبادرة العربية للسلام.
وقد تعكس الرسائل المتناقضة التي ترسلها القيادة السعودية بشأن هذه القضية اهتمام المملكة بالحفاظ على مساحة كافية للمناورة لتمكينها إما من التراجع عن التطبيع أو التقدم نحوه، حسب الظروف.
وستزداد احتمالية التطبيع مع إسرائيل بعد وفاة الملك “سلمان”، وبالتأكيد إذا تم تعيين ابنه ولي العهد “محمد” ملكًا.
ومن المفترض أن تتأثر مسألة التطبيع مع إسرائيل بفهم “بن سلمان” إلى أي مدى يمكن أن يتدخل مثل هذا الإجراء في تعيينه.
ولعل السؤال هو عن مدى انفتاح المجتمع السعودي المحافظ على اتفاق مع إسرائيل.
في السنوات الأخيرة، أظهر المجتمع السعودي قبولا لتغييرات اجتماعية واقتصادية كبيرة، لكن هذا لا يعني أن اتفاقية سلام مع إسرائيل ستلقى مثل هذا الدعم.
في الوقت نفسه، فإن التغييرات الهيكلية الأخيرة في المملكة، بما في ذلك مجلس الشورى السعودي ومجلس كبار العلماء ستساهم في تمهيد الطريق للتطبيع.
ومن المرجح أن تساعد مثل هذه التغييرات العائلة المالكة على التصرف بمزيد من المرونة حيال هذه الإجراءات بعيدة المدى.
ولم يُخفِ القصر الملكي السعودي رغبته في تغيير الخطاب الداخلي للبلاد، بما في ذلك الخطاب الديني.
يلعب الدين دورًا رئيسيًا في خطاب المملكة حيث تستخدمه السلطة كوسيلة للتأثير على المشاعر وكسب الدعم الشعبي.
ومن المتوقع أن يواصل “بن سلمان” استخدام المؤسسة الدينية ضد المعارضة لتمهيد الطريق لإجراءات سياسية مثيرة للجدل، بما في ذلك التطبيع مع إسرائيل.
وهناك مؤشرات على تبني موقف أكثر تسامحًا تجاه اليهود واليهودية، من أجل اختبار رد الفعل الشعبي، ولكن أيضًا لتهيئة الرأي العام.
وجاءت ردود الفعل السلبية على هذا المسعى بالدرجة الأولى من السعوديين في المنفى، ومعظمهم يعارض النظام، وليس من السكان المحليين، الذين يخشون التعبير علانية عن آراء تتعارض مع موقف الحكومة.
ويعتبر التحدي الآخر أمام المملكة هو الحفاظ على مكانتها في العالم الإسلامي.
وهذا الهدف، الذي هو مصلحة عليا للرياض، قد يتضرر من انتقادات جهات مثل تركيا وإيران تسعى لتبني القضية الفلسطينية واستخدامها لمهاجمة المملكة.
ونظرًا لوضع المملكة في العالم الإسلامي، تعتبر اتفاقية التطبيع ذات قيمة خاصة لإسرائيل، التي تأمل أن تسهل مثل هذه الاتفاقية علاقات أفضل مع العالم الإسلامي بأسره.
ثمار التطبيع
في السنوات الأخيرة، أصبحت النخبة السعودية غير متأكدة من موثوقية الدعم الأمريكي عندما تكون مصالحها الأساسية على المحك.
وتعتبر الرياض الاتفاق مع تل أبيب وسيلة لتعزيز علاقاتها مع واشنطن.
ومن المحتمل أن السعودية ستنتظر إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية، بحيث يكون لديها ما تقدمه لـ”جو بايدن”، إذا تم انتخابه.
وتعتقد السعودية أنه من المرجح أن يؤدي الاتفاق مع إسرائيل إلى تحسين صورتها ومكانتها الدولية، بما في ذلك في الكونجرس الأمريكي، حيث تضررت في السنوات الأخيرة بسبب تصرفات “بن سلمان”.
وهذا يتطابق مع الجهود السعودية لتسويق “الإسلام المعتدل” كجزء من عملية التحديث المستمرة.
وبالرغم من مزايا العلاقات السرية بين السعودية وإسرائيل، فإن تطبيع العلاقات سيساعد على الوصول بسهولة إلى التكنولوجيا الإسرائيلية كما يعزز نفوذ السعودية في الأماكن الدينية في القدس.
ومن المرجح أن يكون القلق السعودي المتزايد بشأن إيران عاملاً يحفز المملكة على التحرك نحو التقارب مع إسرائيل، ليس بالضرورة من خلال توقيع اتفاق رسمي، ولكن في المقابل يمكن أن يكون ذلك العامل رادعًا ضد توثيق العلاقات.
بالنسبة للسعودية، تتوقف مسألة العلاقات مع إسرائيل على استقرار المملكة ومكانتها.
من المحتمل أنه يُنظر في الوقت الحالي، إلى اتفاقية تطبيع كاملة مع إسرائيل على أنها خطوة بعيدة جدًا.
لكن هذا لا يعني أن الاستعدادات لمثل هذا الاتفاق ليست جارية، لا سيما في تشكيل الرأي العام الذي لا يزال يعارض في الغالب التطبيع مع إسرائيل، ما يعني أن القيادة السعودية قد تحتاج المزيد من الوقت حتى تشعر بالثقة بشأن اتخاذ تدابير تجاه التقارب مع إسرائيل.
ومن المحتمل أن تكون مطالب الرياض أعلى من مطالب أبوظبي.
فإذا كان الاتفاق الإسرائيلي – الإماراتي أوقف الخطة الإسرائيلية لضم الأراضي في الضفة الغربية، فإن الشروط السعودية يمكن أن تتضمن مطالب أكبر من إسرائيل بشأن القضية الفلسطينية.
علاوة على ذلك، تطالب الإمارات بالوصول إلى أسلحة أمريكية متقدمة، بما في ذلك مقاتلات “إف 35″، ومن المحتمل أن تكون مطالب السعودية في هذا المجال أعلى من مطالب الإمارات وربما تمتد إلى المجال النووي.
ويعد موقف دول الخليج من إسرائيل ديناميكيا، لذلك من الممكن أن يكون التزام الرياض بشروط مبادرة السلام العربية كأساس للمفاوضات مفيدًا ليس فقط للحفاظ على استقرار المملكة ومكانتها، ولكن أيضًا كورقة مساومة في المفاوضات مع الولايات المتحدة حول شروط التطبيع.
وخلاصة القول هي أن السعودية تتخذ خطوات حذرة وتدريجية تجاه تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
وفي الموازنة بين التهديدات والمكاسب، من الصعب تحديد متى وتحت أي شروط ستكون المملكة على استعداد للانضمام إلى اتفاقيات “إبراهام”.
في الطريق إلى الاتفاق، ستسعى السعودية لاختبار معيارين رئيسيين: نجاح وتوسيع اتفاقيات “إبراهام”، وتحسين العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين.
وختم المعهد الإسرائيلي: إن استعداد إسرائيل لاتخاذ خطوات للمضي قدمًا في عملية السلام سيشجع السعودية في نهاية المطاف على التطبيع. ويمكن أن تشمل العوامل الإيجابية الإضافية اتفاقًا أمريكيًا لبيع أسلحة متطورة إلى السعودية، وتغييرات داخلية في المملكة فيما يتعلق بوضع إسرائيل في الرأي العام ومن سيرث العرش السعودي.