أبرزت شبكة IFEX الدولية لحقوق الإنسان، نهج السلطات السعودية في نشر معلومات مضللة حول انتهاكات حقوق الإنسان.
وقالت الشبكة إن الحكومة السعودية انتهكت منصة دولية موثوقة وذات مصداقية عالمية مثل ويكيبيديا، وحكمت بالسجن على محررين مستقلين عملوا في ويكيبيديا، بعد تجسسها على الموقع.
وذكرت الشبكة أن تجسس النظام السعودي على ويكيبيديا يعد مثالا آخر على جهود الحكومة السعودية المستمرة للسيطرة على المحتوى عبر الإنترنت، لنشر معلومات مضللة حول انتهاكاتها لحقوق الإنسان.
وقد اخترقت حكومة السعودية منصة “ويكيبيديا” (Wikipedia) عبر تجنيد كبار المشرفين في البلاد، للعمل كوكلاء للحكومة، وضبط المعلومات المتعلقة بالسعودية، وملاحقة الأشخاص الذين قدموا معلومات حساسة حول المعتقلين السياسيين، وفقًا لمنظمتَيْ “سمكس” (SMEX) و”الديمقراطية الآن للعالم العربي” (DAWN).
وكانت “ويكيميديا” فصلت في في شهر كانون الأول/ديسمبر كامل فريق مشرفيها في المملكة إثر تحقيق داخلي في العام 2022. وقد وثقت “سمكس” و”داون” اختراق الحكومة السعودية لموقع “ويكيبيديا” من خلال مقابلات مع مصادر مقربة من الشركة ومن المشرفين المسجونين.
أشارت المديرة التنفيذية لمنظمة “داون” سارة ليه ويتسون إلى أن “اختراق الحكومة السعودية لموقع “ويكيبيديا” من خلال وكلاء حكوميين يعملون كمحررين مستقلين، وسجن المحررين الذين لا يمتثلون إلى تعليماتها، يثبت لجوء الحكومة الدائم لنشر جواسيس في المنظمات الدولية من جهة، والمخاطر التي تعترض السعي إلى إنتاج محتوى مستقل في المملكة من جهة أخرى.
والمنظمات الدولية والشركات التي تفترض أن بإمكان فروعها في السعودية العمل في مأمن أو بشكل مستقل عن الرقابة الحكومية تتصرف باستهتار”.
تعتمد “ويكيبيديا” على فئات متنوعة من المشرفين والمحررين المتطوعين، الذين يشار إليهم بتسمية “مستخدمي ويكيبيديا” والحائزين على تصاريح من الشركة الأم “ويكيميديا”.
ومع أن هؤلاء المستخدمين ليسوا موظفين لدى “ويكيميديا” ولا يتلقون أجرًا مقابل عملهم، وضعت “ويكيميديا” ما يعرف بقواعد مجتمع “ويكيبيديا” لمنحهم امتيازات بصفتهم محررين موثوقين ومستقلين يتولون إدارة المحتوى على الموقع والإشراف عليه.
ويمتلك المشرفون إذناً خاصاً لاستخدام الأدوات المتاحة لهم لتحرير صفحات المحتوى وحذفها وحمايتها (أي منع الآخرين من تعديلها)، وكذلك لحجب المستخدمين والمحررين ونزع الحجب عنهم.
في هذا السياق، قال المدير التنفيذي لمنظمة “سمكس”، محمد نجم، إن “اختراق “ويكيبيديا” يشكل مثالاً جديداً على جهود الحكومة السعودية المستمرة لضبط عملية إنتاج المعلومات والمعرفة على الإنترنت في منطقتنا.
وأضاف أنه من المثير للقلق أن مساعي الحكومة السعودية لنشر المعلومات المضللة حول انتهاكاتها وجدت طريقها إلى منصة موثوقة وذات مصداقية مثل ويكيبيديا”.
وفقًا لمصادر مطلعة على المسألة تحدثوا إلى “داون” و”سمكس”، اعتقلت الحكومة السعودية في أيلول/سبتمبر 2020 اثنين من كبار المشرفين لدى “ويكيبيديا” في المملكة العربية السعودية، هما أسامة خالد وزياد السفياني، في اليوم نفسه، ووجهت إليهما تهمتَيْ “التأثير على الرأي العام” و”الإخلال بالآداب العامة”.
وقد حكمت المحكمة الجزائية المتخصصة، وهي الهيئة القضائية التي تنظر في قضايا الإرهاب في المملكة وتستخدَم كأداة لملاحقة المعتقلين السياسيين، عليهما بالسجن لمدة خمس سنوات وثماني سنوات على التوالي في سجن الحائر في الرياض في صيف العام 2020.
وأفادت مصادر مطلعة على القضية لمنظمة “داون” بأن الحكومة لاحقت المشرفَيْن لتقديمهما معلومات تصنف على أنها حساسة حول اضطهاد الناشطين/ات السياسيين/ات في المملكة.
وفي شهر أيلول/سبتمبر 2022، شددت المحكمة الجزائية المتخصصة العقوبة الصادرة بحق أسامة خالد عبر الحكم عليه بالسجن لمدة 32 عامًا للتهم نفسها، في سياق حملة أوسع نطاقًا لفرض عقوبات قاسية إضافية على المعتقلين السياسيين.
وفي تعليق حول المسألة، قال مدير قسم المناصرة في منظمة “داون”، رائد جرار، إن “ملاحقة الحكومة السعودية لمواطنيها لمجرد نشرهم محتوى حول انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها الحكومة أمرٌ مؤسف، لكنه غير مستغرَب إطلاقًا.
ولكنْ، ينبغي أن تتحمل “ويكيميديا” مسؤولياتها أيضاً، إذ إن بعضاً من المحررين الحائزين على تصاريح منها يقبعون في السجن نتيجة العمل الذي قاموا به على صفحات ويكيبيديا”.
توحي الخطوات التي اتخذتها ويكيميديا بأنها على علم بالخرق الذي حصل. ففي 6 كانون الأول/ديسمبر 2022، أعلنت “ويكيميديا” أنها حظرت 16 مستخدماً بسبب “أنشطة تحرير تنطوي على تضارب في المصالح”، وذلك إثر تحقيق داخلي بدأته في كانون الثاني/يناير 2022.
وأشارت مصادر مطلعة على عمليات “ويكيميديا” إلى “داون” و”سمكس” إلى أن الحظر شمل 16 مستخدماً من كبار أعضاء فريق التحرير في المنطقة من بينهم سعوديون، بعد اكتشافها أن البعض يعملون كوكلاء للحكومة السعودية للترويج لمحتوى إيجابي عن الحكومة وحذف المحتوى الذي يتضمن انتقادات ضدها، بما في ذلك معلومات حول المعتقلين السياسيين في المملكة.
وترد أسماء المشرفين الـ16 على قائمة “ويكيميديا” للحظر الشامل، وذلك بعدما تعرضوا للحظر في 6 كانون الأول/ديسمبر 2022.
وأشارت “ويكيميديا” إلى التحقيق المذكور ولكن من دون تقديم الكثير من التفاصيل، ومن دون الإفصاح عن موقع المستخدمين المحظورين أو هويتهم أو أي معلومات عن “أنشطة التحرير التي تنطوي على تضارب في المصالح” التي اكتشفتها:
“في 6 كانون الأول/ديسمبر 2022، فرضت المنظمة حظراً شاملاً على 16 مستخدماً يقومون بأنشطة تحرير تنطوي على تضارب في المصالح ضمن مشاريع ويكيبيديا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”.
وأضافت أنه “في كانون الثاني/يناير 2022، فتحت المنظمة تحقيقاً في أنشطة التحرير التي يزعَم أنها تنطوي على تضارب في المصالح ضمن مشاريع ويكيبيديا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ونتيجة للتحقيق، تأكدنا من أن عدداً من المستخدمين الذين تربطهم علاقات وثيقة بجهات خارجية يقومون بأنشطة تحرير على المنصة بطريقة منسقة بما يخدم مصالح تلك الجهات”.
ينبغي لـ”ويكيميديا” نشر نتائج تحقيقها علناً والإفصاح عن كل الصفحات التي تولى الفريق في المملكة العربية السعودية تحريرها، وإخضاعها لعملية مراجعة وتحليل مستقلة.
كذلك، ينبغي على المنظمة إجراء مراجعة داخلية لكافة الصفحات التي تولى تحريرها مشرفون مقيمون في دول تحكمها أنظمة استبدادية وإرفاقها بتنبيهات تشير إلى أن المحتوى قد يكون معرضاً لاختراق حكومي.
فضلاً عن إعادة النظر في اعتمادها على مشرفين في دول تفرض قيوداً مشددة على حرية التعبير والكتابة المستقلة، وتقييم مدى تعرض هؤلاء المشرفين لخطر الملاحقة القانونية.
أما الحكومة السعودية، فينبغي لها الإفصاح عن جهودها الرامية إلى التأثير على المحتوى المنشور على “ويكيبيديا” وضبطه، وعن الضغوط التي مارستها على المشرفين المقيمين في المملكة أو المكافآت التي قدمتها إليهم لإنتاج محتوى مطابق لتعليمات الحكومة.
كما ينبغي عليها إطلاق سراح الأشخاص الذين تعرضوا للملاحقة أو السجن بسبب دورهم في نشر المحتوى على “ويكيبيديا”.