نظام آل سعود يتعسف بمعتقلي رأي مسنون
يحكم نظام آل سعود بالحديد والنار ويعتمد على اعتقال المعارضين من النشطاء والصحفيين وحتى الأكاديميين والدعاة وكل من يطالب بالإصلاح دون اعتبار لحالته الصحية وعمره ومكانته.
سجون آل سعود تحولت إلى مقابر لمعتقلي الرأي في ظل واقع يتعرض فيه المسنون المعتقلون لأنواع مختلفة من الإساءة والتعذيب وعدم توفر الرعاية الصحية اللازمة، ويخضعون لظروف اعتقال سيئة وقاسية، هذا هو الحال في معتقلات السعودية بعد تولي محمد بن سلمان ولاية العهد.
زج نظام آل سعود بمئات من معتقلي الرأي في السجون والمعتقلات المخفية، تحرمهم من حقوقهم، ويقيم لهم المحاكمات غير العادلة، وتستخدم الإعلام الرسمي في الإساءة إليهم وتشويه سمعتهم.
ومن بين أولئك المعتقلين دعاة وعلماء ورجال دين، بعضهم قد تقدم به العمر، فيما تتجاهل سلطات آل سعود معاناتهم، وترفض الإفراج عنهم، وسط مطالبات دولية لإنهاء تلك الاعتقالات.
خصص العالم يوماً في يونيو من كل عام تحت اسم “اليوم العالمي للتوعية بشأن إساءة معاملة المسنين”، بموجب قرار أعلنته الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة في ديسمبر 2011، يهدف إلى رفع الصوت المعارض عالميّاً “ضد إساءة معاملة الأجيال الأكبر سناً وتعريضهم للمعاناة”، في ظل ارتفاع عدد سكان الأرض ممن تتجاوز أعمارهم الستين عاماً.
لكن ممارسات آل سعود لا تتناقض فقط مع المبادئ المتضمنة في هذا اليوم العالمي، بل تتعداها لتنتهك اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية، وقوانين أخرى كانت قد انضمت لها ضمن اتفاقيات متعددة.
ويقبع حالياً في سجون آل سعود عشرات من المسنين والمسنات المعتقلين تعسفياً، على خلفيات متنوعة، بعضها انتقاماً من نشاطهم الإصلاحي، أو من نشاط ذويهم المعارضين في الخارج، أو ضمن استهداف ممنهج على خلفيات سياسية.
وانتشر في اليومين الماضيين وسم “#مسنون_في_السجون” قاده حساب “معتقلي الرأي” المختص بمتابعة قضايا معتقلي المملكة، على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، للكشف عن أسماء تلك الشخصيات، وما يتعرضون له من تعذيب وحرمان من حقوقهم، ومن أبرز هؤلاء:
سفر الحوالي: ولد عام 1955 في حوالة جنوبي السعودية، وحصل على الماجستير والدكتوراه من جامعة أم القرى في مكة، وأقيل من منصبه كرئيس لقسم العقيدة والمذاهب المعاصرة في جامعة أم القرى على خلفية انتقاداته للعلاقات الأمريكية الخليجية.
برز قبل نحو 25 عاماً كزعيم لحركة “الصحوة”، التي اتهمت الأسرة الحاكمة بالفساد وانتقدتها بسبب التحرر الاجتماعي والعمل مع الغرب، وزجت به السلطات في السجن خلال تسعينيات القرن الماضي لكنها أطلقت سراحه بعدما خفف من انتقاداته.
تعرض خلال مسيرته لانتقادات من أنصار التيار التقليدي ومن السلفيين الجهاديين، وفي عام 2005 أصيب بأزمة صحية حادة أثرت على قدرته على الكلام لاحقاً.
اعتقلته سلطات آل سعود في منتصف يوليو عام 2018، ولا يزال معتقلاً حتى اليوم، وقال نشطاء إن سبب القبض عليه كتابه الذي يحمل اسم “المسلمون والحضارة الغربية”، انتقد فيه “آل سعود” ودولة الإمارات.
يعاني حالياً من عدة أمراض مزمنة في الكلى، كما يعاني من كسر في الحوض يقعده عن الحركة.
سلمان العودة: ولد في 14 ديسمبر 1956، وهو داعية إسلامي، ورجل دين، وأستاذ جامعي، ومفكر سعودي، ومقدم برامج تلفزيونية.
بدأ العودة حياته العملية مدرساً في المعهد العلمي ببريدة، وعمل معيداً ثم أستاذاً بجامعة الإمام محمد بن سعود بالقصيم، التي أقيل منها عام 1994.
كان إلى جانب مجموعة من المشايخ الأكاديميين، كسفر الحوالي، وغيرهم من النشطاء السعوديين الذين أطلقوا على أنفسهم تسميَة “تيار الصحوة” ليُميِّزوا أنفسهم عن غيرهم من أتباع المدرسة السلفيّة التقليديّة.
ومع استقدام نظام آل سعود للقُوّات الأمريكيّة وحلفائها من أجل الاستعانة بهم إبّان الغزو العراقي للكويت عام 1990 انقطعت شعرة معاوية بين تيار الصحوة والنظام، واعتقل عام 1994، لتفرج عنه بعد ذلك في أبريل 1999.
مرة أخرى اعتقلته السلطات في سبتمبر من عام 2017، ضمن حملة اعتقالات شملت عدداً من المشايخ والدعاة، ووُجهت إليه 37 تهمة “مجحفة” خلال جلسة عقدتها المحكمة الجزائية المتخصّصة في العاصمة الرياض، وتطالب منذ أشهر بإعدامه، فيما أجلت محاكمته عدة أشهر أخرى.
عوض القرني: ولد عام 1957 في منطقة عسير، ونشأ بها نشأة دينية، كما حصل على الماجستير والدكتوراه في الشريعة الإسلامية.
درَّس القرني أثناء عمله العديد من العلوم الشرعية التي منها أصول الفقه، وأسباب اختلاف الفقهاء، وتاريخ التشريع، ومقاصد الشريعة في الفقه الإسلامي.
يعد أحد أبرز الدعاة الإسلاميين السعوديين، وله العديد من المحاضرات والمقابلات الصحفية والتلفزيونية والمقالات، كما وقع وشارك في إعداد العديد من البيانات التي تدعم القضايا الإسلامية، أبرزها بيان الستة والعشرين عالماً عقب احتلال العراق وبيان المناصرة للشعب الفلسطيني.
اعتقل الداعية القرني ضمن حملة شنتها السلطات السعودية ضد دعاة وأكاديميين وكتاب سعوديين في سبتمبر 2017، والتي شملت أيضاً العودة. وفي أبريل من العام الجاري أعلن ناشطون سعوديون تدهور صحة الداعية القرني، وطالبوا بنقله إلى المستشفى.
موسى القرني: داعية ولد في عام 1955 بمنطقة جازان مدينة بيش، متزوج وله 6 من الأبناء و 6 من البنات.
عمل في الجامعة الإسلامية وكيلاً ثم عميداً لشؤون الطلاب، ثم أستاذاً لأصول الفقه في كلية الشريعة وكلية الحديث وقسم الدراسات العليا في الجامعة، ثم رئيساً لقسم أصول الفقه في الجامعة.
أحيل إلى التقاعد بقرارٍ ملكي، وقبل إحالته إلى التقاعد كان مشاركاً في الأنشطة الدعوية المنبثقة من الرئاسة العامة للدعوة والإرشاد من دروسٍ وندوات ومحاضرات وتوعية الحجاج.
واعتقل القرني ومجموعة من رموز تيار الدستور الإسلامي والمجتمع المدني عام 2007 في مدينة جدة.
حكمت محكمة لنظام آل سعود في 2011 عليه بالسجن 20 سنة، والمنع من السفر 20 سنة أخرى بعد إطلاق سراحه، ملفقة له تهمة الخروج على ولي الأمر، ونزع يد الطاعة من خلال الاشتراك بتأسيس “تنظيم سري يهدف إلى إشاعة الفوضى والوصول إلى السلطة”.
قالت منظمات حقوقية إنه يمكن أن يتوفى في أية لحظة، بسبب الحال التي أوصلته إليها انتهاكات السلطات السعودية منذ اعتقاله، والتي كان آخرها إدخاله مستشفى الأمراض العقلية.
عبد الله الحامد: يبلغ (69 عاماً) هو ناشط حقوقي، حاصل على دكتوراه من كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر. وأحد مؤسسي لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية وجمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية “حسم”، وأحد الإصلاحيين الثلاثة الذين اعتقلوا في مارس 2004، قبل الإفراج عنه بعد ذلك.
وسبق أن اعتقل الحامد عدة مرات طيلة العقود الماضية، كان آخرها في عام 2013، وحُكم عليه في 9 مارس 2013 بالسجن إحدى عشرة سنة في محاكمة “حسم”، التي كانت تطالب منذ تسعينيات القرن الماضي بملكية دستورية.
ومن أبرز ما قاله في كتاب “حقوق الإنسان” عبارة: “لا صاحب سمو ولا صاحب دنو في الإسلام”.
محمد بن دليم القحطاني: يبلغ (65 عاماً)، واعتقل على خلفية نشاطه الحقوقي. ويعد عضواً في اتحاد قوى المعارضة في جزيرة العرب، وتعرض في يناير الماضي لانتكاسة صحية عقب منع إدارة سجن “الحائر” الدواء عنه، ومصادرة كتبه ومتعلقاته.
سبق أن اعتقل في عام 2005، بعد اقتحام قوات الأمن لمنزله في منطقة عسير جنوب السعودية وأفرج عنه بعد ذلك، وفي 2017 اعتقلته مرة أخرى.
حكمت محكمة الإرهاب السعودية، في سبتمبر 2018، بسجنه 5 سنوات مع وقف التنفيذ بعد انقضاء نصف المدة، ومنعه من الظهور في وسائل الإعلام والتواصل معها 10 سنوات، وإغلاق جميع حساباته، ومنعه من السفر خارج البلاد 10 سنوات.
سعود القحطاني: مُلقب بـ”عميد المعتقلين السياسيين”، يعد أحد هؤلاء الدعاة كبار السن، حيث يمضي عامه الثامن والعشرين في سجن “الطرفية” بمحافظة بريدة، بعد اعتقاله سنة 1991 في المدينة المنورة على خلفية اتهامه بتوزيع منشورات ضد الحكومة السعودية.
قضّى “القحطاني” السنوات العشر الأولى من اعتقاله دون توجيه أي تهمة له، ولم يسمح له بتوكيل محامٍ، كما تعرّض لتعذيب خلال احتجازه وتنقّله بين سجون المدينة، وأبها، والحاير، وذهبان، قبل أن يستقر بسجن الطرفية الذي تديره المباحث العامة السعودية.
بعد عشر سنوات من الاعتقال دون محاكمة، حكم على القحطاني بالسجن 18 عاماً، لتنتهي محكوميته في 2009، لكن إدارة السجن كان لها رأي آخر، عندما أعلمت أشقاءه بقرار تمديد توقيفه 7 سنوات إضافية.
في عام 2016 انتهت السنوات السبع الجديدة التي قضّاها “القحطاني” في سجن الطرفية، لكنّ عميد المعتقلين السياسيين لم يخرج من زنزانته، وبقي رهن الاعتقال دون مبرّر، في وقت تؤكد فيه عائلته أن حالته الصحية والنفسية تدهورت بشكل كبير.
وليد السناني: أبن مدينة عنيزة والمولود عام 1965، ويعتبر أبرز المعتقلين السياسيين القدامى في المملكة، ويمكث في سجن الحاير السياسي بالرياض منذ عام 1995.
قبل حرب الخليج عام 1990، كان الشيخ وليد السناني يؤمن بشرعية الدولة السعودية ويدافع عن ذلك بحماس إلى أن حصلت الحرب واستعانت المملكة بجنود أمريكيين، حيث اعترض على مشاركة الجنود السعوديين مع الأمريكيين، وأصدر ثلاث فتاوى تحرم ذلك، وعلى ضوء ذلك اعتُقِل.
تعرض لعزل كامل عن العالم من سنة 2002 إلى سنة 2009 ومنعت عنه الزيارات والاتصالات، وحكم عليه حينها بالسجن 15 سنة دون أن تعقد جلسة شرعية.
لا يزال نجله إبراهيم في سجن الحاير منذ 11 عاماً، بعد اعتقاله وهو يبلغ من العمر 15 عاماً فقط، بالإضافة إلى توقيف 4 من أبناء شقيقه أحمد، حيث يقضي أسامة أحمد السناني عامه العاشر في التوقيف، رفقة 3 من أشقائه مضى على توقيفهم قرابة العامين.
عايدة الغامدي: لم يكن للرجال الأكبر سناً وحدهم نصيب في الاعتقال، فقد تعرضت عايدة الغامدي (64 عاماً) والدة الناشط السياسي عبد الله الغامدي للاعتقال في 26 مارس 2018، على خلفية النشاط السياسي لنجلها الموجود في الخارج والذي تطالبه المملكة بتسليم نفسه.
وتعاني الغامدي من عدة أمراض، وهي بحاجة إلى رعاية خاصة وإلى عدة أدوية، ورغم ذلك تفرض عليها السلطات قيوداً شديدة.
وفي ظل حالة الرعب التي نشرتها سلطات المملكة بين المحامين في المملكة، لم تتمكن الغامدي وابنها من الحصول على محام، حيث رفض معظم المحامين التعامل في قضايا السجناء السياسيين، خصوصاً بعدما اعتقل جهاز رئاسة أمن الدولة المحامي البارز والمدافع عن حقوق الإنسان إبراهيم المديميغ.