فشل ضغط آل سعود على معتقلي الرأي لنفي تعذيبهم

تسعى سلطات آل سعود إلى السيطرة على ما قامت به من تعذيب وتنكيل داخل السجون بحق المعتقلين لديها, بعد حملة الاعتقالات القمعية التي قامت بها بأوامر مباشرة من محمد بن سلمان في محاولة للقضاء على كل صوت معارض داخل المملكة وخارجها.
وتحاول سلطات آل سعود إجبار أكبر عدد ممكن من المعتقلين على تسجيل مقاطع فيديو تثبت عدم تعرضهم للتعذيب مقابل وعود بالإفراج عنهم، ونقلهم إلى أماكن سجن أفضل، وتوفير خدمات لهم داخل السجن.
وقد طلبت السلطات من المعتقلين ذو التأثير الكبير مثل لجين الهذلول والداعية سلمان العودة على تسجيل مقاطع الفيديو.
وذلك في محاولة لتبرئة نفسها من تهمة الاعتقال الجائر والتعذيب، إضافة إلى تبرئة اسم المستشار السابق في الديوان الملكي سعود القحطاني، الذي عُزل من منصبه بعد ضغوط أميركية على خلفية تخطيطه وإصداره أوامر مباشرة باغتيال الصحافي المعارض جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول 2018.
والهدف من إجبار لجين الهذلول على تصوير اعترافات تنفي تعرضها للتعذيب هو تلميع صورة المستشار السابق في الديوان الملكي سعود القحطاني، الذي أشرف على عملية تعذيبها وتعذيب بقية الناشطات النسويات، وفق ما تقول عائلة الهذلول التي يعيش أفرادها في الخارج هرباً من بطش سلطات آل سعود.
وكان قد زار وفد من جهاز أمن الدولة المعتقلة لجين الهذلول مرتين, وطلب منها التوقيع على ورقة تُفيد بعدم تعرضها لأية عمليات تعذيب مقابل الإفراج عنها، وفق ما تقول عائلتها، لكن في الزيارة الثالثة لأفراد أمن الدولة إلى الهذلول، طُلب منها تسجيل مقطع فيديو تنفي فيه الأنباء التي تشير لتعرضها للتعذيب.
وقال وليد الهذلول شقيق لجين، في شهادة أمام الكونغرس، إن القحطاني هو من أشرف على عملية تعذيب أخته، وهددها بالقتل والاغتصاب.
وأوضح أن “مسؤولين آل سعود لم يقوموا بالتعذيب لانتزاع الاعترافات فحسب بل لأن المسؤولين يستمتعون بعمليات التعذيب”.
وجرت عملية تعذيب لجين الهذلول في الفترة ما بين مايو/أيار وأغسطس/آب 2018 في فندق سري قرب سجن ذهبان غرب البلاد، قبل أن يتم نقلها إلى سجن ذهبان، حيث تعرضت لمعاناة كبيرة هناك، ثم نُقلت إلى سجن الحائر في الرياض في أواخر العام 2018 وفق ما ذكرت علياء الهذلول شقيقة لجين.
من جهته، كتب الأكاديمي والمعارض المقيم في الولايات المتحدة الأميركية عبد الله العودة مقالاً، في صحيفة “الغارديان” البريطانية، قال فيه إن والده أخبر عائلته بتعرضه للتضييق في النوم ومنع الدواء عنه، إضافة إلى توقيعه لأوراق لا يعرف ماهيتها.
ونقلت صحيفة “وول ستريت جورنال”، مطلع فبراير/شباط الماضي، عن مسؤول سعودي قوله إن ولي العهد لا يزال يتصل بالقحطاني طلباً للمشورة، وإنه يواصل عمله كمستشاره الخاص.
ووفقاً لما أفاد به مصدر رفيع المستوى في وزارة الخارجية الأميركية فإن نشاطات القحطاني لم تُقيد، وأنه شوهد في أبو ظبي رغم وعود سلطات آل سعود بمحاسبته.
وكان مصدر رفيع المستوى ومقرب من عائلة آل سعود قال، إن القحطاني حصل على ضمانة من ولي العهد بعدم محاسبته، وأنه “أقسم” على إعادته إلى منصبه الرسمي بمجرد أن تهدأ الأمور وينسى العالم قضية خاشقجي.
وكان المصدر، الذي يعد أحد المقربين من أبناء الملك الراحل عبد الله بن عبدالعزيز وعمل تحت إمرتهم فترة طويلة، قال إن القحطاني بات يتنقل بسيارة واحدة فقط بعد أن كان يتنقل بموكب صغير، وقُلصت بعض صلاحياته، لكنه لا يزال يشرف على الأمن والإعلام ويمارس عمله بأريحية عبر برنامج “واتساب”.
وشنت سلطات آل سعود، مطلع إبريل/نيسان الماضي، حملة اعتقالات طاولت ناشطين حقوقيين وقوميين، من بينهم صلاح الحيدر نجل الناشطة النسوية المفرج عنها عزيزة اليوسف.
وحملت هذه الاعتقالات، بحسب معارضين سعوديين، بصمات القحطاني، كدلالة على وجوده في المشهد الأمني والإعلامي حتى الآن, كما أن إعلام آل سعود لا يزال يتلقى الأوامر من القحطاني.
ويواصل الإعلاميون الموالون له التمهيد لعودته ويؤكدون بأنها ستكون قريبة.
وذكرت مصادر في وقت سابق، أن القحطاني لا يزال يملي النهج الرسمي للديوان الملكي على كتاب الأعمدة والصحف على الرغم عزله.
ولا يستبعد أن يكون محمد بن سلمان يفكر بامتصاص الغضب العالمي من اغتيال خاشقجي عبر التضحية بأفراد جهازه الأمني غير المهمين، والذين أشرفوا على عملية الاغتيال، مقابل إعادة القحطاني إلى الواجهة، عبر تبرئة اسمه وقيام المعتقلين الحاليين بالثناء عليه وتبرئته من أي تهمة موجهة له.
كونه يُعد من الأسماء المهمة التي ساهمت برسم خارطة ولي العهد نحو السيطرة المطلقة على الحكم في البلاد، وقيامه بالانقلاب على أبناء عمومته وسجنهم عبر ما عرف بحملة “الريتز كارلتون” أواخر العام 2017، والتي استهدفت أمراء من الأسرة الحاكمة ورجال أعمال مهمين في البلاد.
وقال معارض سعودي، إن نظام آل سعود يعتقد أن بإمكانه شراء العالم وأن الأحرار حول العالم يمكن أن ينسوا أن القحطاني قد أمر بقتل رجل معارض، ومن ثم تقطيع جثته بالمنشار، وهذا يشير لشيء واحد، وهو أن نظام آل سعود منفصل عن العالم ولا يعي حجم الضغوط الدولية عليه نتيجة جرائمه البشعة.
وأضاف “سيبقى القحطاني ملاحقاً من قبل العالم، ولن يستطيع بن سلمان شراء براءته، ولو أجبر كل المعتقلين على تسجيل مقاطع مرئية تمدح بالقحطاني وتصوره بصورة الملاك”.