تشكل الانتهاكات الجسيمة التي تتعرض لها معتقلات الرأي في سجن “ذهبان” التابع لنظام آب سعود وصمة عار أبدية في تاريخ نظام آل سعود في ظل كشف حقائق عن تصوريهم عاريات لإرغامهن على التجاوب مع التحقيقات.
وعرض فيلم وثائقي لقناة “الجزيرة” الفضائية التعذيب الوحشي الذي تعرضت لهن المعتقلات في سجن ذهبان، مفندا كما جاء على لسان ناشطات وناشطين الاتهامات الموجهة إليهن من قبل حكومة آل سعود، وشرح أساليب التعذيب المستخدمة ضدهن.
ونقل الوثائقي شهادة “يُمنى ديساي” المعتقلة السابقة والتي كانت شاهد عيان على ما جرى في سجن ذهبان الذي تحتجز فيه معتقلات الرأي، وقد التقت العديد منهن وتحدثت إليهن، كما قدمت تفاصيل السجن بالرسم، فضلا عن الحياة اليومية والقصص المتبادلة والزنازين التي احتجزت فيها المعتقلات.
وقالت “يُمنى” إنها كانت تعمل في التدريس إلى أن تلقت اتصالا من إدارة جامعة حائل، وتم إخبارها بوجود مشكلة في جواز سفرها تستدعي الذهاب إلى مكتب الجوازات، وبمجرد مغادرتها مبنى الكلية وجدت قوات الأمن السري في انتظارها، وتم أخذها إلى منزلها وتفتيشه ثم تحويلها إلى مكتب الأمن الرئيسي بحائل ومن ثم إلى سجن ذهبان في جدة.
وأضافت أنه لم يكن مسموحا للأجانب بإجراء مكالمات دولية، ولذلك لم تتواصل مع أهلها طوال ثلاث سنوات من الاعتقال، مشيرة إلى أن السعودية تدعي محاربتها للإرهاب إلا أن ممارستها تنشر الكراهية بين الناس.
وقالت الناشطة “سحر الفيفي” إن إحدى المعتقلات تم انتزاع ملابسها وتصويرها عارية وتم وضع صورتها على طاولة التحقيق لإجبارها على الإجابة، كما أنه تم تعريض بعض المعتقلات للتحرش الجنسي وهن مكبلات بالأصفاد (السلاسل الحديدية).
وأشار المحامي الدولي المعنيّ بحقوق الإنسان “رودني ديكسون” إلى أن القوانين المستخدمة لمحاكمة المعتقلات في المملكة مبهمة وغامضة وغير محددة، ولذلك يسهل استغلالها لتبرير أي فعل وفرض العقوبة التي ترغب بها السلطات السعودية.
أما الناشطة الحقوقية “حصة الماضي” فقالت إنها استطاعت عند لجوئها للسويد أن تكتب قصة ملاحقتها والانتهاكات الجارية في المملكة، كما تعاونت مع المنظمات الدولية رغم التهديدات التي تلقتها عبر أسماء مستعارة بالإعادة الجبرية للسعودية أو بالقتل.
أما الناشطة الحقوقية حصة الماضي فقالت إنها استطاعت عند لجوئها للسويد أن تكتب قصة ملاحقتها والانتهاكات الجارية في السعودية، كما تعاونت مع المنظمات الدولية رغم التهديدات التي تلقتها عبر أسماء مستعارة بالإعادة الجبرية للمملكة أو بالقتل.
وتعرضت عدد من الناشطات للتحرش الجنسي باللمس في أماكن حساسة، وبالتعرية، وبالتصوير وهن عرايا، وتعرضت واحدة منهن على الأقل للتعذيب النفسي، إذ قيل لها كذبا إن أحد أفراد عائلتها قد توفي.
ولا تعد هذه الحملة الأولى من نوعها ضد ناشطي حقوق الإنسان، لكنها الأكثر قسوة من بينهم والأوسع نطاقا، حيث كانت هذه المرة الأولى التي تستهدف فيها السلطات الناشطات استهدافا جماعيا.
ومؤخرا نددت منظمة العفو الدولية بحدة التعذيب وسوء المعاملة لمعتقلات رأي في سجون نظام آل سعود بما في ذلك التحرش الجنسي.
وقالت مديرة الحملات في برنامج الشرق الأوسط في منظمة العفو سماح حديد إن الناشطات السعوديات اللواتي طالبن بحقوق المرأة واجهن في السجن أشد أنواع القسوة في التعامل والقمع، ومن ذلك التحرش الجنسي بهن، والتعذيب بالصعق بالكهرباء وحتى الإيهام بالغرق.
وأكدت حديد أنه آن الأوان ليتحرك المجتمع الدولي بشكل فعلي من أجل الضغط للإفراج عنهنّ. وشددت على ما تعرضت له معتقلات الرأي من محاكمات من نظام آل سعود “وصمة عار جديدة في سجل السلطات السعودية المروع المرتبط بحقوق الإنسان”.
والتعذيب الجسدي من كبرى الجرائم الحقوقية التي تعرض لها عدد كبير من معتقلي ومعتقلات الرأي في سجون آل سعود، وهو خرق للقوانين المحلية والقوانين الحقوقية الدولية يستوجب المحاسبة.
ويعتمد نظام آل سعود على الحكم بالقمع والبطش وخير دليل على ذلك ما توثقه المنظمات الحقوقية المحلية والدولية بشأن آلاف المعتقلين تعسفيا في السجون دون سند قانوني.
من المفترض أن كل شخص اعتقل يعرف ظرف اعتقاله أو لا يعتقل لأن الأصل في أي شخص البراءة هذه الاجراءات القانونية الصحيحة.
ويجب أن يعتقل الشخص وفق لإجراءات قانونية سليمة, إذا اختلت هذه الشروط يعتبر الاعتقال تعسفي, وإذا اعتقل احد بناء على محاكمة غير عادلة غير شفافة تأثرت بضغط سلطات تنفيذية فنكون هنا امام اعتقال تعسفي.
لكم منذ تولي محمد بن سلمان مقاليد ولاية العهد في المملكة عقب إزاحته ابن عمه محمد بن نايف في انقلاب أبيض في يونيو/ حزيران 2018، بدأت سلطات آل سعود, وتحديداً الأجهزة الأمنية التابعة بشكل مباشر لمكتب ولي العهد، وعلى رأسها جهاز أمن الدولة الذي أسس حديثاً، بشنّ حملات اعتقال ضد الناشطين السياسيين والاجتماعيين والحقوقيين من مختلف التيارات.
بالإضافة إلى الأمراء المنتمين للأسرة الحاكمة الذين قد يمثّلون مصدر تهديد محتمل لبن سلمان، وشيوخ القبائل ورجال الأعمال الذين صادرت سلطات آل سعود الجزء الأكبر من ثرواتهم.
وبدأت الحملات القمعية في سبتمبر/ أيلول 2017. حينها شنّ ولي العهد هجوماً حاداً على رجال الدين والأكاديميين المنتمين لـ”تيار الصحوة”، أكبر التيارات الدينية في المملكة.
وفي غضون أيام قليلة فقط، ألقي القبض على المئات منهم وأودعوا في السجون، في ظروف غير معروفة ومن دون توجيه اتهامات لهم.
وفي وقت سابق أدانت 36 دولة عضو في مجلس حقوق الإنسان من أصل 47 دولة، بما فيها دول الاتحاد الأوروبي بجميع أعضائه الثمانية والعشرين، الاعتقالات المستمرة في المملكة والتي وصفها بـ “التعسفية” للمدافعين عن حقوق الإنسان وتوظيفها قوانين مكافحة الإرهاب لإسكات معارضيها، في الوقت ذاته الذي منع أعضاء الاتحاد الأوروبي إدراج اسم المملكة على قائمة الدول الضالعة بعمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
نقلت تقارير إعلامية عن البدء في محاكمات “جنائية” لناشطات في مجال حقوق المرأة يواجهن اتهامات بالتعامل مع دول أجنبية “معادية” للمملكة.
المحاكمات تأتي في وقت تشهد فيه العلاقات السعودية الأمريكية تأرجحا وضبابية وانقساما في أوساط الإدارة الأمريكية حول الموقف من قضيتي مقتل جمال خاشقجي والحرب في اليمن وما له صلة بسجل المملكة في مجال انتهاكات حقوق الإنسان.
وتتوزع اهتمامات الناشطات في مجال حقوق الإنسان عموما بين ما يعرف بولاية الرجل على المرأة، وانتقادات لحظر قيادة المرأة للسيارة قبيل إصدار سلطات آل سعود قرارا أجاز للمرأة مثل هذا الحق، وقضايا أخرى تتعلق بحرية التعبير وتشكيل الجمعيات وغيرها.
وفي الوقت الذي لم تجر محاكمات علنية، فإن معظم ما يتم تداوله من أخبار حول المعتقلين والمعتقلات تستقيه وسائل الإعلام من مقربين من المعتقلين، بما في ذلك “مزاعم” التعذيب بالصعق الكهربائي والإيهام بالغرق وأيضا التحرش.
وطالما دعا قادة حول العالم الرياض لإطلاق معتقلي الرأي وناشطات حقوق الإنسان اللواتي أفادت تقارير إلى تعرضهن للتعذيب النفسي والجسدي، إلا أن دعوات كهذه دائما ترد عليها السعودية بنفي “مزاعم” التعذيب وعدم وجود سجون سرية والإشادة بالقضاء السعودي ونزاهته.
وتشير بعض التقارير إلى أن ما لا يقل عن عشرة نساء اعتقلن خلال العام 2018 على خلفيات دعاوى الحقوق المدنية وحرية التعبير.
وأفادت منظمة “هيومن رايتس ووتش” المعنية بحقوق الإنسان بأن أربع نساء تعرضن للتعذيب بالصدمات الكهربائية على أيدي محققين سعوديين.
وبالعودة إلى بيان مجلس حقوق الإنسان، فقد دعا المملكة إلى اتخاذ خطوات لضمان تمكين المدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين من ممارسة حقوقهم في حرية التعبير وتكوين الجمعيات بعيدا عن الاعتقال.
وحثت الدول الموقعة على بيان “التوبيخ”، منها استراليا وكندا، الرياض على التعاون مع لجنة التحقيق الأممية في قضية مقتل جمال خاشقجي والتي من المنتظر أن ترفع تقريرها إلى المجلس في حزيران/يونيو المقبل.
ومن المستبعد أن دول الاتحاد الأوروبي سوف تمارس ضغوطا “قاسية” بعد أن تعدت مرحلة “الحماس” التي رافقت وأعقبت حادثة مقتل جمال خاشقجي؛ إلا أن هذه الدول ستحاول الفصل بين التعامل مع المملكة الدولة وولي عهدها الذي نشرت وسائل إعلام غربية أن قادة أوروبيين ضغطوا على الحكومة المصرية لإبعاده عن حضور القمة الأوروبية العربية التي استضافتها مصر في الشهر الماضي.
ولا تبدو دول الاتحاد الأوروبي في مواجهة واسعة النطاق مع المملكة سواء الدولة أو ولي العهد الذي تدرك تلك الدول أنه يمسك بكامل القرار الاقتصادي وتوقيع الصفقات ذات البعد الاقتصادي في مشروعه رؤية 2030 الذي تنظر إليه تلك الدول بأنه مشروع انفتاح متعدد الجوانب، من اجتماعي واقتصادي بالدرجة الأولى وقريب من تلبية المعايير الأوروبية في جانبه الاجتماعي.
وسيظل التأثير الأوروبي بدوله الرئيسية الثلاث، ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، محدودا طالما ظلت تلك الدول تعمل بشكل ثنائي يعتمد التنافس الاقتصادي بينها للفوز بالعقود السعودية والصفقات، إلى جانب أن دول الاتحاد الأوروبي تبدي رغبتها في الإبقاء على الشراكة الإستراتيجية مع الرياض التي تلعب دورا إقليميا مركزيا في المنطقة.
ولا يعترف نظام آل سعود بعديد المواثيق الدولية الرئيسية، منها العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كما لم تصادق المملكة على الاتفاقية الدولية المتعلقة بحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري, وايضا الاعتقال التعسفي.
وتكشف المملكة بانتهاكاتها الممنهجة لحقوق الإنسان عن الوجه الحقيقي للنظام الحاكم فيها الذي يلاحق من يعبر عن آرائه ومواقفه المخالفة بل حتى الصامتين, حيث أن الصمت دليل على إدانة لعشرات الشخصيات, خاصة رجال الدين المعتقلين مثل سلمان العودة.
يعني ذلك أن تعبّر عن رأيك بحرية في المملكة يعني أن مصيرك سجونها، وربما دون أن تعلم عائلتك عنك شيئًا.
وتمارس المملكة ضمن انتهاكاتها جريمة الإخفاء القسري، التي تجرمها مختلف المواثيق الدولية”.
وقد أعربت المنظمات الدولية والحقوقية عن قلقها اذا هذا الانتهاك بحق الانسانية وطالبت الرياض بالإفراج الفوري عن المعتقلين وتحسين ظروف اعتقالهم وفق المعايير والقوانين والمعاهدات الدولية والكشف عن اماكن اعتقال الاشخاص الذي اخفتهم سلطات آل سعود وبيان أماكن احتجازهم وتحويلهم الى المحكمة لإخضاعهم لمحاكمات عادلة وفق القانون.