قالت مجلة فورين بوليسي الأميركية إن إسرائيل تصمت على مشروع نظام آل سعود النووي بهدف دفع التطبيع مع المملكة ولاستغلال رغبة ولي العهد محمد بن سلمان بإقامة علاقات رسمية معها.
وذكرت المجلة أن اتفاقيات التطبيع مع الإمارات والبحرين هي تطور إيجابي للغاية بالنسبة لإسرائيل إلا أنه ستترتب عليها تكاليف إستراتيجية متزايدة، لأن إسرائيل تسعى إلى توسيع دائرة التطبيع مع دول الخليج العربي، خاصة مع السعودية.
وأشارت إلى أن الحكومة الإسرائيلية اختارت الصمت حتى الآن إزاء الكشف الجديد عن مشروع بناء السعودية منشأة نووية جديدة بالتعاون مع الصين، مما يشير إلى أن البرنامج النووي الوليد للمملكة يمضي قدما.
واعتبرت المجلة أن نهج الصمت وعدم التدخل يقوض إحدى أكثر الحجج فعالية لإسرائيل في ممارسة الضغط الدولي ضد برنامج إيران النووي، وهي الحجة القائلة إن الفشل في منع إيران من امتلاك سلاح نووي سيؤدي إلى سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط، ومع ذلك يبدو أن سباق التسلح النووي قائم بالفعل في المنطقة.
وأشارت إلى أن سياسة إسرائيل طويلة الأمد كانت تنتهج منع خصومها الإقليميين من الحصول على أي قدرة نووية، وتم تطبيقه بقصف مفاعل تموز النووي العراقي في يونيو/حزيران 1981 وفي سوريا عام 2007.
وأضافت أنه لا إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ولا حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على استعداد للاعتراف بمخاطر مشروع نقل أسلحة متطورة إلى دول حليفة اليوم قد تكون عدوة غدا.
ولفتت الانتباه إلى أن إسرائيل ظلت تاريخيا تعرب عن معارضتها الشديدة لتعزيز القدرة الهجومية لأي دولة عربية، لكن الولايات المتحدة بدأت حاليا تدفع باتجاه بيع أبو ظبي حزمة من الأسلحة المتطورة بما في ذلك طائرات مقاتلة من طراز “إف-35” (F-35) التي يعتقد أنها أكثر الطائرات الهجومية قدرة في العالم، بالإضافة إلى طائرات “ريبر” المسيرة وطائرات الحرب الإلكترونية التي تشوش دفاعات العدو، وبمجرد استلام الإمارات هذه الأسلحة ستتوقع الدول العربية الأخرى نفس المعاملة.
وأعربت المجلة عن الاعتقاد بأن تساهل الحكومة الإسرائيلية وصمتها إزاء مشروع السعودي النووي يعودان إلى أنها وجدت في اتفاقيات التطبيع مع الإمارات والبحرين طريقا للفرار من أزماتها الداخلية المتصاعدة، مضيفة أنه الآن وبعد أن وقعت إسرائيل اتفاقات السلام هذه سيصبح من الصعب عليها معارضة بيع المعدات العسكرية لجيرانها العرب.
ومؤخرا نشرت نيويورك تايمز تقريرا طويلا يفيد بأن وكالات الاستخبارات الأميركية قامت الأسابيع الأخيرة بتدقيق سري حول الجهود الجارية بالسعودية لبناء قدرة صناعية على إنتاج الوقود النووي بالتعاون مع الصين.
ونسبت الصحيفة لمسؤولين قولهم إن هذا التدقيق أثار مخاوف من أنه قد تكون هناك جهود سعودية صينية سرية لمعالجة اليورانيوم الخام بشكل يمكن تخصيبه لاحقا وتحويله لوقود نووي.
وقبل ذلك نقلت وول ستريت جورنال عن مسؤولين غربيين قولهم إن السعودية أقامت منشأة لاستخراج ما يعرف بكعكة اليورانيوم الصفراء التي تُستخدم وقودا للمفاعلات النووية، وذلك بمساعدة الصين، وأبرزت الصحيفة مخاوف المسؤولين الأميركيين من إبقاء الرياض خيار تطوير الأسلحة النووية قائما.
وطرح تسريب أنباء تعاون محمد بن سلمان مع الصين في البرنامج النووي، لكبريات الصحف الأميركية على مدار يومين متتالين، تساؤلات حول المغزى من نشر هذه التقارير في هذا التوقيت.
وتوقع الخبير العسكري ديفيد دي روش -المحارب السابق والأستاذ المساعد في مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا بجامعة الدفاع الوطني الأميركية، أن التسريب مصدره جهة حكومية رسمية أميركية.
وأكد دي روش أنه في بعض الحالات “يُسرب بعض الموظفين الحكوميين معلومات مهمة للتأثير على عملية صنع القرار بشكل عام، وربما جاء التسريب إما من داخل إحدى الجهات الحكومية الأميركية التي تتعامل مع قضايا منع الانتشار النووي، أو من جهة حكومية تتعامل مباشرة مع الشؤون السعودية”.
وأرجع هدف التسريب إلى “شعور المسرب أن معلومات تطوير البرنامج النووي السعودي أصبحت خطيرة، وأن إدارة ترامب لم تكن تفعل ما يكفي لمنع البرنامج السعودي من التطور.
وإذا كان الأمر كذلك، فإن مسرب المعلومات يتوقع أن تؤدي معلوماته إلى مناقشة عامة حول هذه المسألة، وربما إلى اتخاذ الإدارة الأميركية إجراءات صارمة ضد برنامج السعودية، كما يقول دي روش.
ورغم العلاقات الجيدة التي تجمع بين الولايات المتحدة والسعودية، لا تحبذ واشنطن دخول الرياض النادي النووي سواء للأغراض المدنية أو العسكرية.
وتعتقد واشنطن أنه لا يوجد مبرر يستدعي دخول السعودية النادي النووي السلمي أو العسكري خاصة مع توافر مصادر الطاقة التقليدية بصورة كبيرة، كما يقول مراقبون متابعون لعلاقات البلدين.
وقال بروس رايدل المسؤول السابق بجهاز الاستخبارات المركزية، والخبير بمعهد بروكينغر بواشنطن “إن التقارير المتعلقة بتعاون السعودية مع الصين مثيرة جدا للقلق، بن سلمان يريد الحصول على قنبلة نووية، وهذا تطور خطير جدا، ويدفع ذلك من جهة أخرى الإيرانيين للتصميم على الحصول على قنبلتهم الخاصة”.
ويرى دي روش أن السعوديين “اعتبروا الاتفاق النووي مع إيران بمثابة تجاهل لمخاوفهم الأمنية، وأكدوا منذ فترة طويلة أنهم يتوقعون السير من حيث المبدأ في نفس مسار التطوير النووي الذي سمح به الاتفاق النووي لإيران”.
وأردف الخبير العسكري “لذلك لا ينبغي أن يكون مستغربا أن نرى السعودية تدخل في شراكة مع الدولة التي تسمح لهم بالحصول على تكنولوجيا ضرورية لبقائهم وأمنهم في الوقت الذي ترفض فيه الولايات المتحدة والغرب ذلك”.
وتخشى واشنطن من إقدام دول مثل تركيا ومصر كذلك على النظر بجدية لإمكانية الحصول على برامج نووية حال إقدام طهران أو الرياض على المضي قدما في السعي للحصول على هذه التكنولوجيا.
من جانبه أشار ديفيد ماك مساعد وزير الخارجية السابق والخبير بالمعهد الأطلسي إلى أنه “لا يمكن للسعودية الاعتماد على الحصول على التكنولوجيا النووية من الولايات المتحدة دون القفز من خلال نفس الطوق والعقبات التي مرت بها الامارات”.
وأشار ماك إلى صعوبات نقل التكنولوجية النووية الأميركية للسعودية، قائلا “لكي يتم هذا النوع من نقل التكنولوجيا النووية، يجب أن يكون هناك دعم في الكونغرس وكذلك السلطة التنفيذية، وحتى لو أعيد انتخاب ترامب، فإن السعودية لن تكون لديها فرصة كبيرة للحصول على هذه التكنولوجيا”.
وأضاف أنه من المرجح أن يكون الصينيون أقل صرامة من حيث شروطهم لضمان عدم إنتاج دورة الوقود النووي لأي تطبيقات لصنع قنابل أو صواريخ نووية.
واعتبر الخبير العسكري أن أنباء تعاون الرياض مع بكين في ملفات نووية يعد أمرا مزعجا، لكنه سيناريو لم يكن مستبعدا تماما.
ووفق دي روش فإن السعوديين طالما شكوا في مدى الدعم الذي ستقدمه لهم الولايات المتحدة والغرب بشكل عام في صراعهم مع إيران. ومنذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي، قام السعوديون بشراء صاروخ أرض أرض طويل المدي “دودة القز” وأظهر ذلك أنهم يلجؤون إلى الصين للحصول على التكنولوجيا التي يشعرون أنها ضرورية لأمنهم والتي يرفض الغرب إعطاءها لهم”.
وأكد ماك أن سباق التسلح النووي أصبح مصدر قلق كبير جدا لمعظم المسؤولين في واشنطن، ويضاعف من القلق “عدم ثقة الدوائر الأميركية في مشروع السعودية”.