السعودية على عتبة إحراج عالمي جديد بسبب فشل مشاريع محمد بن سلمان

لم يعد ولي العهد محمد بن سلمان يكتفي بخطط مشاريع “الترفيه الفاخر” والوعود بمستقبل اقتصادي مزدهر، بل قرر القفز إلى ما يصفه المراقبون بـ “مقامرة سياسية وهندسية” عبر مشروع تروجينا، الذي يفترض أن يضع السعودية على خريطة السياحة الشتوية العالمية.

لكن هذا المشروع، الذي يتضمن بحيرة صناعية بطول 2.8 كيلومتر ومنتجع تزلج في قلب الصحراء، قد يتحول إلى إحراج عالمي، مع اقتراب استضافة دورة الألعاب الآسيوية الشتوية 2029، في وقت تتزايد فيه علامات الفشل والتعثر.

والنقطة المركزية لمشروع تروجينا هي البحيرة الجبلية الاصطناعية، التي ستغطي 1.5 كيلومتر مربع، مدعومة بثلاثة سدود ضخمة. ورغم أن شركة “ويبيلد” الإيطالية حصلت على عقد بقيمة 4.7 مليار دولار لتنفيذها، إلا أن التحدي الأكبر يكمن في كيفية ملء البحيرة.

ويخطط المهندسون في المشروع لضخ ملايين الأطنان من مياه البحر الأحمر المحلاة عبر أنبوب بقطر متر واحد إلى ارتفاع 2,400 متر.

وهذه العملية لا تستهلك فقط طاقة مهولة في بيئة تعاني من ضغوط مائية، بل تهدد بتحويل المشروع من “تحفة سياحية” إلى كارثة بيئية وهندسية.

سباق مع الزمن… والموعد يقترب

في أكتوبر 2022، حصلت السعودية على استضافة الألعاب الشتوية الآسيوية 2029، وهو قرار مثير للجدل اعتبره وزير الرياضة السعودي “انتصاراً تاريخياً”.

لكن الواقع مختلف؛ صور الأقمار الصناعية تكشف عن بطء في تقدم الأعمال، وعدم وجود مؤشرات جدية على بدء تنفيذ البحيرة، رغم أنها تمثل العمود الفقري للمشروع.

ويحذر المحللون من أن تأخر الجداول الزمنية قد يضع المملكة أمام خيارين أحلاهما مر: إما التقليص الكبير للوعود، أو مخاطرة بإلغاء بعض الفعاليات، وهو ما سيشكل لطمة قوية لصورة المملكة التي تسعى لتسويق نفسها كقوة عالمية صاعدة.

أزمة مالية تخنق الطموحات

تروجينا ليست سوى جزء من مشروع نيوم الأوسع، الذي تبلغ قيمته 1.5 تريليون دولار. غير أن التمويل يواجه صعوبات هائلة، إذ تشير تقديرات بلومبرغ إلى أن الرياض تحتاج إلى 94 دولاراً لبرميل النفط لتغطية ميزانيتها، و111 دولاراً إذا شُملت مشاريع نيوم، بينما الأسعار الحالية تدور حول 66 دولاراً.

هذا العجز المالي يعني أن الحكومة السعودية تمول مشاريعها عبر الاقتراض وتسييل الأصول، وهو مسار محفوف بالمخاطر في ظل تقلب أسعار النفط واعتماد الاقتصاد بشكل شبه كامل عليه. فالمشاريع التي كان يُفترض أن تمثل “تحولاً اقتصادياً” باتت عبئاً يهدد مصداقية الإصلاح المزعوم.

الإبهار على حساب الواقع

محمد بن سلمان لا يستطيع التراجع، فالسعودية التزمت بسلسلة من الفعاليات العالمية:

كأس آسيا 2027، الألعاب الشتوية 2029، إكسبو 2030 إلى جانب بطولة كأس العالم 2034.

هذه الفعاليات صُممت لتلميع صورة المملكة دولياً، لكنها قد تتحول إلى فضيحة مدوّية إذا فشلت البنية التحتية في اللحاق بالمواعيد. وكلما اقتربت المواعيد النهائية، كلما ازداد الخطر بأن تجد السعودية نفسها في مواجهة إحراج دبلوماسي عالمي، يعصف بمحاولاتها لتسويق “رؤية 2030”.

سلبيات تتراكم: من البيئة إلى السمعة

المشروع يعكس تجاهلاً صارخاً للواقع البيئي في منطقة شديدة الجفاف، إذ يتم هدر موارد مائية وطاقة هائلة فقط من أجل بناء بحيرة “استعراضية”.

كما أن الضغط على المهندسين لإنجاز مشروع غير منطقي من الناحية الطبيعية يرفع احتمال حدوث أعطال أو فشل هندسي ستكون له انعكاسات مدمرة على سمعة المملكة.

الأهم أن هذه المشاريع تُظهر السعودية وكأنها تسعى وراء الاستعراض الفارغ بدلاً من التنمية الحقيقية، ما يرسخ صورة بلد ينفق المليارات على “لاكجري لانشز” بينما يفتقر مواطنوه لفرص العمل والاستقرار الاقتصادي.

فخ المبالغة والغرور

مع اقتراب عام 2029، تتضح ملامح مأزق كبير: السعودية إما أن تنجز مشروعاً متعثرًا بتكلفة بيئية ومالية ضخمة، أو أن تواجه إحراجًا عالميًا يكشف زيف وعود “رؤية 2030”.

مشروع تروجينا والبحيرة الاصطناعية ليسا سوى مثال على فلسفة الحكم الحالية: استعراض بلا جدوى، وطموح يتجاهل أبسط مقومات الواقع.

وما بين التباهي باستضافة فعاليات كبرى وبين عجز البنية التحتية والتمويل، تبدو المملكة بالفعل على عتبة إحراج عالمي جديد قد يجعلها موضوع سخرية بدل أن تكون مركز إبهار.