قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في تقرير بمناسبة يوم المرأة العالمي، إن المرأة في المملكة ما تزال تواجه قيودًا تقوّض الحقوق الأساسية المكفولة لها دوليًا على الرغم من التصريحات عن تبني سياسة الانفتاح وتمكينها من ممارسة جميع حقوقها.
وذكر التقرير أن المملكة تعيش منذ ما يزيد عن خمسة سنوات تحولًا كبيرًا على صعيد الحقوق والحريات العامة، خاصةً بعد أن تولى الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم في 23 يناير/ كانون الثاني 2015، حيث شهدت البلاد على أثر ذلك مرحلة غير مسبوقة من القمع والتضييق طالت المرأة أيضًا.
ورصد التقرير انتهاك سلطات آل سعود للقوانين المحلية والدولية، من خلال عمليات القمع التي لم تطل الرجال فقط، بل طالت كذلك النساء المطالبات بحقوق المرأة والمدافعات عن حقوق الإنسان، من خلال اعتقالهن والتعدي عليهن، لأسبابٍ تتعلق بالتعبير عن الرأي أو المشاركة في تجمعاتٍ سلمية.
ونبّه إلى أنّ سلطات آل سعود لم تكتف باستهداف النساء في حملاتها، بل نوّعت أيضًا من أساليب قمعها من خلال التشديد الملحوظ في العقوبات القانونية، وزيادة الاعتقالات على خلفية حرية الرأي والتعبير، وملاحقة الناشطات العاملات في مؤسسات المجتمع المدني، بالإضافة إلى تهديد المطالِبات بحقوق المرأة بالسجن والتعذيب، فضلاً عن الاحتجاز التعسفي طويل الأجل دون تهم.
وعدّ التقرير الخطوات التي اتخذها ولي العهد محمد بن سلمان بشأن الإصلاحات متناقضة مع الواقع الفعلي لحالة حقوق الإنسان في البلاد، بفعل السيطرة الأمنية الخانقة التي تستهدف كل من ينتقد السياسة الحكومية.
وقال إنّ الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة في المملكة ما تزال تمسّ أبسط حقوقها مثل الحق في قيادة السيارة وحرية السفر والحصول على جواز سفر واختيار الزوج والحصول على الرعاية الصحية.
ومن ذلك وجد فريق الأورومتوسطي عبر متابعته لتطبيق “أبشر” الإلكتروني والذي يعد المنصة الوحيدة التي تستطيع النساء من خلالها السفر أو استصدار جواز السفر في المملكة، أنّه ما يزال يمنع النساء من السفر أو استصدار جواز سفر دون الحصول على إذن من ولي الأمر في هذ الشأن، بسبب عدم تحديثه من قبل وزارة الداخلية السعودية.
وأبرز استمرار خضوع المرأة في المملكة لنظامٍ معين يعتمد في كثيرٍ من جوانبه على تقاليد الدولة يسمى “نظام ولاية الرجل”، وهو نظام يحرم المرأة من سلطة اتخاذ القرار دون موافقة ولي أمرها، والذي قد يكون والدها أو زوجها أو حتى أقاربها الذكور، وفي بعض الأحيان قد يكون شقيق المرأة أو ابنها في حال لم يكن لها أقارب ذكور أكبر سنًا.
وتناول التقرير نماذج لنساء تعرضن للاعتقال والتعذيب داخل أماكن الاحتجاز مثل إيمان النفجان ولجين الهذلول وريم سليمان وعزيزة اليوسف، وقائمة طويلة من حالات معتقلات الرأي في السجون ومراكز الاحتجاز.
كما استعرض حالات لنساء سعوديات تم احتجازهن وتعذيبهن، عبر شهادات ومعلومات من قبل المعتقلات ونشطاء محليين وأقارب للمعتقلات وغيرهم ليتم توثيق ما مرت به الناشطات من قمع وانتهاك.
واعتقلت سلطات آل سعود في أيار/مايو 2018 الناشطة الحقوقية لجين الهذلول، بتهمة تجاوز الثوابت الدينية والوطنية، بالإضافة لدعم جهات خارجية مشبوهة، حيث تم اقتيادها عنوةً لمكانٍ مجهول وحرمانها من حقوقها في الدفاع عن نفسها شمل منعها من توكيل محام.
وبحسب أقارب الهذلول، تعرضت لجين أثناء اعتقالها لأكثر صنوف التعذيب قسوة، إذ تم تهديدها بالاغتصاب والقتل وصُعقت بالكهرباء، وتعرضت لمحاولة التجريد من الملابس وتصويرها، فضلاً عن إيداعها الحبس الانفرادي، وهي ما تزال تقبع في السجون السعودية حتى هذه اللحظة.
وفي نيسان/أبريل 2019 اعتقلت سلطات آل سعود الكاتبة خديجة الحربي وهي في شهور حملها الأخيرة آنذاك، ومن المرجح أن ولادتها قد تمت في السجن في ظروف صحية سيئة، علمًا أن أخبارها منقطعة تمامًا منذ ذلك الوقت.
وفي شباط/فبراير 2020 اعتقلت سلطات آل سعود لعدة أيام الفنانة الشابة “أصايل البيشي” على خلفية إطلاقها أغنية راب اسمها “بنت مكة”، حيث جرى التحقيق معها واحتجازها بتهمة “التعدي على النظام العام والقيم الدينية والآداب العامة”.
وأوصى تقرير المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان سلطات آل سعود وفي إطار تعهّداتها الدولية، بالالتزام بكافة معايير حقوق الإنسان في جميع إجراءاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية، فيما يتعلق بالحقوق الأساسية للنساء السعوديات، واعتقال النساء بشكلٍ تعسفي، أو ظروف احتجازهن.
وبهذا الصدد شدد على وجوب الإفراج الفوري عن المعتقلات أو المحتجزات، وإسقاط جميع التهم الموجهة لهن، والتي طالتهن بسبب قيامهن بنشاطات مشروعة، وتعويضهن تعويضاً عادلاً.
ودعا تقرير المرصد الحقوقي الدولي إلى ضمان المحاكمة العادلة لكافة المعتقلين والمحتجزين بمن فيهم النساء، وتمكينهن من حقوق الدفاع بما ينسجم مع معايير ومبادئ القانون الدولي.
وحثّ كذلك على اتخاذ خطوات إصلاحية حقيقة قادرة على تمكين النساء السعوديات من ممارسة حقوقهن الأساسية ورفع القيود المفروضة عليهن، وتعديل المنظومة التشريعية المتعلقة بالمرأة بما يساعدها على التمتع بكافة حقوقها، وإجراء تحقيق شامل في جميع مزاعم التعذيب وغيره من ضروب المعاملة المهينة والحاطّة بالكرامة، وتقديم المتهمين للعدالة.