تلعب السعودية دورا تخريبيا في قيادة الثورات المضادة لثورات الربيع العربي منذ انطلاقها في العام 2011. ويتم تدبير ذلك من مراكز أبحاث أسستها السعودية لتدبير مؤامراتها في الخفاء.
ويجمع المراقبون على أن الاضطرابات في منطقة الشرق الأوسط قد زادت مع تدخل السعودية في مواجهة ضد ثورات الربيع.
إذ دفعت الرياض بحالة من الفوضى الهائلة، ومثال على ذلك دول كثيرة، وأن التوغل السعودي في البحرين مثلا في أواسط مارس من عام 2011، كان بمثابة عهد جديد من السياسات الاستباقية السعودية ضد أي تحول ديمقراطي في المنطقة.
ويحتل الإنفاق على المجال البحثي حيزًا كبيرًا من مساعي السعودية لتدعيم طموحات ورؤى الدولة المضادة لثورات الربيع العربي، وهو حيز قد يوازي ما يُنفق على شركات العلاقات العامة وجماعات الضغط واللوبي في الغرب.
وتعتمد السعودية على مراكز الأبحاث والتفكير لترسيخ وشرعنة رؤيتها في عدد من المجالات المتباينة ابتداءً بعلاقة حركات الإسلام السياسي بالإرهاب، مرورًا بالرؤى الإستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط والتحالفات فيها، وانتهاءً بالتصورات الدينية والسياسية والاجتماعية المثلى من وجهة نظر المملكة.
كما يأخذ الاستثمار السعودي في البحث العلمي أشكالًا عدة، أبرزها إنشاء مراكز أبحاث ومراكز تفكير وطنية، وتمويل مراكز إقليمية وغربية، وإقامة شراكات مع مؤسسات دينية ومجتمعية بهدف التغلغل فيها، وكذلك إقامة شراكات مع منظمات دولية.
لكن تظل هناك فروق بين أساليب المملكة، أبرزها الدرجة الأعلى من المؤسسية والاحتراف التي تحظى بها المراكز السعودية وقد تضاهي بها مراكز الأبحاث الغربية، بينما لا تزال المراكز السعودية ضعيفة الإنتاج البحثي ومعتمدة على شهرة أسماء شخصيات بعينها أو مؤسسات حاضنة.
ويجدر في هذا الصدد توضيح أن سجل المملكة وإن أثار الشبهات حول الإنتاج البحثي لتلك المراكز، فإنه لم يؤثر بنفس الدرجة على فعالية الدولة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف.
فالشركاء الدوليون، وإن كانت لهم تحفظات على سجل المملكة في حقوق الإنسان أو في نشر الفكر المتطرف، إلا أنهم ما زالوا يعتبرون حكومات الخليج كافة، وفي القلب منها حكومة السعودية شريك أساسي في المكافحة الفكرية للإرهاب والتطرف.
وذلك للاقتناع المتزايد في الغرب بأهمية إشراك الشركاء المحليين المعنيين في بناء صيغ جديدة بديلة عن الرؤى الدينية المتطرفة – من وجهة نظرهم.
ولعل غياب التجديد في الخطاب الإسلامي التقليدي واقتصاره على الدعاة وعلماء الدين، ومسارعة قوى الثورات المضادة ببث خطاب بديل بآليات ووسائل حديثة، وتزامن كل ذلك مع صعود “تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام(داعش)” وتشكل تحالف دولي لمحاربته. لعل كل تلك العوامل تضافرت ليرى الغرب في الخطاب الديني السعودي الجديد فرصة يجب استثمارها للقضاء على منابع الفكر المتطرف.
كذلك فإن العزلة النسبية لحقل المكافحة الفكرية للإرهاب والتطرف عن بقية الحقول العلمية تجعل من العاملين في الحقل على دراية غير كافية بديناميكيات الفكر والخطاب الإسلامي والتنافس الإقليمي على احتكار الخطاب والتجديد فيه، وهو بدوره ما يجعل العاملين في هذا الحقل من الباحثين الغربيين على استعداد للتعاون مع الهيئات الحكومية العربية وفي مقدمتها المراكز والمبادرات السعودية، حتى وإن كانت لدى أولئك الباحثين اعتراضات حقيقية على سلوكيات تلك الدول في مجالات أخرى.
كل هذه العوامل تدعم هيمنة مراكز الأبحاث السعودية على ساحة التعاون الدولي والأممي لمكافحة الإرهاب والتطرف، خاصة وأنها الدولة الأقدر والأكثر رغبة في الإنفاق على مثل تلك المراكز.
ومراكز الأبحاث السعودية يتعدى دورها الهجوم العلمي المنظّم على خصوم المملكة وبثّ صورة إيجابية عنها للعالم.
إذ أن الاهتمام السعودي بالبحث يتعدى مجرد إنشاء مراكز للأبحاث أو تمويل مراكز مرتبطة بدوائر صناعة السياسات، بل يجدر النظر كذلك في العلاقات التي تربط المملكة بالمؤسسات العلمية والجامعات في الغرب، حيث توضع قضايا الإسلام والشرق الأوسط في أطر تحدد المفاهيم والخطاب لفترات طويلة لاحقة، وحيث تتشكل التصورات المسبقة لكثير من الباحثين الذين يتوجهون فيما بعد للعمل في مراكز التفكير.
ولا يجب الاستهانة بخطورة الاستثمار السعودي في المؤسسات العلمية كذلك، إذ ظهر خلال الجدل الثائر حول التمويل السعودي لمراكز التفكير أنه عوضًا عن تحكم المموِّلين المباشر بآراء الباحثين بتلك المراكز، يأتي الباحثون إلى تلك المراكز أصلًا متبنين لآراء متقاربة وآراء المموِّلين.
ومن المراكز التابعة للسعودية/ مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية
تأسس مركز الملك فيصل في الرياض عام 1983 من قِبل مؤسسة الملك فيصل الخيرية، وبدأ أعماله كمكتبة لحفظ الوثائق. ورغم وجود نشاط بحثي خاص بالمركز وإصداره مجلات بحثية إلا أن إدارة البحوث لم تتأسس سوى عام 2013 لتتناول المسائل السياسية والإستراتيجية والثقافية، وتندرج تحت تلك الإدارة وحدات الدراسات الأمنية، والفكر السياسي المعاصر، والاقتصاد السياسي، ودراسات أفريقيا، والدراسات الآسيوية. ويرأس مجلس إدارة المركز الأمير تركي الفيصل بن عبد العزيز آل سعود.
تعكس إصدارات وأخبار المركز التوجهات الرسمية السعودية خاصة فيما يتعلّق بمسألتي حرب اليمن والشأن الإيراني. ويشارك المركز ورئيس مجلس إدارته باستمرار في لقاءات ومنتديات دولية ويعقد مؤتمرات سنوية (منها مؤتمر الفكر السياسي الإسلامي) بحضور شخصيات أكاديمية عربية وأجنبية.
كما يعقد المركز شراكات مع مؤسسات دولية، كاتفاقية شراكة مع جامعة كينغز لندن لإطلاق مشروع بحثي مشترك عن الجماعات والتنظيمات ـ ما دون الدولة ـ (غير الحكومية non-state actors) المؤثرة في الساحة السياسية العربية، وكذلك اتفاقية تعاون ثقافي وعلمي مع الرابطة المحمدية للعلماء بالمغرب. ومن اللافت للنظر كذلك تدشين المركز لنسخة موقعه الإلكتروني باللغة الصينية.
ومركز سمت للدراسات
تأسس مركز سمت عام 2017 في الرياض، ويتسع نطاق عمله ليشمل – إلى جانب البحوث والتقارير والإحصاءات – تقديم الاستشارات للدول والمنظمات وصانعي القرار، وإدارة السمعة للشركات والمنظمات.
كما يندرج تحت المركز عدد كبير من الوحدات المتخصصة في الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكذلك في الدراسات التركية والإيرانية، ودراسات عن رؤية السعودية 2030، كما يعمل على ملف عن التطرف والإرهاب. وتعكس منشورات المركز المختلفة بوضوح ودون مواربة توجهات الحكومة السعودية تجاه الإخوان المسلمين وقطر وتركيا وإيران وغيرهم ممن تعتبرهم المملكة خصومًا لها.
وبعد عام من إنشائه دشّن المركز في أبريل (نيسان) 2018 منتدى سمت الدوري ليكون منصة تجمع الباحثين المهتمين بالشؤون الإقليمية والدولية تقعد فيه ورش العمل واللقاءات لبناء الإستراتيجيات واستشراف المستقبل.
ومركز اعتدال العالمي لمكافحة التطرف ومركز الحرب الفكرية التابع لوزارة الدفاع السعودية
أنشئ مركز اعتدال على هامش القمة العربية الإسلامية الأمريكية المنعقدة بالرياض في مايو 2017. وحسب موقع العربية الإلكتروني فهو «يواجه منابع التطرف الفكري ويرصد لغات ولهجات المتطرفين ويتتبع كافة مصادرهم المادية والبنكية وممتلكاتهم العينية»، ويعمل على تشارك المعلومات الأمنية مع الدول المؤسسة للمركز. يعلن الموقع الرسمي للمركز عن اعتماده في التمويل على دول ومنظمات مختلفة، كما يخضع لـ”لجنة فكرية عليا” مشكلة من علماء من مختلف بقاع العالم الإسلامي تشرف على إنتاج المركز.
ورغم استهداف المركز في رسالته لرصد وتحليل الخطاب المتطرف، إلا أن المواد المتاحة على موقع المركز لا تتضمن أية تقارير أو دراسات، بل يقتصر المحتوى على مواد إعلامية دعائية مضادة للفكر المتطرف.
لكن للمركز نشاط واضح على صعيد تنظيم زيارات لجهات عدة عربية ودولية وغير رسمية لاستعراض إنتاج المركز وتوجهاته، تنوعت الوفود ما بين ممثلين عن حكومات وعن هيئات تابعة للأمم المتحدة وممثلين عن الطائفة الإنجيلية في الولايات المتحدة وغيرهم.
كما يشارك المركز في فعاليات مكافحة التطرف مثل ندوة منظمة التعاون الإسلامي المنعقدة بجدة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018.
ويدرج المركز ضمن أهدافه وأنشطته التطوير المستمر لتقنيات رقمية لعزل ورصد الخطاب المتطرف ومؤيديه “من خلال مزيج مبتكر من تحليل المحتوى وتحليل الشبكات والأساليب الإحصائية” بالإضافة لبناء قواعد بيانات ونظام للتعرف على الوجوه يخزن صور الأفراد المرتبطين بدعاية أو عمليات إرهابية.
أما مركز الحرب الفكرية التابع لوزارة الدفاع والذي يرأسه ولي العهد السعودي فتتشابه أهدافه وأنشطته مع أهداف وأنشطة مركز اعتدال، المتمثلة بالأساس في التواجد الكثيف على منصات التواصل الاجتماعي وتنظيم الزيارات مع ممثلين رسميين وهيئات مجتمعية وطلاب، مع فارق التركيز الأكبر للمركز على المفاهيم الإسلامية والشرعية وقضايا التأصيل والاستدلال. وشارك المركز في معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 2019 بندوة تعريفية عن أهدافه وأنشطته.