فضح تحقيق فرنسي حجم مؤامرة نظام آل سعود في ليبيا عبر تمويل مرتزقة روس للقتال في صفوف ميليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر في حربه ضد حكومة الوفاق الوطني في البلاد.
وقال التحقيق الذي نشرته صحيفة “لوموند” الفرنسية، إن نظام آل سعود متورط بتمويل عمليات مرتزقة فاغنر الروس الذين يقاتلون إلى جانب ميليشيات حفتر في ليبيا لنشر الفوضى والتخريب في البلاد.
وذكر التحقيق أن دعم حفتر ليس أكثر من أداة ضغط تفاوضية استخدمتها روسيا لتثبيت وجودها في ليبيا كلاعب رئيسي.
وأشارت إلى أن تقريرا أمميا كشف أن مقاتلين أجانب قادوا ستين غارة جوية دقيقة، من أصل 170 شنها طيران موال لحفتر على
العاصمة طرابلس. ونقلت لوموند عن خبراء قولهم إن هؤلاء المقاتلين من مصر والإمارات.
ويعتقد أن تدخل آل سعود في ليبيا يأتي ضمن توجهات حلفائه في الإمارات ومصر وله علاقة وثيقة بالصراع على الغاز في منطقة شرق المتوسط.
وسابقاً اتُّهمت الإمارات ومصر بتمويل مرتزقة “فاغنر” الروس، إضافة إلى تمويل وتسليح مرتزقة من عدة دول يقاتلون إلى جانب حفتر، الساعي للإطاحة بحكومة “الوفاق” الوطني المعترف دولياً.
وتعد مجموعة “فاغنر” أشهر شركة أمنية روسية، وتماثل شركة “بلاك ووتر” الأمريكية، ويعمل تحت لوائها مئات المرتزقة الروس، وتتولى -بحسب تقارير صحفية- تنفيذ ما توصف بالعمليات “القذرة” في مناطق النزاع المختلفة.
ووجود المرتزقة من القوات الروسية يزعزع استقرار ليبيا ويصعد من إمكانية سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين.
وأكدت حكومة الوفاق الشهر الماضي، أنها وثَّقت وجود ما بين 600 و800 مقاتل روسي بليبيا، وقالت إنها تجمع أسماءهم وأدلة أخرى على مشاركتهم في القتال؛ لمواجهة الحكومة الروسية بها، في حين تنفي موسكو وجود أي قوات تابعة لها بليبيا.
وتتهم حكومة الوفاق المعترف بها دوليا في ليبيا آل سعود والإمارات ومصر بالتورط في تنفيذ عمليات عسكرية بالأراضي الليبية دعماً لمحاولة حفتر الانقلاب والسيطرة على العاصمة طرابلس.
ويتحمل نظام آل سعود جزءً كبيرا من مسئولية ما يتم ارتكابه من جرائم حرب وانتهاكات بحق المدنيين في ليبيا على خلفية الدعم الخفي من المملكة لحفتر.
ففي يوم 27 مارس/آذار 2019، زار اللواء حفتر المملكة، حيث استقبله الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده محمد بن سلمان، وأجرى أيضا مباحثات مع وزير الداخلية ورئيس جهاز الاستخبارات العامة.
جاءت الزيارة -كما اتضح لاحقا- قبيل عملية عسكرية كبرى كان يعد لها حفتر، تقضي بالهجوم على العاصمة طرابلس، وبالتالي السيطرة على المنطقة الغربية والهيمنة على الدولة الليبية وفق ما خطط له.
وأشارت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية -في عددها ليوم 12 أبريل/نيسان 2019- إلى أن الرياض وعدت حفتر بعشرات ملايين الدولارات للمساعدة في دفع تكاليف العملية العسكرية التي أطلقها في طرابلس يوم 4 أبريل/نيسان.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول سعودي بارز -لم تسمه- قوله “لقد كنا كرماء معه”، في إشارة إلى تلقي اللواء الليبي المتقاعد دعما ماليا سخيا من المملكة لإنجاز مهمته العسكرية في ليبيا.
إضافة إلى المساعدة المالية، كان حفتر يطمح من خلال تلك الزيارة لتدخل سعودي لدى واشنطن لإقناعها بحملته على طرابلس، وأن تستخدم أيضا نفوذها على بعض الدول العربية لطمأنتها بشأن العملية وتوابعها.
عاد حفتر إلى ليبيا بعد تلقيه الدعم المالي والتطمينات اللازمة، وحصل على الضوء الأخضر لبدء الهجوم على طرابلس وتنفيذ ما يراه الجزء الأخير من مشروعه العسكري والسياسي.
قبل سنوات، كانت الرياض قد انضمت عمليا إلى كل من الإمارات ومصر في تبني مشروع حفتر في ليبيا، ففي أغسطس/آب 2017 اعتقلت ثلاثة من القياديين المحسوبين على حكومة طرابلس أثناء تأديتهم العمرة، وسلمتهم إلى سلطات شرق ليبيا الموالية لحفتر استجابة لطلب من الإمارات.
وجاء هذا الاصطفاف السعودي إلى جانب حفتر باعتبار المملكة جزءا من هذا التحالف الذي يناهض الثورات الشعبية في المنطقة ويدعم سيطرة العسكر على الحكم، كما أنه يشكل امتدادا لتحالف التيار المدخلي السلفي ذي الخلفية الوهابية في ليبيا مع اللواء المتقاعد والقتال إلى جانبه.
فحينما أطلق حفتر عام 2014 ما عرف بعملية الكرامة، أفتى الشيخ السلفي السعودي ربيع المدخلي لأتباعه في ليبيا بالقتال ضمن قوات حفتر، باعتباره “ولي أمر شرعيا” مخولا من “ولي الأمر” -أي البرلمان المنعقد في طبرق- وبناء على ذلك انضمت المئات من هذا التيار للقتال في صفوف قوات حفتر في معارك بنغازي ودرنة وغيرها، ضمن ما عرف بـ”كتائب التوحيد”.
وبالإضافة إلى مئات المقاتلين الموزعين على محاور القتال، سمح حفتر بتغلغل أتباع التيار المدخلي في معظم الأجهزة والإدارات في مناطق سيطرته شرق ليبيا، وخاصة بوزارة الأوقاف ودار الإفتاء، وبالتالي سيطروا على المساجد والمنابر.
ومنذ بدء حملته العسكرية المسماة “عملية الكرامة” ببنغازي في مايو/أيار 2014 تواترت الأدلة عن حصول حفتر على أسلحة من الإمارات ومصر ودول أخرى رغم الحظر الأممي فضلا عن الدعم المالي من نظام آل سعود.