تلاحق نظام آل سعود اتهامات متواترة بالضلوع مع حلفائه في دولة الإمارات بتعمد تعطيل إمدادات النفط في ليبيا عبر تعليمات أصدرتها إلى خليفة حفتر.
وكشفت مصادر ليبية أن حفتر تلقى عرضاً مالياً من أبوظبي والرياض مقابل الاستمرار في وقف انتاج النفط المستمر منذ ما يقارب العشر أيام.
وأعلن بيان يحمل توقيع “ملتقى القبائل والمدن الليبية”، العزم على “إيقاف تصدير النفط من جميع الموانئ الليبية بدءاً بميناء الزويتينة النفطي”، وطالب البيان الذي لم يرد فيه اسم قبيلة أو مدينة بعينها، جهات الاختصاص والمجتمع الدولي بـ”فتح حساب لإيداع إيرادات النفط حتى تشكل حكومة تمثل كل الشعب الليبي”.
غير أن رئيس حزب “العدالة والبناء”، محمد صوان، رجّح في تصريح لقناة ليبية، بأن وقف إنتاج النفط قد تكون وراءه دول داعمة للواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، فيما كشف مصدر برلماني عن وقوف دولة الإمارات وراء قرار غلق الموانئ والحقول الليبية.
وقال صوان إنّ “العمل الغوغائي لوقف إنتاج وتصدير النفط، أشم وراءه رائحة الدول الداعمة لحفتر بعدما أحدثت الاتفاقية مع تركيا توازناً وأصبح الحسم العسكري بعيد المنال”.
أمّا البرلماني المقرّب من لجنة الطاقة والموارد الطبيعية بمجلس النواب المجتمع بطبرق، فقد كشف النقاب عن لقاء جمع مستشار ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، علي الشامسي، الثلاثاء الماضي، في العاصمة المصرية القاهرة، بضباط مقربين من حفتر، أحدهم يدعى عبد الكريم هدية”.
وأكد البرلماني أن هدف اللقاء كان من أجل بحث مواصلة العمل على غلق الموانئ والحقول الليبية، مضيفاً أنّ اللقاء تناول اعتراض شخصيات عسكرية تتولى إدارة ما يعرف بـ”هيئة الاستثمار العسكري” التابعة لحفتر، على استمرار وقف إنتاج النفط كونه يعرقل أحد أبرز الموارد المالية لقوات حفتر.
ودون أن يقدم تفاصيل واسعة، أكّد البرلماني الذي فضل عدم نشر اسمه أن أبوظبي والرياض قررتا زيادة الدعم المالي الذي تقدمانه لحفتر لقاء قبوله باستمرار قرار وقف الإنتاج النفطي.
وفي ما يشبه عدم رضا حفتر عن قرار وقف إنتاج النفط، نفى المتحدث الرسمي باسم قيادة قوات حفتر أحمد المسماري، في مؤتمر صحافي، أول من أمس السبت، علاقة القيادة بالقرار، موضحا أن “إقفال الحقول والموانئ النفطية هو حراك شعبي بمحض الإرادة الشعبية ولا علاقة للقيادة به”.
غير أن المصدر البرلماني الليبي نفسه، أكد أن مجموعة تنشط في تهريب النفط الليبي المكرر لصالح حفتر كان يقودها علي القطراني العضو السابق بالمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، سلمت أعمالها قبل سنتين لـ”هيئة الاستثمار العسكري”.
وتحدث البرلماني عن “كيفية استفادة الجهات التابعة لحفتر من منتجات النفط من خلال تضخيم الاحتياجات النفطية اللازمة لتشغيل موانئ، حيث تعبأ سفن شحن النفط بالحمولة التي تسعها بينما تباع الكميات الزائدة عن طريق التهريب”.
وفي وقت يتسم فيه الموقف الدولي بالتردد بسبب الخلافات الدولية بشأن الملف الليبي، لم يزد بيان مشترك ضم الولايات المتحدة بريطانيا والاتحاد الأوروبي عن حد المطالبة بـ”إعادة فتح الموانئ والحقول”.
وبينما حذّرت حكومة الوفاق من تداعيات وقف الإنتاج النفطي، اتّهم رئيس المجلس الرئاسي، فايز السراج، حفتر باستخدام “النفط كورقة للضغط وصرف الأنظار عن فشله العسكري”.
وكان نائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، أحمد امعيتيق أكد خلال لقائه بالقائم بأعمال سفارة المملكة المتحدة لدى ليبيا نيكولاس هوبتون، أن الاستمرار في إقفال الموانئ النفطية ستكون له تداعياته السلبية ليس على ليبيا فقط بل على المنطقة بالكامل.
ودعا امعيتيق، بحسب ما نقل عنه مكتب الإعلام التابع للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، مجلس الأمن إلى القيام بدوره في هذا الشأن.
وبحسب المحلل السياسي الليبي مروان ذويب، فإن النفط ورقة مهمة دولياً يمكن قلبها على حفتر إذا أحسنت حكومة الوفاق استثمارها بشكل جيد في الأوساط الدولية، مبيناً أنّ من يقف وراء قرار وقف إنتاج النفط يستفيد من قرارات دولية كقرار الأوبك في ديسمبر/كانون الأول الماضي الذي يعفي ليبيا من قرار خفض الإنتاج 1.7 مليون برميل يومياً للتملص من أي لفت للأنظار الدولية.
وفي السياق نفسه، أوضح أن أوروبا التي تستورد أكثر من 85 في المائة من صادرات النفط الليبية لن يكون من السهل عليها البحث عن بديل في زمن قصير. وتبدو هذه القضية مهمة للحكومة لقلب أوضاع تراجع صادرات النفط على حفتر.
واعتمدت بلدان مثل إيطاليا وفرنسا وإسبانيا على ليبيا خلال عام 2010 بنسب 22 في المئة و16 في المئة و13 في المئة على التوالي من إجمالي استهلاك النفط. وهي واردات لن تستبدل بسهولة على المدى القصير بالنظر إلى أن أوروبا تستورد أكثر من 85 في المئة من صادرات النفط الليبية.
كذلك لم تخف الإمارات رغبتها في الاستحواذ على النفط الليبي، فقد مكّنت الحكومة الموالية لحفتر، في شرق البلاد، من فتح حساب مصرفي جديد لديها لإيداع العائدات فيه استعدادا لبدء تصدير النفط عبر مؤسسة موازية في بنغازي، قبل أن تلاقي الخطة رفضاً دولياً.
وبحسب تصريحات رئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله، في أكتوبر/تشرين الأول 2018، فقد سهلت الإمارات تهريب النفط الليبي من خلال “الشركات المسجلة أو الأشخاص المقيمين في أبوظبي” عبر إبرام عقود غير قانونية مع المؤسسة الموازية في بنغازي، بل وجهات غير مصرح لها للتعاقد بطريقة غير شرعية تتعارض مع قرارات مجلس الأمن الدولي.
وفي الشق الاقتصادي، لا يزال تأثير قرار وقف إنتاج وتصدير النفط يلقي بآثاره على الاقتصاد في البلاد.
وبحسب المؤسسة الوطنية للنفط، فإن الخسائر التي تكبدها القطاع إثر إغلاق الموانئ والحقول النفطية وحالة القوة القاهرة المُعلنة منذ الـ18 من يناير/كانون الثاني الجاري، بلغت 318 مليون دولار، بعدما بلغت 256.6 مليون دولار حتى تاريخ 23 يناير.
وأضافت المؤسسة، في بيان حصرت فيه حجم الخسائر، أن معدل إنتاج الخام انخفض إلى أقل من 285 ألف برميل في اليوم بعدما كان يفوق الـ1.2 مليون برميل يومياً.
وفي حين وصف محافظ “بنك ليبيا” المركزي، الصديق الكبير، في تصريح لوكالة “رويترز”، الجمعة الماضي، وقف إنتاج وتصدير النفط بـ”الرصاصة في الرأس”، رأى ذويب في حديثه لـ”العربي الجديد”، أن وقوف الإمارات وراء هذا القرار يعني توغلها بشكل كبير في الشأن الليبي ما سمح لها بتجاوز حتى حفتر وترضيته من خلال زيادة الدعم المالي الذي يصله منها ومن الرياض، معتبراً ان القرار متعدد الأهداف.
وبالإضافة لمحاولة حصار حكومة الوفاق اقتصادياً، بحسب المحلل السياسي، فإنّ النفط يعد ورقة دولية للضغط في اتجاهات عديدة منها عرقلة السعي التركي لاستعادة حدودها المائية في البحر المتوسط الغني هو الآخر بموارد الطاقة، وباتجاه أوروبا أيضاً المستفيد الأول من النفط الليبي.
وواجه قرار سابق لحفتر بنقل تبعية إنتاج وتصدير النفط لمؤسسة موازية في بنغازي في يونيو/حزيران عام 2018 برفض أميركي صريح أرغمه على التراجع عن قراره خلال 24 ساعة، وهو قرار يرى ذويب أن الإمارات كانت تقف وراءه أيضاً، لكنها اليوم تمكنت من إيجاد آلية لتعمية من يقف وراء قرار إغلاق موانئ النفط للوصول إلى أهدافها.