أطلقت منظمة العفو الدولية حملة عالمية تستهدف التصدي لمملكة القمع السعودية في ظل نهج السلطات بسجن أشخاصًا والحكم على بعضهم بالإعدام بسبب تعبيرهم عن آرائهم الناقدة.
وقالت العفو الدولية إن السلطات السعودية بقيادة محمد بن سلمان تنفق مليارات الدولارات على حملة ترميم للصورة من أجل تلميع سمعة السعودية على المسرح العالمي.
وبحسب المنظمة تستثمر الحكومة السعودية مبالغ ضخمة في مجالات الرياضة، والأعمال، والترفيه لصرف انتباه العالم عن سجلها بالغ السوء على صعيد حقوق الإنسان.
ويُستقدَم المشاهير والرياضيون إلى السعودية جوًا لتقديم صورة دولة برّاقة ومتطورة كليًا. وهذه الصورة التي رُسمت بعناية أبعد ما تكون عن الحقيقة.
فمنذ تولي ولي العهد السلطة، شهد وضع حقوق الإنسان تدهورًا متسارعًا؛ إذ يواجه الناس في السعودية قمعًا لحرية التعبير غير مسبوق، ومن ضمن ذلك أحكام شديدة بالسجن بسبب تعليقات انتقادية على وسائل التواصل الاجتماعي.
وتصل عمليات الإعدام على خلفية مجموعة واسعة من الجرائم إلى مستويات قياسية. والآن يهدّد نظام عقوبات مرتقب بترسيخ هذه الانتهاكات الرهيبة.
منع حملة تلميع الصورة في السعودية
حثت العفو الدولية على أن أوسع تحرك عالمي لمنع حملة تلميع الصورة في السعودية من دفن حكايات السعوديين الشجعان المسجونين على خلفية التعبير عن بآرائهم من أجل التغيير في بلادهم.
وقد تبنّت السلطات السعودية نهجًا من عدم التسامح المطلق مع أي انتقاد مهما كان خفيفًا. وأغلقت جميع مجموعات حقوق الإنسان، فمحت بذلك أي شكل من أشكال المجتمع المدني المستقل في المملكة.
ويصدر على أشخاص بعض من أقسى أحكام السجن التي وثّقناها على الإطلاق في السعودية عقابًا على حرية التعبير – ويُحكم بالإعدام على آخرين.
تقضي سلمى الشهاب، وهي طالبة دكتوراه وأم لطفلين قُبض عليها خلال زيارة لها إلى السعودية من المملكة المتحدة – عقوبة بالسجن لمدة 27 سنة لمجرد تغريدها على تويتر تأييدًا لحقوق المرأة.
وحُكِم بالإعدام على محمد الغامدي في يوليو/تموز 2023 بسبب انتقاده للسلطات على تويتر علمًا أن إجمالي عدد متابعي حسابيه يبلغ 10 أشخاص فقط وبسبب متابعته حسابات ناقدة للحكومة على يوتيوب.
وتجري المحاكمات في العديد من قضايا التعبير أمام المحكمة الجزائية المتخصصة سيئة الصيت المخصصة للمحاكمة على الجرائم المتعلقة بالإرهاب، لكنها تُستخدم كسلاح لإسكات الأصوات المعارضة.
وتُصدِر هذه المحكمة أحكامًا قاسية عقب محاكمات جائرة بشكل صارخ لمدافعين عن حقوق الإنسان، ونشطاء، وصحفيين، ورجال دين، وأشخاص عاديين.
شراء سكوت العالم بحملة لتلميع الصورة
في عام 2017، أعلنت وزارة الإعلام السعودية حملة عالمية للترويج للوجه المتغيّر للسعودية لدى سائر دول العالم وتحسين النظرة الدولية إلى المملكة.
وقد وُظّف خبراء في العلاقات العامة للتسويق لوهم إحراز تقدُّم وإصلاح ولمجابهة التغطية الإعلامية السلبية للبلاد.
وقد بنى صندوق الثروة السيادي السعودي، وهو صندوق الاستثمارات العامة، الذي يرأسه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، موطئ قدم بعدة مليارات من الدولارات في قطاعات الترفيه، والرياضة، والتكنولوجيا.
وهرعت الشركات وشخصيات تعمل في مجالَيْ الرياضة والترفيه للاستفادة من سخاء السعودية المالي. ومدّ قادة العالم البساط الأحمر لولي العهد، ناسين تنديداتهم الحقوقية السابقة.
وفي هذه الأثناء، شهد وضع حقوق الإنسان في المملكة تدهورًا متسارعًا.
فبالإضافة إلى سياسة عدم التسامح المطلق للسلطات السعودية إزاء الانتقادات، أقدمت السلطات في عام 2022 على إعدام 196 شخصًا وما لا يقل عن 172 شخصًا في عام 2023، برغم الوعود التي أطلقتها بالحد من استخدام عقوبة الإعدام، علمًا أن رقم عام 2022 هو أعلى عدد سنوي للإعدامات سجّله باحثونا في البلاد في السنوات الثلاثين الأخيرة.
وهناك الآن سبعة شبان على الأقل مُعرّضين لخطر الإعدام الوشيك، وقد حُكم عليهم بالإعدام بسبب جرائم مزعومة ارتُكبت عندما كانوا أطفالًا. وكان عمر أحدهم لا يتجاوز 12 عامًا في وقت ارتكاب جريمته المزعومة.
“مانيفستو للقمع”
في فبراير/شباط 2021، أعلن محمد بن سلمان حزمة إصلاحات تشريعية تهدف إلى “صون الحقوق وحماية حقوق الإنسان” و”تعزيز مبادئ العدالة”.
وقد اشتملت على أول مجموعة على الإطلاق في المملكة من القوانين الجنائية التي تُعرّف الجرائم والعقوبات في قانون للعقوبات.
وحتى الآن، وفي غياب قانون للعقوبات، يستطيع القضاة تعريف الجرائم وإصدار الأحكام باستخدام سلطته التعزيرية ببدون اللجوء إلى نص قانوني، ما يؤدي إلى تباينات في العقوبات على الجريمة ذاتها.
ويحكي مشروع نظام العقوبات الذي سُرّب على الإنترنت في يوليو/تموز 2022 حكاية مختلفة. فيُبين تحليلنا أنه مانيفستو للقمع. وإليكم ما يفعله:
يقنن استخدام عقوبة الإعدام كعقوبة أساسية على مجموعة من الجرائم التي لا تقتصر على القتل العمد كما تُملي المعايير الدولية.
يعاقب على حرية التعبير، ولا يحمي الحقين في حرية تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها والتجمع السلمي.
يجرم العلاقات الجنسية التوافقية “غير الشرعية”، والعلاقات الجنسية المثلية ويقيد الحصول على الإجهاض من خلال تجريم فعليّْ الخضوع لعملية إجهاض والمساعدة في إجرائها.
لا يحمي النساء والفتيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي عبر السماح لمرتكبي الجرائم باسم “الشرف” بالإفلات من المقاضاة الجنائية.
لا يعرّف بوضوح جميع الجرائم والعقوبات، ما يتيح للقضاة حرية تصرف واسعة في تحديد ما يُشكّل جريمة والعقوبة المناسبة لها.
تقنين التمييز ضد المرأة
كذلك أخفق قانون موعود آخر صدر في عام 2022 في الوفاء بوعد الإصلاح؛ إذ إن نظام الأحوال الشخصية يقنن التمييز ضد النساء في معظم جوانب الحياة الأسرية، ومن ضمنها الزواج، والطلاق، والحضانة، والإرث، ويديم نظام وصاية الرجل.
ولا يوفر قدرًا وافيًا من الحماية للنساء من العنف الأسري. وبدلًا من ذلك، يُرسّخ الأدوار الأبوية للنوع الاجتماعي عبر توقع أن “تطيع” النساء أزواجهن، ويجعل الدعم المالي للنساء من جانب أزواجهن خلال الزواج مشروطًا بأن “تمكّن الزوجة زوجها منها”، ما يُعرّض النساء لخطر الاستغلال وإساءة المعاملة.
استغلال العمال الأجانب
إضافة إلى ذلك، وثّق باحثونا كيف أن عمال أجانب متعاقدين للعمل في مستودعات في السعودية تعرّضوا لانتهاكات خطيرة يُرجّح أن رقيت إلى حد الاتجار بالبشر لغرض استغلال العمالة على الرغم من إدخال إصلاحات محدودة في عام 2021 على نظام العمل الذي يخضع له ملايين العمال الأجانب في البلاد، وتعرّضوا لهذه الانتهاكات عبر:
التعرّض للخداع من جانب وكالات الاستقدام حول هوية صاحب عملهم وشروط وأحكام وظائفهم قبل مغادرتهم لبلدانهم الأم،
حجز أجورهم من جانب مقاولين يشكلون طرفًا ثالثًا،
إيوائهم في مساكن قذرة ومكتظة،
تعريضهم للإساءة اللفظية أو الجسدية أو التهديدات بها لاسيما عند تقديمهم شكاوى حول أوضاع معيشتهم وعملهم.
تجري كافة هذه التغييرات في سياق يتم فيه تقييد حرية التعبير بشدة ويُجرّم فيه أي نقاش انتقادي أو حوار علني حول الإصلاحات أو تأثيرها على حقوق الإنسان.