شهدت السعودية حالة واسعة من الغضب إزاء استمرار السلطات في نهج منح الجنسية لمرتزقة الأبواق الإعلامية وأخرهم الإعلامي المصري المثير للجدل عمرو أديب.
وأعلن أديب، حصوله على الجنسية السعودية بقرار من الملك سلمان بن عبد العزيز، وقوله في مقدمة برنامجه الحكاية، عبر قناة أم بي سي مصر، إنه يعمل منذ 30 عاما في حقل الإعلام بقنوات سعودية، وإنه حصل على التكريم بالجنسية السعودية، إضافة إلى جنسيته المصرية.
وأكد ناشطون سعوديون أن المواطنين ممن يصنفون من البدون في المملكة هم أولى بمنحهم حقهم في الجنسية.
وأعاد هؤلاء التذكير بقول ولي العهد محمد بن سلمان قبل خمس سنوات، خلال حواره مع الشيخ سلطان بن مهيد أحد شيوخ قبيلة عنزة، إن وزير الداخلية عبد العزيز بن نايف “مكلف من قبل الملك بدراسة ذلك الملف، وهو حاليا بمرحلة الدراسة، وإن شاء الله ينتهون قريبا”.
وعد بن سلمان الذي مر عليه خمس سنوات دون الوفاء به، جاء في رده على طلب بن مهيد، له بتسوية أوضاع أبناء القبائل العائدة أو “البدون” ومنحهم الجنسية السعودية، وذلك خلال زيارة ولي العهد له في منزله بمدينة عرعر في زيارة شخصية رفقة وزير الداخلية ومسؤولين آخرين، شاهد خلالها صورة تجمع جد بن مهيد والملك سعود، وعقب عليها قائلا: “حنّا منكم وأنتم منّا” -بحسب ما كشفه بن مهيد عقب الزيارة-.
وأعاد عضو حزب التجمع الوطني السعودي المعارض عبد الله الجريوي، نشر مقطع فيديو يوثق وعد بن سلمان لابن مهيد بقرب إنهاء ملف البدون، وانتقد منح إعلامي مصري الجنسية السعودية، قائلا: “يبخلون على أهل الأرض البدون عديمي الجنسية (القبائل العائدة) ويعطونها واحد لا ولد في هالأرض ولا عاش فيها!”.
فيما أعرب ناشطون على منصة إكس عن استيائهم من إصدار أمر ملكي بمنح الجنسية السعودية لأديب، بينما يعاني آلاف البدون من تضيق وتعنت وضياع لحقوقهم، وتسائلوا عن الشروط التي استوفاها الإعلامي المصري ليمنح الجنسية، والقوانين التي تم تجنيسه بموجبها، صابين جام غضبهم على ولي العهد الذي يسير المملكة وفق أهوائه.
وأكدوا أن البدون الذين عاشوا ويفنون أعمارهم على أرض المملكة ويحمون أرضها ويضحون بحياتهم من أجلها، أولى بمنحهم الجنسية من إعلامي يحمل الجنسية المصرية يصنف بأنه “بوق ومرتزق”، وكل ما قدمه للمملكة التملق إلى السلطة وتلميعها وإقامة علاقة صداقة مع رئيس هيئة الترفيه تركي آل الشيخ.
وليست هذه المرة الأولى التي تستفز فيها السلطات السعودية البدون بمنحها الجنسية للأجانب بدعوى أن الخطوة تتماشى مع رؤية 2030، بينما يعانون هم داخل بلادهم، إذ صدر في أكتوبر/تشرين الأول 2019، أمر ملكي بتجنيس الكفاءات الشرعية والطبية والعلمية والثقافية والرياضية والتقنية والفنية من كل أنحاء العالم.
ونشرت صحيفة سبق التابعة للحكومة الخبر مع الإشارة إلى أن الأمر الملكي بمنح الجنسية يشمل أيضا المتميزين والمبدعين ممن تتوافر فيهم المعايير المشار إليها من أبناء القبائل النازحة في السعودية وأبناء السعوديات ومواليد السعودية ممن تتوافر فيهم الشروط المشار إليها، في إشارات غير واضحة التوصيف نحو فئة “البدون”.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2021، صدر أمر ملكي يقضي بمنح الجنسية السعودية لعدد من أصحاب الكفاءات المتميزة والخبرات والتخصصات النادرة بناء على ضوء “الأمر الملكي بفتح باب تجنيس الكفاءات.. تماشيا مع رؤية 2030″، وفق ما ذكرته وكالة الأنباء السعودية (واس)، ومنح بموجبه عالم الدين اللبناني محمد علي الحسيني، الجنسية السعودية.
وعقبت المتحدثة باسم حزب التجمع الدكتورة مضاوي الرشيد، في لقائها مع التجمع، على الأمر الملكي، قائلة إن الحكومة السعودية تجنّس لأسباب سياسية وتتوجه حاليا للتجنيس لأسباب اقتصادية وسياسية، مستنكرة على السلطة القيام بذلك في حين يُحرَم أبناء البدون من الجنسية خوفا من ازدواجية الولاء، ولأن بعضهم ينتمون لقبائل معينة.
وسبق للرشيد أن دافعت مرارا عن حق البدون في الحصول على الجنسية، إذ قالت إن البدون مشكلة سياسية اجتماعية يجب أن يوفر لها حل سريع لأننا نعيش في عالم مقيد بالجنسيات وجواز السفر، موضحة أن القضية سياسية في بدايتها، حيث توجد مجموعات تقطن أرض معينة لم تشملهم عملية التجنيس منذ البداية وبقيت معلقة دون أن تعطى جنسية.
والبدون هم مجموعات من قبائل البدو العربية الرحّل يعيشون بين الحدود السعودية والعراقية والكويتية والسورية والأردنية، وبدأت معاناتهم عند وضع الحدود السياسية بين دول المنطقة، ويبلغ عدد بدون السعودية 70 ألف نسمة بحسب تقديرات رسمية وما يزيد عن الربع مليون بتقديرات غير رسمية.
ويعيش بدون السعودية بلا هوية وأوراق رسمية، ولا تشملهم الخدمات الطبية والتعليمية، وأحياؤهم مُهمشون وأمواتهم لا يُدفنون في المقابر الرسمية، ويعيشون “حياة مجمدة” تفتقد إلى الخدمات الضرورية في مجالات الحياة، ويُعانون من البطالة، وتواجه بناتهن العنوسة ولا خيار أمامهن سوى الزواج غير الموثق بسبب استحالة الحصول على صك زواج رسمي.
ويتركز البدون في شمال و جنوب السعودية، ومن هذه القبائل “آل كثير والمصعبين، وبعض قبائل العوالق والنسيين وخليفة والكرب وهمام وبالحارث، والبعض من قبائل قحطان وهمدان وعنزة وشمر وعتيبة وغيرهم، ولا يملكون خياراً آخر للحصول على الجنسية في أماكن أخرى من العالم، ولم ينجح النظام السعودي في الوصول إلى حل ناجع لمشكلتهم التي امتدت لعقود طويلة.
وطوال عقود يطالب بدون السعودية الحكومة بحل عاجل لأزمتهم وإنهاء معاناتهم وطي هذا الملف للأبد، والعدالة لهم والتعامل مع قضيتهم بإنسانية ومنح المواليد في المملكة الجنسية أو الإقامة الدائمة ومعاملتهم كمعاملة السعودي، والالتفاف إلى الحلول المقترحة والتجنيس الفوري للمستحقين ممن تنطبق عليهم الشروط.
وفي يونيو/حزيران 2021، أطلق بدون السعودية حملة على منصة إكس تحت وسم #تجنيس_بدون_السعوديه_واجب، دعمها ناشطون وحقوقيون، وطرحوا فيها معاناتهم وتحدثوا عن جذورها، موضحين أن البدون في السعودية هم جميع عديمي الجنسية على الأراضي السعودية وأبرزهم: القبائل العائلة (النازحة) .
وأكدوا أن بدون السعودية يتعرضون لاضطهاد عرقي وتمييز عنصري ممنهج، وممنوعين من “دخول المستشفيات وتلقي العلاج، التعليم وخاصة الجامعي، الدعم المادي من الدولة، فتح سجل تجاري، توثيق عقد الزواج، جواز سفر، بطاقة بنكية، شهادة وفاة، رخص دفن، الحصول على عمل، التملك العقاري، توثيق الولادة، رخصة القيادة، بطاقة هوية”.
وفي فبراير/شباط 2022، أطلق البدون حملة #التضامن_مع_البدون_والمواليد، عددوا خلالها المضايقات التي يتعرضون لها وكشفوا عن تعطل حياتهم واستغلالهم في العمل العسكري، مستنكرين حرمانهم من حقوقهم وتعمد السلطات تغييب قضيتهم وتهميشها وقمع الأصوات المطالبة بحقوقهم وتعطيل المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية.
وفي 11 مايو/أيار 2023، أطلق ناشطون وأكاديميون ومثقفون سعوديون بينهم أعضاء حزب التجمع الوطني السعودي المعارض مبادرة “الرؤية الشعبية للإصلاح في السعودية”، تتمركز حول حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية كأهم منطلقات الإصلاح، ودعت إلى ضمان احترام حقوق “البدون” بتجنيس كافة عديمي الجنسية؛ ودعمت هذه الرؤية 23 منظمة حقوقية.
وبحسب منظمة القسط لحقوق الإنسان، فإن عديمي الجنسية في السعودية لا يتمتعون بأي حقوق إنسانية، ويعيشون حياة قاسية للغاية، وتضطرهم السلطات للفقر المدقع أو الجريمة، وتزايد أعدادهم دون تقديم حلول جذرية وسريعة، مما يفاقم الوضع بشكل كبير، داعية السلطات للبدء بإيجاد حلول حقيقية تبدأ بتوقيعها الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين.
وطالبت السلطات السعودية بقبول من لا تكتمل عليه شروط الجنسية كلاجئ يتمتع بحقوق اللاجئ المنصوص عليها في الاتفاقية من النفقة والعلاج والتعليم والعمل والأوراق الثبوتية للتنقل والسفر، وتجنيس من تنطبق عليه شروط الجنسية، داعية إل تعديل نظام الجنسية العربية السعودية الذي تعتريه عيوب قانونية وإنسانية.