قال تقرير أمريكي إن ولي العهد محمد بن سلمان لا يزال على رأس السلطة في المملكة بحماية الإدارة الأمريكية الحالية وتحديدا جاريد كوشنر مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصهره.
وذكر تقرير لمجلة “نيوزويك” الأمريكية، أن كوشنر لا يزال يتمسك بدعمه لبن سلمان رغم التنديد الدولي به بسبب سجله الأسود في حقوق الإنسان وجريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية المملكة في إسطنبول التركية مطلع تشرين أول/أكتوبر 2018.
وبحسب التقرير وصف كوشنر جريمة قتل خاشقجي واعتقال المعارضين لبن سلمان بأنها “بعض الأخطاء المرتكبة من حليف جيد جدا”.
ونبه التقرير إلى أن كوشنر طور علاقة صداقة مريبة مع بن سلمان، أدت إلى استمرار وقوف إدارة ترامب إلى جانب السعودية، رغم جريمة قتل خاشقجي التي هزت العلاقات بين البلدين، وما تبعها من دعوات في الكونغرس لإعادة النظر بالشراكة الاستراتيجية.
وأبرز تفاخر بن سلمان بأن صهر ترامب “في جيبه”، إضافة إلى مدافعة ترامب بقوة عن علاقة الإدارة الأمريكية مع الرياض، رغم توصل المخابرات الأمريكية إلى أدلة تثبت تورط ولي العهد بقتل خاشقجي.
وسلطت تقارير غربية في الفترة الماضية، الضوء على العلاقة القائمة بين كوشنر وابن سلمان، وأثرها في استمرار النفوذ السعودي داخل واشنطن، رغم “الشعور المتزايد بالاشمئزاز” من تصرفات ولي العهد السعودي.
ونهاية العام الماضي تم الكشف عن رصد المخابرات الأمريكية مكالمة بين كوشنر ومحمد بن سلمان تم فيها منحه الضوء الأخضر لعملية اعتقال خاشقجي.
ونقلت مجلّة “ذي سبيكتاتور” بنسختها التي تصدر في الولايات المتحدة عن مصادرها أن المكالمة المذكورة تم كشفها عبر أحد المخبرين الذين أبدوا استعدادًا لتقديم أدلة في التحقيق الجاري لمساءلة ترامب تمهيدًا لعزله.
وتوسّع التحقيق الهادف لعزل ترامب من مكالمته مع الرئيس الأوكراني إلى علاقاته بالزعماء الأجانب.
وبلّغ المخبر المذكور عن مكالمة جرت بين ترامب وبن سلمان، وأبدى مخاوفه مما ورد فيها حول كوشنر، الذي تجمعه علاقة خاصة بولي العهد على حد وصف المجلة أيضًا.
وذكّرت المجلة بتقرير سابق لها، كان كشف أن كوشنر شارك أسراراً أميركية في مكالماته مع بن سلمان، وأن بعض المعلومات التي طلبها صهر الرئيس من وكالة الاستخبارات المركزية، تم رصدها أيضًا خلال محادثاته مع أفراد من نظام آل سعود.
وتسبب ذلك بفقدان كوشنر تصريح الوصول إلى المعلومات الحساسة في البيت الأبيض، قبل أن تكشف تقارير أميركية لاحقة أن ترامب استخدم صلاحياته الرئاسية ضد ذلك.
ووفقًا لما كشفه أحد مصادر الصحيفة، فإن كوشنر أعطى في إحدى مكالماته المرصودة، الضوء الأخضر لبن سلمان من أجل “اعتقال” الصحافي جمال خاشقجي، وهو ما يتفق معه مصدر آخر.
إلا أنه يضيف إلى ذلك أن المخابرات التركية أيضًا حصلت على مضمون المكالمة التي تم اعتراضها بين كوشنر وبن سلمان، واستخدمها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لاحقًا في دفع القوات الأميركية نحو الانسحاب من شمال سورية.
في المقابل ذلك نقلت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية أن البيت الأبيض رفض الاتهامات الموجهة ضد كوشنر ووصفوا هذا المزاعم بـ”الترهات الكاذبة”.
وسبق ذلك كشف فيلم وثائقي أميركي من أن محمد بن سلمان أقر بمسؤوليته عن مقتل خاشقجي، لأنه حدث وهو في موقع السلطة. وعلى عكس ما يتبدى للبعض من أن ذلك اعتراف مهم، سيصبّ في اتجاه قفل هذا الملف بما يحقق العدالة؛ فإن ذلك التصريح يدخل في سياق تكتيك مقصود به امتصاص الضربات المتتالية.
وفي واقع الأمر فإن نظام آل سعود يمتص الضربات لصالح الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فهو لا تخشى مؤسسات عدلية أو صحافة حرة أو رأي عام، لكن لدى ترامب في ذات الوقت ما يخشاه أيما خشية، ليس لمسؤوليته مباشرة عن جريمة اغتيال خاشقجي، بل لاتهامه بالتنصل من مسؤولية الضغط على الرياض لمحاسبة ومحاكمة المتورطين في تلك الجريمة التي هزّت الضمير العالمي.
ولعل الحرج الذي يواجهه ترامب بشكل أساسي هو ما كانت أفادت به وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي أي) وبعض الحكومات الغربية من أن ولي العهد السعودي قد أمر شخصيا بقتل خاشقجي.
واعتراف بن سلمان بأنه مسؤول عن تلك الجريمة يبدو في ظاهره مهمًّا، إلا أن الفيلم الوثائقي في تسلسل أحداثه أظهر المزيد من الغموض المقصود.
فحين سُئل بن سلمان كيف حدثت جريمة القتل دون أن يعلم بها؛ رد قائلا: “عندنا 20 مليون نسمة، وعندنا ثلاثة ملايين موظف حكومي”. وحينما سُئل عما إن كان القتلة قد استقلوا طائرات حكومية خاصة؛ كان جوابه: “عندي موظفون ووزراء لمتابعة الأمور وهم مسؤولون، ولديهم السلطة للتصرف”.
لكن من غير المعروف ما إن كانت هذه المحاولة الامتصاصية الأخيرة كافية ليمضي ترامب في مشروع إعادة انتخابه، فقد قال عضو مجلس الشيوخ الأميركي أنغوس كينغ -قبل نحو ثلاثة أسابيع- إنه يتعين على بن سلمان أن يتحمل مستوى من المسؤولية عن مقتل خاشقجي، سواء أكان أعطى الأوامر بشأنه أم لا.
ومشكلة الرياض تكمن في أنها قدمت في البداية تفسيرات متضاربة، ثم أقرت فيما بأنه تم قتل خاشقجي وتقطيع جثته داخل القنصلية، إثر فشل مفاوضات جرت معه لإقناعه بالعودة إلى السعودية.
ولعل الاعتراف الغامض الذي أدلى به بن سلمان بسبب تزايد ضغط إدارة ترامب، التي لم تستطع طوال عام الإجابة على كثير من الأسئلة والاستفسارات، من لحظة صدور بيان النيابة السعودية الذي أظهر بشكل سافر مدى الارتباك الذي يعتري الحكومة السعودية.
لم يسمّ البيان الأشخاص المتهمين بقتل خاشقجي مع أنه يفترض فيه أنه بيان قانوني صادر عن الجهة المعنية بالادعاء العام في الدولة. وكان في عدم التسمية فرصة لتحديد الأسماء لاحقا وفقا للظروف ومسارات الأزمة، انتظارا لمخرج تصنعه التقاطعات الدولية ورغبة الإدارة الأميركية الحالية على وجه الخصوص.