أوضاع مزرية للعمالة الوافدة في السعودية في ظل أزمة كورونا
وجد عامل الكهرباء السوداني نفسه عالقاً في العاصمة السعودية الرياض دون عمل، وهو مفلس تماماً، ولكن كغيره من العمال غير النظاميين، يعلّق آماله على أن يشكل تفشي فيروس كورونا الجديد فرصة له للمغادرة.
وفيما أدى فيروس كورونا إلى مغادرة عدد كبير من العاملين الأجانب، يقول حقوقيون إنّ من المحتمل وجود مئات الآلاف من العمال غير النظاميين عالقين في المملكة، ما يعقّد جهود المملكة في مكافحة المرض.
وكشف وباء كورونا بحسب نشطاء، عن وضع العمال في المملكة الذين يعيشون في مساكن مكتظة للغاية وعن مشغّلين يستغلونهم. ودعا حقوقيون المملكة إلى إعادة النظر في سياستها وإعفاء العاملين الذين قدموا إليها قبل سنوات للعمل، ولكنهم وجدوا أنفسهم عالقين في فقر وديون جعلت من الصعب عليهم المغادرة وتركتهم أكثر تعرضاً للوباء.
ويرى كثيرون أن أساس المشكلة هو نظام الكفالة الذي يقول منتقدوه إنه يربط العمال بمشغليهم السعوديين، حيث إنهم بحاجة إلى إذنهم للدخول والخروج من المملكة، وحتى تغيير وظيفتهم.
ويؤكد حاتم (45 عاماً) الذي يعيش مختبئاً في الرياض لتجنّب اعتقاله، قائلاً: “أنا لدي ستة أبناء ووالدتي واختي الكبيرة يعيشون في وضع صعب في السودان، والأسوأ منه هنا”.
ويقول حاتم الذي وصل إلى المملكة في عام 2016 إن نظام الكفالة “نظام مجحف شديد جداً”.
يرى كثيرون أن أساس المشكلة هو نظام الكفالة الذي يقول منتقدوه إنه يربط العمال بمشغليهم السعوديين
وطردت المملكة التي يقيم فيها نحو 10 ملايين أجنبي مئات الآلاف من العمال غير الشرعيين في السنوات الأخيرة، ولكن يجد الكثيرون مثل حاتم أنفسهم عالقين في دوامة من الديون، ولا يسمح لهم بالمغادرة قبل تسديدها.
ويقول أنس شاكر، وهو باحث في “ميغرانت رايتس” إن “الحكومة السعودية يجب أن تمنح العفو للعمال غير النظاميين من أجل تسوية وضعهم أو العودة إلى بلدانهم”، وحذّر شاكر من أن عدم القيام بذلك يهدد بتفاقم وباء كورونا .
وسجلت المملكة حتى الآن أكثر من 200 ألف إصابة بفيروس كورونا الجديد وقرابة ألفي حالة وفاة.
وتقول مصادر طبية إن عاملين في القطاع الصحي من أطباء وممرضين هم من بين الضحايا، وإن غرف العناية المركزة تجاوزت طاقاتها الاستيعابية.
ودعا سعوديون عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى طرد العاملين الأجانب واتهموهم بنشر المرض، بينما دعا كاتب مقال في صحيفة سعودية إلى “تنظيف” المملكة من العمالة الأجنبية الزائدة.
وبالنسبة إلى حاتم الذي يعيش معتمداً على مساعدات من الناس، فإنه دعا سفارة بلاده إلى الضغط على سلطات آل سعود لمنحه تأشيرة الخروج التي يحتاجها لمغادرة المملكة.
وروى مسؤول من جنوب آسيا عن تلقيه طلبات مماثلة لتأشيرات الخروج من عمال عالقين في المملكة تراكمت عليهم الديون.
وكانت المملكة أعلنت استثنائياً في مارس/ آذار الماضي تقديم العلاج لفيروس كورونا الجديد مجاناً للعمال غير النظاميين، وتعهدت بعدم ملاحقتهم، لكن يتخوف كثيرون من الذهاب إلى هناك.
وقال ثلاثة عمال وضعهم غير قانوني إنهم ليسوا مستعدين للذهاب، حتى لو أصيبوا بالفيروس. وأوضح عامل مصري (36 عاماً) أنه لن يخاطر بذلك بعد أن أخذ قرضاً كبيراً للعمل في المملكة سائقاً خاصاً، مضيفاً أنه “ليس هناك ما يضمن عدم اعتقالي”.
وبدأ كابوس حاتم عندما طالبه كفيله بنسبة كبيرة من مكاسبه مقابل تجديد إقامته كل عام أو ترحيله. ويؤكد عمال أجانب تعرضهم لـ”ابتزاز” مماثل من قبل الكفيل من أجل مواصلة العمل بشكل قانوني في المملكة بعد وصول الكثير منهم من بلدانهم وهم مثقلون بالديون.
وروي مسؤول من جنوب آسيا عن تلقيه طلبات مماثلة لتأشيرات الخروج من عمال عالقين في المملكة تراكمت عليهم الديون.
وكان حاتم بحاجة إلى دعم عائلته الكبيرة، لكنه قال إن هذا الطلب أدى إلى اقتراضه المزيد من الأموال ليدفع لكفيله، مشيراً إلى أن الكفيل قدّم بلاغ “هروب” ضده، ومع انتهاء إقامته، فإنه غير قادر على البحث عن عمل الآن.
وبحسب شاكر، فإنه “بالنسبة إلى مئات الآلاف من العمال، المخالفة ليست خياراً” موضحاً أن بإمكان الكفيل تقديم بلاغ هروب “عبر لمسة زر على الإنترنت” أو يختارون عن قصد تجاهل تجديد إقامة العمال. وأضاف: “يُدفَعون إلى المخالفة بسبب سياسات العمل والهجرة غير الكافية التي تمنح أصحاب العمل سيطرة كبيرة عليهم”.
الجدير ذكره أن سلطات آل سعود، فرضت مؤخرا سلسلة عقوبات عنصرية تتمثل بالسجن والغرامة المالية والإبعاد عن المملكة بحق الوافدين إليها، تحت ذريعة الوقاية من كورنا، لتضاف لانتهاكات طويلة جسدية ومالية وجنسية تنتقدها منظمات وهيئات حقوقية دولية.
ويعاني الملاين من الوافدين إلى المملكة بحثا عن فرصة عمل أو الإيواء من حرب هنا أو هناك أشعلتها المملكة دون أن تطفئ نارها، من سلسلة انتهاكات وعقوبات تفرضها سلطات آل سعود بحق الوافدين المسلمين إلى بلاد الحرمين.
ومنذ عام 2017، فرضت المملكة تحديات متصاعدة على الوافدين، تمثلت في إقرار رسوم إقامة مرتفعة عليهم وعلى أفراد أسرهم، ومنعهم من العمل في عدة قطاعات رئيسية، علاوة على موجة ارتفاع أسعار السلع والوقود، بسبب سلسلة ضرائب جديدة أقرتها المملكة.
وجاءت الجائحة العالمية، كورونا، لتقحم الوافدين بأوضاع سيئة، بعدما سرحت الشركات السعودية مئات الآلاف من الوافدين خلال الشهور الثلاثة الأولى من العام الجاري، بحسب مركز الدراسات الاقتصادية الخليجية.
وبذريعة مواجهة الجائحة، أقرت وزارة الداخلية في المملكة، سلسلة أحكام وعقوبات مقررة بحق مخالفي الإجراءات والتدابير الوقائية المتخذة لمواجهة الفيروس.
وبحسب وزارة الداخلية التي أقرت أربعة عشر حكما وعقوبة جديدة بحق الوافدين، فإن المخالفين أمامهم عقوبات قاسية.
والعقوبة الأولى: الأشخاص ذوي الصفة الطبيعية أو منشآت القطاع الخاص أو العاملين فيها أو المتعاملين معها، ممن يخالفون الإجراءات الاحترازية والتدابير الوقائية المتخذة من قبل الجهات المعنية لمواجهة جائحة كورونا، يفرض عليهم غرامة لا تقل عن (1,000) ألف ريال ولا تزيد على (100,000) مئة ألف ريال، أو السجن لمدة لا تقل عن شهر ولا تزيد عن سنة، أو بالسجن والغرامة معاً، مع إغلاق المنشأة لمدة لا تتجاوز ستة أشهر عند الاقتضاء.
وفي حال تكرار المخالفة تتم مضاعفة العقوبة الموقعة في المرة السابقة، ويكون تحديد مقدار عقوبة كل مخالفة وفق جدول تصنيف يتضمن كل مخالفة وما يقابلها من عقوبة، ويتم إقراره من وزير الداخلية بالاتفاق مع وزير الصحة.
العقوبة الثانية: يعاقب كل من استخدم التصريح أو الإذن الممنوح له للتنقل وقت منع التجول في غير ما خصص له، بغرامة لا تقل عن عشرة آلاف ريال ولا تزيد على (100,000) مئة ألف ريال، أو السجن لمدة لا تقل عن شهر ولا تزيد عن سنة، أو بالسجن والغرامة معاً، مع سحب التصريح أو إلغاء الإذن.
العقوبة الثالثة: يعاقب من يخالف تعليمات العزل أو الحجر الصحي، بغرامة لا تزيد على مئتي ألف ريال، أو السجن لمدة لا تزيد عن سنتين، أو بالسجن والغرامة معاً. وفي حالة تكرار المخالفة تتم مضاعفة العقوبة الموقعة في المرة السابقة.
العقوبة الرابعة: يعاقب كل من تعمد نقل العدوى للآخرين، بغرامة لا تزيد على خمسمئة ألف ريال أو السجن لمدة لا تزيد على خمس سنوات، أو بالسجن والغرامة معاً، وفي حال تكرار المخالفة تتم مضاعفة العقوبة الموقعة في المرة السابقة.
العقوبة الخامسة: يعاقب كل من سهّل لمن لا تتطلب طبيعة عمله أو ظروفه الحصول على تصريح أو إذن للتنقل وقت منع التجوال، بغرامة لا تقل عن عشرة آلاف ريال ولا تزيد على مئة ألف ريال أو السجن لمدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على سنة، أو بالسجن والغرامة معاً. وفي حال تكرار المخالفة تتم مضاعفة العقوبة الموقعة في المرة السابقة.
العقوبة السادسة: يعاقب كل من بث شائعة حيال جائحة كورونا المستجد عبر منصات التواصل الاجتماعي وتطبيقاته أو تداولها، أو نشر معلومات مغلوطة، من شأنها التسبب في إثارة الهلع، أو حرّض على مخالفة الإجراءات والتدابير ذات الصلة، بغرامة لا تقل عن مئة ألف ريال ولا تزيد على مليون ريال، أو السجن لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنوات، أو بالسجن والغرامة معاً.
وفي حال تكرار المخالفة تتم مضاعفة العقوبة الموقعة في المرة السابقة.
العقوبة السابعة: سابعاً: إذا كان المخالف لأي من البنود السابقة من المقيمين في المملكة، فيتم إبعاده عن المملكة، ومنع دخوله نهائياً إليها بعد تنفيذ العقوبة الموقعة في حقه.
العقوبة الثامنة: لا يُخل تطبيق العقوبات المنصوص عليها في البنود السابقة بأي عقوبة أخرى مقررة شرعاً أو نظاماً.
العقوبة التاسعة: توقع عقوبات الغرامة وإغلاق المنشأة والإبعاد، بقرار من وزير الداخلية – أو من يفوضه – ويتم الإعلان يومياً عن عدد العقوبات الموقعة في كل منطقة.
العقوبة العاشرة: في حال التوجه لتطبيق عقوبة السجن على أي من المخالفين، فيحال المخالف إلى النيابة العامة لاتخاذ ما يلزم في شأنه نظاماً.
العقوبة الحادية عشر: يشكل وزير العدل لجنة – أو أكثر – من ثلاثة من المختصين الشرعيين والنظاميين، تتولى النظر في التظلمات من قرارات إيقاع عقوبة الغرامة أو عقوبة إغلاق المنشأة.
العقوبة الثانية عشـر: يجوز لمن صدر ضده قرار بإيقاع عقوبة الغرامة أو عقوبة إغلاق المنشأة؛ التظلم منه أمام اللجنة المشار إليها في البند (حادي عشر) أعلاه، وذلك خلال مدة لا تتجاوز (عشرة) أيام من تاريخ إبلاغه بالقرار، ويكون قرار اللجنة في هذا الشأن نهائياً، مكتسبًا صفة القطعيّة وغير قابل للطعن أمام أي جهة أخرى.
العقوبة الثالثة عشر: يكون تنفيذ عقوبة السجن – المشار إليها في البنود السابقة – بحق المخالفين بعد زوال الظروف الاستثنائية لجائحة فيروس كورونا المستجد.
العقوبة الرابعة عشـر: تتولى الجهات المشرفة على منشآت القطاع الخاص والجهة الأمنية المعنية – بحسب الأحوال – ضبط المخالفات المنصوص عليها في البنود السابقة وتحرير محضر بذلك، تمهيداً لإحالته إلى وزارة الداخلية لاتخاذ ما يلزم نظاماً في شأنه.
وتضاف العقوبات السابقة، لسلسلة عقوبات قديمة – على سبيل المثال لا الحصر – يعاني بعض العمال من الانتهاكات والاستغلال الذي يرقى أحيانا إلى مصاف العمل الجبري، ويربط نظام الكفالة تصاريح إقامة العمال الوافدين بصاحب العمل “الكفيل” الذي تعد موافقته المكتوبة ضرورية لتغيير العامل صاحب العمل أو الخروج من البلاد في الظروف العادية.
ويصادر بعض أصحاب العمل جوازات السفر، ولا يدفعون الأجور، ويجبرون المهاجرين على العمل ضد إرادتهم. كما تفرض المملكة أيضا تأشيرة خروج، ما يجبر العمال الوافدين على استصدار تصريح من صاحب العمل قبل مغادرة البلاد، وفي هذه الحالة، يمكن اتهام العامل الذي يترك صاحب العمل دون موافقته بـ”الهروب” ويواجه السجن والترحيل.
وفي 21 سبتمبر/أيلول 2019، شرعت سلطات آل سعود بحملة شملت اعتقال أكثر من 3.8 مليون وافدا، وأحالت أكثر من 962 ألف وافد إلى الترحيل.
وتقدر “المنظمة الدولية للهجرة” ما يصل إلى 500 ألف إثيوبي في المملكة عندما بدأت حملة الترحيلات. وأفادت المنظمة أنه بين نوفمبر/تشرين الثاني 2017 ومارس/آذار 2019، تم ترحيل حوالي 500 ألف إثيوبي بمعدل 10 آلاف شخص أسبوعيا.
وفي سياق متصل، قالت إمباكت الدولية لسياسات حقوق الإنسان إن كهوفًا في مناطق نائية من العاصمة الرياض باتت ملجأ لعمال إثيوبيين هربًا من عمليات ترحيل قسري يهددهم بها نظام آل سعود بشكل جماعي في المملكة، رغم المخاطر الإنسانية والصحية التي تلاحقهم.
ووثقت مؤسسة الفكر ومقرها لندن، أوضاعًا مزرية يعانيها عشرات العمال الإثيوبيين وهم يخوضون معركة الهروب من عمليات الترحيل، ما يزيد أوضاعهم الإنسانية -المتدهورة أصلًا- سوءًا ويشكل خطرًا جسيمًا على حياتهم.
وقالت إمباكت إنها أطلعت على مقاطع مصورة توثق اختباء عمال أثيوبيين داخل الكهوف والتصدعات الجبلية الوعرة في مناطق مختلفة من الرياض مثل حي “المهدية” من حملات الملاحقة التي تشنها ضدهم الشرطة السعودية.
وأشارت إمباكت إلى أن ذلك يتم في ظل تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد – 19)، الأمر الذي يعرض سلامة العمال للخطر الشديد في ظل افتقاد أدنى معايير السلامة والوقاية.
يأتي ذلك رغم تأكيد الأمم المتحدة في 14 أبريل الماضي أن ترحيل المملكة للعمال المهاجرين غير الشرعيين إلى إثيوبيا يهدد بانتشار فيروس كورونا المستجد، وحثت الرياض على وقف الإجراء في الوقت الراهن.
وقالت وزيرة الصحة الإثيوبية “ليا تاديسي”، إن بعض العمال المهاجرين الذين جرى ترحيلهم من الممكلة تأكدت إصابتهم بفيروس كورونا، لكنها لم تكشف عن إحصاء دقيق.
وأظهرت مذكرة داخلية للأمم المتحدة أن المملكة من المتوقع أن ترحل إجمالي 200 ألف مهاجر إثيوبي.
وتبقى المملكة إحدى الدول القليلة التي لم تصدق على المعاهدات الدولية الرئيسة المتعلقة باحتجاز المهاجرين، بينما يبقى الخط الفاصل بين احتجاز المهاجرين والسجن في المملكة غير واضح، كما لا يتم السماح للمنظمات الحقوقية بفحص أوضاع المهاجرين المحتجزين داخل السجون أو في مراكز الترحيل.