يعرقل نظام آل سعود أي تحرك إسلامي بشأن معاناة المسلمين في كشمير في امتداد لتفضيله علاقاته الاقتصادية مع الهند.
ورفض آل سعود مرة جديدة طلب باكستان عقد اجتماع طارئ حول كشمير، على مستوى وزراء الخارجية في منظمة التعاون الإسلامي، وفق ما ذكرته صحيفة “داون” الباكستانية.
ونقلت الصحيفة عن رئيس الوزراء عمران خان قوله: “لا يمكننا حتى أن نجتمع معاً في اجتماع منظمة التعاون الإسلامي حول كشمير”.
وأشارت الصحيفة إلى أنّ نظام آل سعود رفض نداء خان لمناقشة قضية كشمير، في وقت يعقد كبار المسؤولين في المنظمة اجتماعاً، غداً الأحد، من أجل وضع الترتيبات لمجلس وزراء الخارجية.
ونقلت الصحيفة عن عمران خان قوله، خلال زيارة مركز أبحاث في ماليزيا، إنه يشعر بالإحباط إزاء صمت منظمة التعاون الإسلامي تجاه قضية كشمير. وأضاف: “السبب هو أنه ليس لدينا صوت، وهناك انقسام تام بيننا. لا يمكننا حتى أن نجتمع معاً في اجتماع منظمة التعاون الإسلامي حول كشمير”.
وأشارت صحيفة “ذا هيندو” الهندية، بدورها، إلى إعلان باكستان في ديسمبر/ كانون الأول الماضي تحقيقها فوزاً دبلوماسياً، عبر فرضها على السعودية عقد جلسة خاصة حول كشمير في منظمة التعاون الإسلامي، إلا أنه لم يصدر في حينها أي بيان عن المنظمة.
وفي الشهر نفسه، ألغى خان مشاركته في القمة الإسلامية المصغرة في كوالالمبور، وأكّدت مصادر أنّ إلغاء خان مشاركته فيها جاء نتيجة ضغوط خليجية، من دون أن تحدّدها، في وقت ذكرت صحيفة “إكسبرس تريبيون” أنّ قرار خان جاء نتيجة “تحفظات السعودية”، إذ زار الأخير المملكة قبل أيام، والتقى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وأكّد له “أنّ المشاركة في القمة لن تكون على حساب السعودية”.
وقاطع نظام آل سعود القمة، معتبرا أن القضايا المطروحة يجب أن تناقش عبر منظمة التعاون الإسلامي.
واعتبر خان في سبتمبر/أيلول الماضي، أن السبب الوحيد وراء معاناة الناس في كشمير هو كونهم مسلمين، وهذا يخص 1.3 مليار مسلم، مشدداً على أنه من الضروري أن يقوم العالم الإسلامي بدوره.
وقال: “إذا لم تأخذ الدول الإسلامية موقفاً حاسماً، مهما كانت الأسباب تجارية أو اتفاقيات، سيؤدي ذلك إلى زيادة التطرف، عندما لا تقوم الدول بالتعبير عن رغبات شعوبها وعندما ترى تلك الشعوب أنه لا يتم تحقيق العدالة”.
وقد أفقد نظام آل سعود المملكة دورها الريادي في العالم الإسلامي باتخاذه مواقف مشينة إزاء تعرض المسلمين للقمع والاضطهاد وفي مقدمة ذلك ما يجرى في الهند لاعتبارات اقتصادية رخيصة.
ويبرز هذا التخلي في موقف نظام آل سعود مما يجري من تمييز ضد المسلمين على يد حكومة ناريندرا مودي، ليس فقط في كشمير، ولكن أيضاً داخل شبه القارة الهندية حيث ثالث أكبر تجمُّع للمسلمين بالعالم.
وتناولت مجلة (ذا ديبلومات) الأمريكية قصة العلاقات بين الهند ونظام آل سعود من خلال التحول الذي طرأ على قضايا المسلمين حول العالم من جانب الرياض في عهد الملك سلمان ونجله محمد.
فقد واجهت الهند احتجاجات ضد قانون الجنسية الذي وضعته حكومة مودي طوال الشهر الماضي، والذي سيُؤدّي حتماً في النهاية إلى سجلّ السكان الوطني، الذي يقول النقاد إنه تمييزيٌّ ضد المسلمين وغير علمانيٍّ في نواياه. وهو ما يطرح السؤال عن أسباب صمت الدول الإسلامية في الشرق الأوسط عن الاضطرابات داخل أكثر ديمقراطيات العالم اكتظاظاً بالسكان، والدولة الثالثة عالمياً من حيث أعداد المسلمين.
وتكمُن الإجابة في أكثر من عقدٍ من التقارب، وإعادة الاصطفاف، والحقائق الجيوسياسية والاقتصادية الجديدة التي فرضت تغييراً على قواعد اللعبة في كبرى العواصم العالمية، إلى جانب نيودلهي.
وفي عام 2004 داخل ولاية غوا الساحلية جنوبي الهند، والتي تُعرف بشواطئها الرملية ومنتجعاتها الانتقائية، التقى قادة عالم النفط والغاز لصياغة استراتيجيات وجسور جديدة خلال وقتٍ سيطر فيه الخوف من “نفاد النفط”.
حينها أجرى وزير الخارجية الأمريكي السابق ريكس تيلرسون، الذي كان نائب الرئيس التنفيذي لعملاقة الهيدروكربونات الأمريكية ExxonMobil، زيارته الأولى للهند.
وكان حاضراً يومها عبدالله جمعة، الرئيس التنفيذي السابق لشركة أرامكو السعودية، التي يُمكن اعتبارها أغنى شركات العالم.
وحينها عزَّز جمعة خط صدعٍ استراتيجيٍّ جديد لنيودلهي، حين قال إن الرياض ستدعم احتياجات أمن الطاقة في البلاد، وهو دعمٌ مُهم لأمةٍ يبلغ عدد سكانها 1.3 مليار نسمة وتعتمد على واردات النفط والغاز من الشرق الأوسط لدفع اقتصادها الصاعد.
كان ذلك في بداية العقد الأول من القرن الـ21 تحديداً، حين بدأ التغيُّر في فكر الرياض يظهر على الساحة، بالتزامن مع النهضة المُحتفى بها للاقتصاد الهندي بوصفه قصة نموٍ كُبرى في آسيا، إلى جانب الصين.
وفي عام 2003، كانت زيارة أبو بكر زين العابدين عبدالكلام، الرئيس الهندي حينها، للإمارات العربية المتحدة تمثل الرحلة التأسيسية التي ستُبنى عليها الروابط الاقتصادية المُعاصرة بين الخليج والهند لاحقاً.
وفي يناير/كانون الثاني من عام 2006، كانت زيارة الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود لنيودلهي، بوصفه الضيف الرئيسي للبلاد في اليوم الجمهوري، تمثل عهداً جديداً في العلاقات السعودية-الهندية.
إذ وقَع البلدانِ “إعلان دلهي” تحت قيادة رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ، والذي يُمثّل دفةً لقيادة شراكةٍ اقتصادية وأمنية وسياسية متجددة. وأعقب ذلك زيارة سينغ للرياض عام 2010، وتوقيع “إعلان الرياض” المشترك.
وأدَّى الإعلانان إلى إعادة توجيه العلاقات المملكة والهند بشكلٍ بارز بعيداً عن الأوضاع الراهنة في التسعينيات، حين كانت علاقات الهند مع الخليج أقل من مثالية، وتتمحوّر بشكلٍ رئيسي حول العمالة المهاجرة والتبادلات النفطية والحوالات المالية الضرورية من أجل الاقتصاد الهندي.
ولكن في أعقاب عام 2004، تغيّر الوضع إلى حدٍّ كبير، إذ صارت الهند اقتصاداً ضخماً بحاجةٍ إلى مزيد من النفط، في حين كان من المتوقع أن تنخفض الإمدادات إلى الغرب بالنسبة لدول الخليج.
وهذا يعني أنَّ أمثال الرياض وحلفاءها المجاورين في الإمارات كان يتعيَّن عليهم إعادة رسم نهجهم تجاه نيودلهي، إلى جانب إعادة معايرة نفوذهم تجاه باكستان، حيث كانت الرياض تفرض سيطرةً قوية على النظام السياسي والمؤسسات الدينية والجيش.
ومن أجل وضع الأمور في نصابها، كان من شبه المستحيل تقريباً أن تُرحِّل المملكة أو الإمارات أياً من المُشتبه في كونهم إرهابيين إلى نيودلهي خلال التسعينيات.
ورغم ذلك، تمكّنت الهند من إعادة المواطنين الهنود من المملكة والإمارات خلال السنوات القليلة الماضية، ومن ضمنهم المطلوبون من أجل أنشطةٍ مُؤيدةٍ لـ “الدولة الإسلامية”، وهو ما يشير إلى انفتاحٍ جديد في العلاقات بين نيودلهي والرياض.
وفي أغسطس/آب عام 2015، أجرت القوات الجوية الهندية زيارتها التجميعية الأولى إلى المملكة في حين نفّذت الهند والإمارات مناورتهما البحرية الثنائية الأولى في مارس/آذار عام 2018. ومن المقرر عقد المناورة البحرية المشتركة الأولى بين نيودلهي والرياض في مارس/آذار من العام الجاري.
وتعجّب البعض من حقيقة ازدياد الألفة بين الهند ونظام آل سعود بسرعةٍ واضحة في عهد حكومة مودي. ومن المثير للدهشة أن الحكومة التي يقودها حزب “بهاراتيا جاناتا” الهندوسي القومي نجحت في تحريك العلاقات المتبادلة بين الهند والخليج بسرعةٍ كبيرة، رغم مواجهتها انتقادات بسبب السياسات المزعومة لمناهضة الأقليات وقضايا القتل والعنف المعادية للمسلمين في بعض ولايات البلاد.
وتفسير هذا الوضع أمرٌ مُعقّدٌ بقدر السؤال نفسه؛ إذ يكمُن التفسير في نهجٍ واقعيٍّ وضيّق للسياسة الخارجية، وقيود المصالح في العلاقات الثنائية، وتصوُّر الأمن المحلي والإقليمي بالنسبة للجانبين.
وظهر ولي العهد محمد بن سلمان عازماً على السير على خطا ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد من أجل تقليل اعتماد اقتصاد المملكة على إدمان أموال النفط مستقبلاً، وزيادة الاعتماد على الأعمال والصناعة والخدمات وما إلى ذلك.
ويندر العثور على اقتصادات السوق الكبيرة التي تبحث عن الاستثمارات وتُوفّر العوائد وسط بيئةٍ سياسية مسالمة، ولا شك في أن الدول النامية مثل الهند (إلى جانب الصين) تمتلك شهيةً كبيرة للنفط، علاوةً على تعطُّشها للاستثمارات الأجنبية من أجل تحفيز النمو.