تتزايد مستويات الدين العام بشكل يثقل كاهل الميزانية السعودية على نحو غير مسبوق تاريخيا في وقت يواصل ولي العهد محمد بن سلمان وفريقه أدائه الاقتصادي الكارثي والمتخبط.
وأعلنت وزارة المالية السعودية عن الميزانية العامة لعام 2025 بارتفاع كبير في الدين العام بلغ 1.3 تريليون دولار بزيادة بنسبة 8% عن العام السابق.
وتبلغ قيمة الدين العام 29.9% من الناتج المحلي الإجمالي فيما يعود سبب الارتفاع إلى السياسة المالية التوسعية التي تهدف إلى تغطية العجز المالي المتوقع وسداد أصل الدين المستحق على المدى المتوسط.
ويحمل الارتفاع القياسي بالدين العام على السعودية تحديات مستقبلية أبرزها التأثيرات السلبية على الاستثمارات الحكومية والمشاريع التنموية فضلا عن إجبار الحكومة على خفض الإنفاق على بعض المشاريع التنموية لاحتواء العجز.
وقبل يومين أبرزت شبكة (سي إن بي سي) الأمريكية، أن الحكومة السعودية تتحول نحو الاستثمار المحلي مع تقارير عن خفض تكاليف المشاريع الكبرى يأتي في ظل نمو العجز المالي وتراجع أسعار النفط.
وقد توقعت وزارة المالية السعودية نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.8% في 2024، وهو انخفاض كبير مقارنة بتوقعات سابقة بلغت 4.4%.
وارتفع العجز المالي للمملكة من فائض 27.68 مليار دولار في 2022 إلى عجز بلغ 21.6 مليار دولار في 2023، ومن المتوقع أن يستمر العجز حتى 2026.
ويرى أندرو ليبر، الباحث في جامعة تولين، أن وتيرة الإنفاق الحالية على المشاريع العملاقة في السعودية ليست مستدامة، مشيرًا إلى إمكانية تقليص عدد من المشاريع لتحقيق استدامة مالية أكبر.
كما أن التقارير تشير إلى تقليص نطاق مشروع “ذا لاين” من 106 أميال إلى 1.5 ميل في المرحلة الحالية، مع تقليل عدد السكان المتوقع بحلول 2030 من 1.5 مليون إلى أقل من 300 ألف.
وقد أشار طارق سولومون، الرئيس الفخري لغرفة التجارة الأمريكية في السعودية، إلى أهمية الشفافية وإعادة تقييم الأولويات، مع التركيز على تطوير البنية التحتية اليومية مثل النقل العام والتعليم والرعاية الصحية.
وتستمر الحكومة السعودية في إصدار السندات، حيث جمعت أكثر من 35 مليار دولار هذا العام، في وقت تروج لإصلاحات اقتصادية محدودة سعيا لجذب الاستثمارات الأجنبية وتنويع مصادر الإيرادات، مما يعزز من قدرة المملكة على التكيف مع التحديات.
ومؤخرا قالت صحيفة “فايننشال تايمز” الأمريكية إن فشل رؤية 2030 التي روج لها طويلا محمد بن سلمان أجبره على بدء مرحلة التقشف في الاستثمارات ما يشير إلى أن عصر الإنفاق السعودي غير المنضبط قد انتهى.
وذكرت الصحيفة أنه على مدار العقد الماضي، كانت السعودية جاذبة كبرى للمستثمرين والمصرفيين ومديري الأصول الذين يسعون للحصول على رأس المال، حيث انطلق صندوقها السيادي الطموح في إنفاق مليارات الدولارات على مستوى العالم.
لكن مع إعادة المملكة تقييم أولوياتها وتحول صندوق الاستثمارات العامة البالغ قيمته 925 مليار دولار إلى التزامات ضخمة داخلية، فإن حقبة اعتبار السعودية مصدرًا سهلًا للمال تقترب من نهايتها.
وقال مصرفي استثماري كبير مقيم في دبي: “إنها تنتهي”. “الناس يدركون ذلك.”
مدراء الصناديق، المصرفيون، والشركات التي سعت لجمع رأس المال في المملكة يشعرون بالفعل بتأثير هذا التحول.
يقول مديري الأموال إن المسؤولين السعوديين وضعوا شروطًا أكثر صرامة على التفويضات، وغالبًا ما يطلبون توظيف موظفين محليين واستخدام بعض التمويل للاستثمار في الشركات والمشاريع المحلية.
ويوضح المصرفيون أن البعض يتم إبلاغهم بأن الرياض تريد رؤية إعادة استثمار في المملكة قبل التزامها بأموال جديدة.
ذكر أحد المطلعين على صندوق الثروة السيادية أن “هذا أصبح أكثر شيوعًا”. وقد أمنت شركة بلاك روك، مدير الأصول الأمريكي، مبلغ 5 مليارات دولار من صندوق الاستثمارات العامة لإطلاق شركة استثمار جديدة في الرياض، أعلن عنها في أبريل.
لكن يركز التفويض الخاص بها بشكل أساسي على تطوير أسواق رأس المال في المملكة.
ويقول المصرفيون إن الشركات لم تعد تتهافت على أبواب الرياض بحثًا عن الأموال بالوتيرة التي كانت عليها من قبل.
قال المصرفي المقيم في دبي: “انخفض اهتمام العملاء بشكل ملحوظ، جزئيًا لأننا نقوم بالتصفية بشكل أكثر دقة، وجزئيًا لأن الجهود والعروض الترويجية لم تحقق نجاحًا كبيرًا”.
وهذا يتناقض بشكل واضح مع السنوات الأولى من التحول الدراماتيكي لصندوق الاستثمارات العامة من شركة قابضة نائمة للدولة مع حوالي 150 مليار دولار من الأصول المدارة في عام 2015 إلى أحد الصناديق السيادية الأكثر نشاطًا وطموحًا في العالم.