أبرزت دراسة صادرة عن منتدى الخليج الدولي، أن تطبيع السعودية مع إسرائيل يمكن أن يكون كابوسا أمنيا في ظل إصرار ولي العهد محمد بن سلمان على العلاقات العلنية رغم الرفض الشعبي في المملكة.
وأشارت الدراسة إلى أنه مع إعلان محمد بن سلمان في وقت سابق من العام أن إسرائيل يمكن أن تكون “حليفًا محتملًا” – ربما في إشارة إلى زيادة التعاون الأمني بين البلدين – بدأ الكثيرون في الادعاء بأن التطبيع في المستقبل أمر لا مفر منه.
وفي السنوات الماضية، اشترطت السعودية لإتمام هذا التطبيع توصل الفلسطينيين والإسرائيليين إلى اتفاق وفقًا لمبادرة السلام العربية لعام 2002.
ويرى البعض أن التطبيع قد يفيد المملكة اقتصاديا حيث يمكن للاستثمار الإسرائيلي-السعودي المتبادل أن يذهب بعيدًا نحو تحقيق أهداف “رؤية 2030″، وكذلك عسكريًا حيث يمكن للرياض وتل أبيب البدء في التعاون بشكل علني، ما يسهل عمليات نقل الأسلحة وتبادل المعلومات الاستخباراتية.
ومع ذلك، فإن التطبيع مع إسرائيل سيكون له تداعيات خطيرة، فقد يؤدي إلى تفاقم التوترات السياسية داخل البلاد، حيث لا تزال المشاعر المعادية لإسرائيل شائعة جدًا بين المواطنين السعوديين.
وأدى التعاون الأمني الوثيق بين السعودية والولايات المتحدة في بعض الأحيان إلى اتجاه المتمردين إلى استهداف المملكة باعتبارها ذراعا لأمريكا.
ومن 2003 إلى 2004 بعد غزو العراق، شن المسلحون المرتبطون بالقاعدة 8 هجمات داخل المملكة، ما أدى إلى انتشار الذعر وحملة مكثفة لمكافحة الإرهاب دامت نصف عقد من الزمان.
اليوم، لا يزال هناك عدد كبير من السعوديين من المتمردين السابقين الذين حاربوا سابقًا مع مجموعات مثل “القاعدة”.
وتواصل المملكة بشكل دوري إعدام عدد منهم بتهم الإرهاب، لكن الأهم من ذلك أن الآلاف من هؤلاء المقاتلين السابقين اجتازوا بنجاح إجراءات “مركز الرعاية لإعادة التأهيل” في السعودية، وهو شكل شامل من أشكال مكافحة الإرهاب الناعمة التي تسعى إلى “نزع التطرف عن المتمردين الإسلاميين العنيفين وإعادة دمجهم في المجتمع”.
وقد انضم العديد من هؤلاء المقاتلين إلى مجموعات مثل “القاعدة” وتنظيم “الدولة” مع تزايد الغضب من الغرب بسبب انتهاكاته المتصورة ضد إخوانهم المسلمين، وقد استخدمت تلك الجماعات القضية الفلسطينية لبناء رواية مليئة بالمشاعر للحث على التجنيد وتنفيذ العمليات.
وإذا تم تطبيع بين إسرائيل والسعودية، فهل يتجه هؤلاء المتمردون السابقون للعودة إلى التعبئة واستهداف الدولة السعودية؟ وبالرغم من كل الانتقادات التي يتلقاها المركز السعودي لإعادة التأهيل، فقد حقق نسبة نجاح تتراوح بين 80 و90% في القضاء على أفكار الإسلاميين السابقين، ما يمنحه معدل انتكاس أقل بكثير من معظم السجون في الغرب.
ومن الأمور الأساسية لبرنامج المركز لمكافحة التطرف أن يُظهر للناس أن الدولة السعودية تهتم بهم. وتحقيقا لهذه الغاية، عادة ما يقدم مراكز إعادة التأهيل مجموعة واسعة من الخدمات.
بما في ذلك العلاج والأنشطة الرياضية وإعادة التثقيف الديني من خلال المناقشات مع رجال الدين، والمخصصات الحكومية، وأحيانا حتى السيارة والمساعدة في العثور على عمل بعد خروجهم.
وبالرغم أن هذا البرنامج حقق حتى الآن معدل نجاح مثير للإعجاب، لكنه لم يتم نشر أي معلومات حول ما إذا كان تناول آراء المقاتلين السابقين بشأن إسرائيل وما هي ردود أفعالهم إذا بدأت السعودية في التودد إليها علنًا.
من المنطقي أن مسألة التطبيع لم يتم أخذها في الحسبان في البداية، حيث تم إنشاء مركز إعادة التأهيل بعد فترة وجيزة من هجمات 2003-2004 في السعودية.
ومع ذلك، نظرًا لأن التطبيع يظهر كاحتمال مهم اليوم، فيجب إجراء فحص في طبيعة آراء المقاتلين السابقين فيما يتعلق بهذا السيناريو.
في الماضي وربما الحاضر، كانت القضية الفلسطينية بمثابة دافع لتوحيدهم من منطلق الشعور بالتضامن والواجب تجاه باقي مكونات الأمة الإسلامية. وقد أكد قادة “القاعدة” ومنظروها على أن “تحرير فلسطين واجب ديني” كما أكدوا على وجوب قتال جميع المحتلين للأراضي الإسلامية. كما استخدم تنظيم “الدولة” قضية فلسطين بطريقة مماثلة لإثارة المشاعر وحشد الأنصار.
بالرغم من الفشل النسبي لهذه الجماعات في شن هجمات داخل إسرائيل، لكنها استمرت في التأكيد على أن الحرب مع إسرائيل هي “هدفها النهائي” الذي يتعين تحقيقه بعد التعامل مع “العدو القريب” (أي الدول العربية الخائنة).
ووفقًا للفهم الجهادي للقضية الفلسطينية كجزء أساسي من عقيدتهم الأيديولوجية، فإن الحرب مع إسرائيل وحلفائها تمثل التزامًا أخلاقيًا.
ويعني ذلك أن أي تطبيع سعودي مع إسرائيل سيشكل انتهاكًا صارخًا لمنظومة معتقداتهم، وبالتالي يمكن أن يتحول إلى قضية رمزية ذات صدى كبير يمكن أن تحفز التعبئة العنيفة ضد المملكة.
قد يكون مثل هذا السيناريو احتمالًا مقلقًا إذا كان مركز إعادة التأهيل أطلق سراح مقاتلين سابقين إلى المجتمع دون “اقتلاع جذري لآرائهم بشأن العلاقات مع إسرائيل”.
ويمكن أن يكون التطبيع بعد ذلك بمثابة نقطة تحول لإنشاء شبكات جهادية جديدة، أو تفعيل الشبكات الموجودة مسبقًا، ما يؤدي إلى استئناف العمليات ضد المملكة.
بعبارة أخرى، فإن التطبيع السعودي مع إسرائيل قد يكون له نفس تأثير الغزو الأمريكي للعراق، الذي أشعل موجة من الهجمات داخل المملكة في عام 2003.
ولا يمكن الجزم بأن التطبيع هو متغير كاف لإثارة هذا النشاط في المملكة، فهناك العديد من العوامل الأخرى التي تلعب دورها، مثل مدى القمع الذي يعاني منه المواطنون السعوديون.
ويجب تقييم التطبيع والتهديدات الأمنية الداخلية في سياق عام 2022 وليس عام 2003. ومع ذلك، فإن التاريخ يخبرنا أن السخط يمكن أن ينفجر حتى ضمن أكثر البيئات الأمنية تقييدًا، كما حدث في الثورة الإيرانية عام 1979 أو الانتفاضة السورية في عام 2011. على هذا النحو، يجب ألا نقلل من قوة الحماسة الأيديولوجية الخاملة.
ويمكن أن يكون التطبيع مع إسرائيل نقطة انطلاق للرد على التطورات التي يعتبرها المحافظون خرقا للدين مثل تصفية الشرطة الدينية واستضافة المهرجانات الموسيقية وغيرها من الفعاليات الترفيهية وتمكين المرأة.
ويمكن أن تشمل التهديدات الأمنية المحتملة الأخرى من التطبيع، المنافس الجيوسياسي التقليدي للمملكة؛ إيران، والمتمردين الحوثيين في اليمن، والمتعاطفين المحتملين مع الجماعات الجهادية والذين لم يدخلوا مركز إعادة التأهيل. ويمكن لأي من هؤلاء الفاعلين استغلال التطبيع لزعزعة أمن المملكة.
لذلك فمن الحكمة ألا تنظر السلطات السعودية للأبعاد الاقتصادية والعسكرية عن دراسة قرار التطبيع، بل يجب أن تأخذ في الاعتبار التداعيات الأمنية المحتملة.