لأكثر من عامين، لم يحقق التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن مكاسب عسكرية أو دبلوماسية كبيرة فيما تظهر حاليا عوامل ستغير قواعد اللعبة في البلاد.
وتظهر خطوط المعركة الحالية تقريبًا سيطرة التحالف على ما كان جنوب اليمن قبل عام 1990 وسيطرة الحوثيين على ما كان شمال اليمن قبل عام 1990.
وحاليا، يجري معظم القتال بين قوات التحالف والحوثيين في محافظة مأرب الغنية بالطاقة والتي تعد آخر موطئ قدم للتحالف في شمال اليمن.
تصعيد الصراع
وفي محاولة لوقف تصعيد الصراع، تحولت السعودية من استراتيجية “بدء القصف” إلى استراتيجية “رد الفعل” على هجمات الحوثيين.
أما بالنسبة لشمال اليمن، فقد ترسخت أقدام الحوثيين أكثر في “محور المقاومة” الذي تقوده إيران.
وتشمل بعض المؤشرات على هذا الاتجاه استمرار الكشف عن أنظمة أسلحة جديدة قدمتها إيران، وآخرها صاروخ “قدس-2” الذي استخدم لضرب منشأة “أرامكو” في جدة.
وكذلك وصول سفير إيراني إلى الحوثيين في صنعاء كما أصبح للحوثيين سفير في دمشق.
4 عوامل
ومع ذلك، فإن احتمال الانسحاب السعودي من اليمن، أو هجوم الحوثيين على أهداف إسرائيلية، أو الانهيار النهائي لاتفاق الرياض.
أو زيادة المشاركة التركية في اليمن، يمكن أن يعيد تشكيل الحرب اليمنية بطرق يصعب التنبؤ بها.
أولاً، نظرًا للتكاليف الباهظة للسعودية من حيث خسائر الأرواح والأموال والسمعة، وحقيقة أن أهداف الحملة لا تزال غير قابلة للتحقيق.
فقد يقرر ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان” أن عام 2021 يعد وقتا مناسبا لتقليص تدخل الرياض في اليمن.
ويحتاج بن سلمان هذه الخطوة لتهدئة غضب الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة جو بايدن.
ولذلك قد تستبق الرياض الاشتباك مع واشنطن وتقرر تملق البيت الأبيض من خلال إنهاء الحملة وتقديم إنجاز مبكر لفريق “بايدن”.
وقد يتم اتخاذ القرار السعودي مقابل وعد أمريكي بمساعدة السعوديين في الدفاع ضد الضربات الصاروخية والطائرات المسيرة التي يطلقها الحوثيون.
وستخلق هذه السلسلة من الأحداث التي تبلغ ذروتها بانسحاب الرياض فراغًا في القوة ومن المرجح أن تكون بداية مرحلة جديدة من الحرب الأهلية اليمنية بدلاً من أن تؤدي إلى نهاية الصراع.
ثانيًا: قد يسعى الحوثيون إلى زيادة شعبيتهم المتدنية من خلال هجوم على الأصول الإسرائيلية أو على إسرائيل نفسها.
ولم يثبت الحوثيون حتى الآن أنهم يمتلكون أسلحة قادرة على الوصول إلى إسرائيل (حوالي 1800 كيلومتر من اليمن).
رغم أنهم نجحوا في ضرب مطار دبي بطائرة بدون طيار متفجرة، مما أظهر القدرة على إصابة هدف على بعد 1450 كيلومترًا تقريبًا.
وفي المقابل، زعم تقرير حديث لمجلة “نيوزويك” أن إيران زودت الحوثيين بطائرات بدون طيار متفجرة تشبه تلك المستخدمة في هجمات سبتمبر/أيلول 2019 الإيرانية على منشآت “أرامكو” السعودية والتي يبلغ مداها 2000 إلى 2200 كيلومتر.
ثالثًا، يمكن أن ينهار اتفاق الرياض، بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، مع عودة الاشتباكات المسلحة بين الجانبين.
وفي هذه الحالة، يمكننا أن نرى إعادة تشكيل شبكة التحالفات والعداوات داخل اليمن.
رابعًا، بعد تحقيق نجاح عسكري كبير من خلال الاستخدام الفعال للطائرات بدون طيار من ليبيا إلى سوريا إلى أذربيجان.
الدور التركي
قد تقرر تركيا أن المشاركة الأكبر في اليمن يمكن أن توفر لها النفوذ الذي تريده تجاه دول الخليج وكذلك فرص لتوسيع وجودها حول البحر الأحمر والقرن الأفريقي.
وقد ينطوي هذا القرار على قدر ضئيل من المخاطر، حيث يمكن لتركيا تقديم الدعم لحزب الإصلاح في اليمن تحت ستار المساعدات الإنسانية؛ حيث أن الجمعيات الخيرية التركية نشطة إلى حد ما في اليمن.
وقد يجعل هذا التطور أي حكومة مركزية في اليمن، تضم شخصيات مرتبطة بالإصلاح مثل نائب الرئيس “علي محسن الأحمر”، مصدر إزعاج أكبر للعلاقات الإماراتية السعودية.
وستكون التداعيات الأساسية لأي من هذه العوامل التي تغير قواعد اللعبة هي تغيير التحالفات و/أو موازين القوى في اليمن.
ومن الصعب تصور مدى الدقة التي ستحدث بها هذه التغييرات بالنظر إلى الطبيعة المتغيرة للعلاقات في اليمن.
لكن في السيناريوهات التي تنطوي على إضعاف التحالف الذي تقوده السعودية.
وذلك إما بسبب الانقسامات الداخلية أو سحب الدعم، من المفترض أن تكون قوات الحوثي المدعومة من إيران المستفيد الرئيسي.
وفي حين أن الولايات المتحدة ليست لاعبا مباشرًا في الحرب الأهلية اليمنية، فمن المرجح أن يؤثر تغيير الإدارة على الصراع.
ومن المتوقع أن تسحب إدارة “بايدن” دعمها للحملة السعودية وتكثف الضغط على الرياض لإنهائها.
ولم يتضح بعد ما إذا كان ذلك سيؤدي في النهاية إلى إجبار السعوديين على الانسحاب.
أو دفعهم لمزيد من التحوط بتعزيز علاقاتها مع ضامني الأمن البديل أو تجاه كلا الخيارين.
وقد يستمر الوضع الإنساني الكئيب في اليمن والصراع بين الفصائل المتحاربة لسنوات قادمة.
لكن بعض الخصائص المميزة للنزاع يمكن أن تتغير.
فإن التفكير في المستقبل في الشرق الأوسط، حيث غالبًا ما يتجاوز الواقع الخيال، قد يبدو وكأنه مهمة حمقاء، لكن الفشل في القيام بذلك يزيد من مخاطر الوقوع في مأزق بسبب واقع دائم التغير في قواعد اللعبة.