يصر ولى العهد محمد بن سلمان على تصعيد حملة القمع والاعتقالات داخل المملكة وخارجها رغم سلسلة الانتقادات الدولية والحقوقية وذلك قبيل قمة العشرين .
ولا يأبه بن سلمان بحجم الضرر الدبلوماسي والدولي إزاء سجل المملكة الحقوقي، غير أن ما يهمه هو تثبيت أركان سيطرته على الحكم في المملكة.
وأعلنت النيابة العامة في نظام آل سعود، 7 سبتمبر صدور أحكام نهائية بحق المتهمين بقتل الصحافي جمال خاشقجي، وإغلاق القضية بشقيها العام والخاص بعد التراجع عن الإعدامات.
وقالت النيابة إنه تم صدور أحكام قطعية بحق 8 مدانين في قضية مقتل خاشقجي، منوهةً إلى أن “الحق الخاص بقضية خاشقجي انتهى بالتنازل الشرعي لذوي القتيل”.
وحكمت النيابة بالسجن 20 عاماً على 5 مدانين بقضية خاشقجي، في وقت حكمت بالسجن على 3 مدانين بين 7 و 10 سنوات، مشددةً على أن الأحكام في قضية خاشقجي نهائية وواجبة النفاذ، والقضية أغلقت بشقيها العام والخاص. وتعدّ هذه الأحكام تراجعًا عن أحكام سابقة قضت بالإعدامات بحق خمسة من المتهمين.
وفي تصعيد جديد ضد معتقلي الرأي، حكمت سلطات آل سعود خلال الأيام الماضية، بالسجن لسنوات متفاوتة بحق عشرات المعتقلين من حملة سبتمبر 2017م، بعدما نسبت إليهم تهم واهية.
ورغم أن السجن هو مصير المنتقدين للنظام من داخل المملكة، إلَّا أن بن سلمان، يواجه صعوبات كبيرة في إسكات من يعارضه في الخارج، وممن يجلس بين حلفائه الدوليين.
?موجز أحكام السجن الابتدائية الصادرة حتى اليوم ضد معتقلي سبتمبر:
– عبدالله المالكي 7 سنوات
– غرم البيشي 6 سنوات
– إبراهيم الحارثي / يوسف القاسم (5 سنوات)
– العباس المالكي 4 سنوات
– خالد العجيمي 3 سنوات و 8 أشهر
– فهد السنيدي 3 سنوات ونصف
– أحمد الصويان / ربيع حافظ (3 سنوات)— معتقلي الرأي (@m3takl) September 11, 2020
وكشف الصحافي الأمريكي الشهير بوب وودورد في كتابه الأخير الذي يصدر الثلاثاء المقبل بعنوان “غضب” أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تباهى بأنه نجح في “إنقاذ” ولي العهد محمد بن سلمان بعد اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي، في 2 تشرين الأول/أكتوبر 2018 داخل قنصلية بلاده في إسطنبول.
وكشفت مقتطفات الكتاب أن ترامب تباهى في إحدى مقابلاتهما المسجلة، بأنه نجح في “إنقاذ” بن سلمان الذي حمله الكونغرس مسؤولية اغتيال خاشقجي.
في المقال، وصف منافس ترامب، مرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن، السعودية بأنها “منبوذة” وهدد بوقف مبيعات الأسلحة للمملكة.
مظهر أخر لحملة بن سلمان هي قيام السلطات السعودية مؤخرًا، بشن حملة جديدة من الاعتقالات داخل المملكة، طالت هذه المرة فردًا أخر من عائلة ضابط المخابرات السابق، سعد الجبري، وهو زوج ابنة الجبري الذي اعتقلته السلطات السعودية بحجة التحقيق معه، ثم تم اخفائه في محاولة جديدة للضغط على الجبري.
Another family member disappeared in a blatant effort of terrorize my family.
This time it’s my brother-in-law Salem.
We hold the Saudi authorities legally responsible for the safety and well-being of my family members
Full statement ?? pic.twitter.com/QaOd8g9OpP
— Khalid Aljabri, MD د.خالد الجبري (@JabriMD) August 26, 2020
كما طالت الاعتقالات قادة رأي وعلماء دين، شملت كل من المقرئ الشهير عبدالله بصفر، وهو أستاذ مشارك بقسم الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة الملك عبد العزيز بجدة، والأمين العام السابق للهيئة العالمية للكتاب والسنة.
?عاجل
تأكد لنا أن د. #عبدالله_بصفر، يقبع رهن الاعتقال التعسفي منذ شهر أغسطس الماضي.
الدكتور هو أستاذ مشارك بقسم الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة الملك عبد العزيز، والأمين العام سابقاً للهيئة العالمية للكتاب والسنة. pic.twitter.com/7b3X8AZNMq— معتقلي الرأي (@m3takl) September 3, 2020
? عاجل 2
تأكد لنا خبر اعتقال الدكتور #سعود_الفنيسان، الأستاذ بجامعة الامام وعميد كليه الشريعه بالرياض سابقاً، وقد تم اعتقاله نهاية شهر مارس الماضي. pic.twitter.com/Fx6tGJ3MR1— معتقلي الرأي (@m3takl) September 3, 2020
وفي السياق، قالت شقيقة الناشطة بمجال حقوق المرأة لجين الهذلول، بأن أفراد عائلتها قلقين للغاية لأنهم لم يسمعوا شيئا عنها منذ 9 يونيو/حزيران.
كما تم عزل عائلة الأميرة بسمة بنت سعود وعائلة ولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف، وانقطعت أخبار الداعية الشهير سلمان العودة، ولم يسمع عنه أي شيء منذ مايو/ أيار الماضي.
وأكد تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش، بأن المعتقلين في المملكة يتم عزلهم عن العالم الخارجي، وحرمانهم من التواصل بأقاربهم ومحاميهم.
وطالبت المنظمة بزيارة المملكة وإجراء زيارات خاصة للمحتجزين في السجون. يذكر أن السلطات السعودية كانت قد حرمت المعتقلين من حقهم في الزيارات الشخصية، بحجة الحد من تفشي فيروس كورونا.
أما أوروبيًا، فإن حضر السلاح الذي قامت به ألمانيا لتصدير الأسلحة للمملكة السعودية، على خلفية مقتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي، وهي الجريمة التي نسبت إلى محمد بن سلمان، بالإضافة إلى سجن النشطاء والمعارضين، ساهم بشكل كبير في تشويه سمعة بن سلمان، وأدى لجعل علاقاته مع المستثمرين العالميين تعاني الفتور.
وفي حال قامت ألمانيا بتمديد حضرها التسليحي للمملكة مرة أخرى والذي ينتهي في ديسمبر/ كانون الأول، ستضيف ألمانيا لنفسها نفوذًا لأجل زيادة الضغط على بن سلمان في مجال حقوق الانسان، الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة الحرج الواقع فيه بن سلمان حاليًا.
وقالت عضوة البرلمان الأوربي إيفا كايلي: “إذا كانوا يعاملون أفراد العائلة المالكة على هذا النحو وبدون عدالة، فلكم أن تتخيلوا ما يحدث مع الآخرين”. في إشارة لما يفعله بن سلمان مع أفراد العائلة المالكة ومع باقي أفراد الشعب السعودي.
كما قال الباحث نيل كويليام، في معهد تشاتام هاوس البريطاني، إن “محمد بن سلمان لا يستطيع تحمل هذا التصعيد، فالنوايا الحسنة التي شعر بها الكثيرون تجاه الأمير الشاب وطموحاته العظيمة قد نفذت”.
وأضاف كويليام “إذا توقفت الانتهاكات الحقوقية وتم إطلاق سراح السجناء، فستتلاشى الذكريات قريبًا ومن المرجح أن ينتعش الاستثمار السياسي والمالي، لكن طالما استمر الوضع أو تصاعد أكثر، فستزداد التكاليف على المملكة”.
وتستعد المملكة لاستضافة قمة مجموعة العشرين في تشرين الثاني/ نوفمبر من هذه السنة، فإن بإمكان ولي العهد استعادة سمعته وعلاقاته بالمستثمرين، لكن بعد أن يقدم على إجراءات فاعلة بخصوص إطلاق سراح المعتقلين من أفراد اسرته وباقي المفكرين والدعاة، لا سيما الذين طالب البرلمان الأوربي بإطلاق سراحهم من مثل الأميرة بسمة بنت سعود والأمير سلمان بن عبد العزيز.
لكن بنفس الوقت، من الممكن أن يعود بن سلمان إلى ديدنه الأول في رشوة الحكومات الأوروبية من خلال صفقات الأسلحة المبالغة بها، على حساب أموال الشعب السعودي.
ويقول خبراء في معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام، إن مبيعات الأسلحة غالبًا ما تتفوق على حقوق الانسان. لكن مع ذلك فإن إسكات المنتقدين مازال له كلفة على بن سلمان.
وفي الوقت الذي يحاول محمد بن سلمان تصوير نفسه بأنه حاكم مصلح ويبطش بالفاسدين، لكنه يحيط ثروته بالكتمان، ويستغل حملات مكافحة الفساد في القضاء على منافسيه دخل المملكة.
فبتهمة الفساد، قام بن سلمان قبل أيام قليلة، بإعفاء عضوين من الأسرة المالكة، الأول هو الأمير فهد بن ترك عبد العزيز آل سعود، قائد القوات المقاتلة في اليمن، والثاني هو ابنه، الأمير عبد العزيز بن فهد، نائب حاكم محافظة الجوف في شمال العربية السعودية.
هذه الإعفاءات تمت استنادًا على تعليمات واردة من محمد بن سلمان بتهمة تحويلات مالية مشبوهة في وزارة الدفاع، وكان الأمر الملكي الذي صدر بإعفاء الأميرين قد ذكر أن القرار استند إلى ما أُحيل من الأمير محمد بن سلمان ولي العهد إلى هيئة الرقابة ومكافحة الفساد للتحقيق.
ويترافق مع ذلك، هو شبهات حول مصدر أموال بن سلمان الشخصية، والتي يصرفها على شراء اليخوت والقصور واللوحات الفنية.
والحقيقة الظاهرة للعيان، أن وراء كل تلك الاعتقالات، هو أن الأمير الشاب لا يتحمل وجود خصوم في محيطه. فبعدما تم تعيينه وليا للعهد بدأ محمد بن سلمان بتصفية خصومه حتى لا يكون له منازع على العرش، وبسط يده على كامل الاقتصاد السعودي.
ورغم أن كثير من المراقبون للشأن السعودي، يجزمون على أن السباق لأجل الفوز بالعرش محسومًا لصالح محمد بن سلمان، لكن إجراءاته في السنوات الأخيرة، من اعتقالات وإقالات وابتزاز، سببت بظهور أعداء جدد.
وبالتالي فإن ما يقوم به محمد بن سلمان هو مواصلة العمل على تثبيت سلطته وبكل الوسائل..