فور وقوع جريمة مقتل الحارس الخاص للملك سلمان غرّد الذّباب الالكتروني معلنا عن الخبر بتفاصيله الدّقيقة قبل صدور أيّة رواية رسميّة عن الحادثة إذ كانوا يصفونه وكأنّهم ينقلونه مباشرة للجمهور.
تزعم الرواية الرسميّة إن الجريمة وقعت مساء السّبت 28 سبتمبر الجاري حيث كان اللّواء عبد العزيز بن بدح الفغم في زيارة لصديقه تركي بن عبد العزيز السّبتي بمنزله في حيّ الشّاطئ بجدّة عندما دخل عليهما المنزل ممدوح بن مشعل آل علي، ليدور نقاش بين هذا الأخير والفغم فيتطوّر ويحتدّ ليخرج على إثره ممدوح من المنزل ويعود وبحوزته سلاح ناري ويطيح بالفغر صريعا يتخبّط في دمائه.
وبعدها تدخّلت قوّات الأمن فتقتل الجاني وتصيب تركي بن عبد العزيز السّبتي وجيفري دالفينوس سابوزينغ (فيليبيني الجنسية) ويتمّ نقل اللّواء الفغم إلى المستشفى حيث توفّي، مع إصابة خمسة أفراد من قوّات الأمن نتيجة لإطلاق النّار العشوائي من قبل الجاني.
هو حوار إذا احتدّم وتطوّر إلى مشاجرة كتلك الّتي حصلت في قنصليّة اسطنبول بين الموظّفين والصحفي جمال خاشقجي ليخنق ويقطّع جسده إربا وتختفي جثّته إلى يومنا هذا، ولعلّ التطوّر الحاصل في الواقعة الحالية يتمثّل في عدم إنكار وقوعها منذ البداية وعدم إخفائهم للجثّة، قتل القاتل والقتيل ومن المنتظر أن يقع التخلّص من باقي الشّهود في القريب العاجل، تطوّر ملحوظ في العقل الإجرامي للمنفّذين لا بدّ من التّنويه به وجهد يذكر فيشكر.
جريمة يبدو أنّ المنفّذ قد تمرّس واكتسب بعض الخبرة ليتطوّر أداؤه نسبيّا في الأسلوب والإخراج بيد أنّ تلك المجهودات لم تقدر على نفي الشّبهات ومحو بصمات المستفيد، فهل ما يحاك ويدبّر هو نتيجة لتعليمات صادرة من غرفة عمليّات واحدة.
وكما في رواية الجريمة الأولى الّتي شهدت تغيّرات سريعة تحت الضّغط والإكراه، لتنتقل من مرحلة الإنكار المطلق إلى الاعتراف بوقوعها ثمّ الى تحمّل مسؤوليتها بالكامل كما ورد في فلم “ماثن سميث” الوثائقي الّذي بثّته قناة بي بي اس الأمريكية حيث قال بالحرف الواحد: “أتحمّل كلّ المسؤولية، لأنّه ما وقع في ظلّ سلطتي، لا أريد أن أقول لك، لم أفعل أو فعلتها أو أيّ شيء آخر، هذه تبقى مجرّد كلمات”، كما اعترف بعلاقته الوطيدة بالمتّهم الرّئيسي سعود القحطاني الّذي يبادله الرّسائل بشكل يومي معقّبا بأنّها “بريئة”؟
من المنتظر أن تشهد رواية آل سعود، السّخيفة والمفتقدة للحبكة والإبداع، تغيّرات وتنقيحات حتّى يتسنّى لعاقل أن يتقبّلها خصوصا مع بعض التّسريبات الّتي بدأت تظهر، ففي مايو الماضي حذّر المعارض السّعودي الأستاذ الدكتور محمّد المسعري اللّواء الفغم من خطر التّصفية على يد وليّ العهد محمّد بن سلمان ونصحه بالهروب خارج البلاد.
وقد أفاد المغرّد السّعودي “مجتهد” بأنّ الفغم كان في القصر الملكي وقت الحادث وليس في منزل صديق كما يدّعون موضّحا بأنّ المستهدف هو من الحرس القديم لآل سعود عموما ولا يحضي بثقة محمّد بن سلمان الّذي يسعى لإبعاده أو تغييبه.
وقد يتوضّح المشهد أكثر في الأيّام القادمة لأنّ اللّواء الفغم المستشعر لخطر يتهدّده سجّل على ما يبدو شهادات مصوّرة تحسّبا لمثل هذا اليوم وسلّمه لأحد الأجنحة داخل الأسرة الحاكمة، وما يثير التّساؤلات ويجعل الرّواية السّعودية الرّسمية عصيّة على الهضم، إلى جانب سوابق التّضليل والكذب، هو أنّها أتت على لسان “ذباب إلكتروني” يتلقّى تعليماته من غرفة أبو ظبي المظلمة، مع قتل القاتل وتواجد لقوّات الأمن مصادفة على عين المكان وكأنّهم لديهم علم مسبّق بما سيحدث! وللإجابة على السّؤال بمن القاتل؟ تكون بمن المستفيد؟ وأكيد أنّ ولي العهد المتعجّل لاعتلاء كرسي الملك بأيّ ثمن كان ولو بالتخلّص من حارس والده الشخصي المحسوب على عقلاء آل سعود من يرون في بن سلمان خطرا داهما يهدّد ملكهم وقد يؤدّي إلى زواله باندفاعه وحماقاته وكثرة أخطائه.
من جهتها قالت صحيفة تايمز البريطانية إن مقتل اللواء الفغم أدى إلى انتشار سلسلة من التكهنات عن مؤامرات في القصر، مع تردد معلومات أنه كان قد عزل من عمله حارسا شخصيا للملك، وربما كانت لديه معلومات مهمة عن جريمة قتل جمال خاشقجي.
وذكرت الصحيفة أن الفغم -الذي كان ينظر إليه باعتباره أكثر ضباط الحماية الشخصيين ثقة لدى الملك- تعرض لإطلاق نار في جدة أدى إلى مصرعه، كما قتل مهاجمه وجرح عدد من رجال الأمن، حسب السلطات السعودية.
وأضافت أن أنباء مقتل اللواء الفغم أثارت موجة من الحزن في جميع أنحاء البلاد، إذ كان هذا الرجل يعرف باسم “عصا الملك سلمان” التي يتكئ عليها أو “حارس الملوك”.
ونسبت الصحيفة إلى وسائل إعلام محلية قولها إن هذا الجنرال كان يحظى بشعبية بين السعوديين لأنه كان حاضرا دائما مع الملك الراحل الملك عبد الله ثم مع خلفه الملك سلمان.