غياب العدالة في السعودية: محاكمات شكلية وأحكام إعدام تطال قاصرين ومتظاهرين

مع نهاية عام 2024، عادت قضية الإعدامات في السعودية إلى الواجهة بعد أن وثّقت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان سلسلة من الانتهاكات الجسيمة التي طالت قاصرين ومتظاهرين جرى الحكم عليهم بالقتل تعزيرًا، رغم النقض الذي أصدرته المحكمة العليا في وقت سابق.
وبحسب المنظمة، أعادت المحكمة العليا، بصفتها أعلى سلطة قضائية في المملكة، قضايا مجموعة من المعتقلين إلى المرحلة الابتدائية، ومن بينهم علي المبيوق (قاصر)، محمد حسن لباد، محمد عبد الله الفرج، يوسف المناسف (قاصر)، مهدي المحسن (قاصر)، محمد فيصل الفرج، وعلي السبيتي (قاصر).
وكان يُفترض أن يشكل النقض اعترافًا بوجود مخالفات خطيرة شابت المحاكمات السابقة، إلا أن النتيجة جاءت معاكسة. فقد أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة أحكامًا أولية جديدة أعادت تثبيت أحكام الإعدام بحق معظمهم، باستثناء حالة واحدة حُكم فيها بالسجن 20 عامًا فقط، في قضية علي الصفواني وعلي آل ربيع.
انتهاكات جسيمة
وثقت المنظمة الأوروبية السعودية سلسلة من الانتهاكات التي حوّلت هذه القضايا إلى محاكمات صورية، أبرزها:
التعذيب وسوء المعاملة لانتزاع اعترافات قسرية.
حرمان المعتقلين من الدفاع، ومنعهم من التواصل مع محامين أثناء التحقيق.
إصدار أحكام بالإعدام استنادًا إلى تهم لا ترقى إلى “أشد الجرائم خطورة” وفق القانون الدولي، مثل المشاركة في احتجاجات سلمية أو تشييع جنائز.
ورغم وضوح هذه الانتهاكات، تجاهلت المحاكم السعودية مجددًا هذه الأدلة، ما يعكس إصرارًا على المضي في نهج أحكام الإعدام التعسفية.
تجاهل المواقف الدولية
الأحكام الجديدة جاءت أيضًا متجاهلة توصيات الأمم المتحدة. فقد اعتبر الفريق العامل المعني بالاعتقال التعسفي أن حرمان كل من عبد الله الدرازي، جلال اللباد، يوسف المناسف، جواد قريريص، وحسن زكي الفرج من حريتهم أمرًا تعسفيًا، ودعا إلى الإفراج الفوري عنهم.
في بيان صدر في 30 أبريل، عبّر خبراء الأمم المتحدة عن استيائهم من استمرار إصدار أحكام الإعدام بحق هؤلاء المعتقلين، مشددين على أن التهم المنسوبة إليهم لا تستند إلى أساس قانوني سليم، وأن تنفيذ الأحكام قد يشكل جريمة بموجب القانون الدولي.
ورغم ذلك، مضت السلطات السعودية في إصدار الأحكام نفسها، بل وأبقت على تهديدات الإعدام بحق أسماء جديدة، من بينهم سعود الفرج الذي أكد الفريق الأممي تعسفية اعتقاله.
الاستئناف: ضمانة شكلية
يُفترض أن تمثل محاكم الاستئناف إحدى أهم الضمانات لتحقيق العدالة، من خلال مراجعة الوقائع والأدلة، والتحقيق في مزاعم التعذيب، والتأكد من نزاهة المحاكمة. لكن ما وثقته المنظمة يثبت العكس.
في قضايا عديدة، تجاهلت محكمتا الاستئناف مزاعم التعذيب والاعترافات المنتزعة بالقوة، ورفضتا فتح أي تحقيق في ظروف الاعتقال أو جدية التهم. وبذلك تحوّلت مرحلة الاستئناف إلى إجراء شكلي لا يغيّر في جوهر الأحكام، ولا يوفر أي حماية فعلية للضحايا.
تنص المادة 14(5) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن لكل شخص الحق في إعادة النظر بحكم إدانته من قبل محكمة أعلى. غير أن التجربة السعودية تكشف أن هذا الحق مفرغ من مضمونه، ويقتصر على إضفاء غطاء قانوني شكلي على أحكام مسبقة.
بعد الاستئناف: خطر التنفيذ الفوري
وفق متابعة المنظمة الأوروبية السعودية، صادقت محكمة الاستئناف على أحكام الإعدام بحق عدد من القاصرين والمتظاهرين، بينهم حسن زكي الفرج، جواد قريريص، وسعود الفرج. لم يتبق أمام هؤلاء سوى المحكمة العليا، ما يجعلهم عرضة لخطر التنفيذ الفوري في أي وقت.
كما يواجه كل من عبد الله الدرازي وجلال اللباد المصير نفسه، في حين لا تزال قضايا أخرى عالقة في مرحلة الاستئناف.
وترى المنظمة أن النقض وإعادة المحاكمات، التي يُفترض أن تمنح المعتقلين فرصة لإنصافهم، ليست سوى وسيلة لـ التعذيب النفسي لهم ولعائلاتهم، عبر خلق آمال زائفة سرعان ما تتحطم عند صدور الأحكام ذاتها مجددًا.
هذا السلوك، بحسب المنظمة، يؤكد أن العدالة غائبة بشكل كامل في السعودية، وأن النظام القضائي لا يعمل بمعايير الاستقلال والحياد، بل يُسخَّر لترهيب المجتمع، وقمع أي شكل من أشكال التعبير السلمي.
ملف الإعدامات في السعودية، وخاصة بحق القاصرين والمتظاهرين، يقدّم صورة قاتمة عن واقع العدالة في المملكة. فالمحاكمات تعاني من التعذيب، الاعترافات القسرية، حرمان الدفاع، والتجاهل التام للمعايير الدولية.
وبينما تواصل السلطات ترديد روايتها أمام مجلس حقوق الإنسان بأن المحاكم السعودية تمر على ثلاثة عشر قاضيًا وتوفر كل ضمانات المحاكمة العادلة، تكشف الوقائع أن هذا المسار ليس سوى غطاءً شكليًا لشرعنة الإعدامات.
وإن استمرار هذه الانتهاكات، رغم إدانات الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية، يرسّخ القناعة بأن العدالة في السعودية مفقودة عمدًا، وأن الإعدامات ليست إلا أداة سياسية لتصفية المعارضين وإخماد أي صوت يطالب بالإصلاح أو الحرية.



